كتب أسامة أبوالقاسم كتبت فى مقال سابق معلقا على موقف من يريدون البدء بوضع الدستور قبل انتخابات مجلس الشعب فى مواجهة من يريدون الانتخابات قبل الدستور، ولم يعنينى صواب أو خطأ أحد الفريقين أو منطقية حجيته. ولم أحاول أن أبرهن على سلامة أو فساد نية أى من الفريقين فيما يطالب به. أقول ذلك الآن لأن أغلب ما وصلنى من تعليقات كان يدور حول هذين المحورين: أى الطريقين أكثر منطقية؟ وما هى أغراض كل طرف من المناداة بما يريد؟ وأعتذر لاضطرارى أن أعيد الرد وهو أن أهم ما يعنينى هو أن الاختيارين قد عرضا على الناس واختاروا ما رأوه أصلح لأمورهم وبذلك يجب أن ينتهى الأمر عند هذا الحد، وانتقدت بشدة الاعتذار بأن الناس إما مخدوعين ومنقادين وإما غير مدركين ما يقدمون عليه، وقلت أن هذه الكلمات تذكرنى بأساطين النظام البائد وهم يبررون تسلطهم وجبروتهم. وبالطبع لن أعيد ما كتبته الأسبوع الماضى مرة أخرى ولكن سآخذ القارئ إلى زاوية أخرى لنفس الموضوع لعلها تكون أكثر تشويقا واتفاقا. إنقسم أهل السياسة الرأى فى البلاد فريقين قبل استفتاء 19 مارس ونادى كل فريق ودعا الناس إلى ما يراه صوابا، وتفنن كل فريق فى استنباط المثالب والعيوب فى الحل الآخر، ولا بأس من الاعتراف أن البعض على كلا الجانبين استعمل وسائل غير مقبولة فى الترغيب أو الترهيب وإبراز المزايا أو العيوب، ولم ينكر أحد أن لكل منهما أغراضه المعلنة والمخفية من وراء ذلك. ثم عرض الأمر على عموم الناس فاختارت الأغلبية أحد الحلين على الآخر، فماذا كان يجب أن نتوقع من الفريق المهزوم؟ أنا شخصيا كنت أتوقع من هذا الفريق بما يحتويه من شخصيات وعقليات، أن يجلسوا معا ليدرسوا الموقف بطريقة علمية وحرفية ويقول لأنفسهم إننا حققنا 23% فقط من مجموع الناخبين، وإذًا فأمامنا الكثير من العمل لجذب ال 27% الباقية (أو أكثر) حتى نحقق النسبة المطلوبة للفوز فى أى جولات قادمة، فما السبيل إلى ذلك؟ وما هى الخطوات التى يجب علينا اتخاذها على المدى القريب والبعيد؟ يأتى على رأس هؤلاء الدكتور محمد البرادعى بما له من خبرة سياسية واسعة ومكانة دولية مرموقة، كنت أنتظر منه أن يجلس مع مؤيديه ليحللوا النتائج، ويستخلصوا منها المؤشرات للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وكيف أن دعوتهم لمقاطعة الاستفتاء لم تحقق قناعة لدى الغالبية بمشاركة 40% من مجموع من لهم حق الانتخاب، ثم الدعوة الثانية لرفض التعديلات حققت انتشارا بنسبة 23% مع الأخذ فى الاعتبار بالطبع أن هذه النسبة ليست مردها جميعا تلبية لدعوة الدكتور البرادعى فبعض من رفضوها قد يكونوا ليسوا من مؤيديه، وعلى ذلك فإن نسبة تأييده شعبيا كرئيس قد تتراوح بين 18-20%. فهل من طريق لزيادة هذه النسبة ورفع شعبيته بين عوام الناس؟ وكيف نشجع ال 60% الذين لم يشاركوا على المشاركة المرة القادمة؟ فقد تكون تلك الأصوات مضمونة أكثر، فاستمالة من لم يكن له موقف مسبق أيسر من محاولة تغيير صاحب موقف سابق لموقفه. هذه فقط أمثلة لما كنت أتوقعه أو أتمناه وليست ما حدث فى الواقع، لقد رأينا وسمعنا دعوات من نوعية: * بعد شهرين من الاستفتاء – لعل الناس تكون استوعبت وفهمت – هناك من ينادى بإعادته * أو ينادى بإلغاء نتيجة الاستفتاء لأنه شابه التعجل بدون داعى * الضغط لتغيير قواعد اللعبة كما حدث سابقا ويذكرنى هذا الموقف بفرقنا الرياضية حين تتعرض للهزيمة فنلوم الجو المتقلب والأرضية السيئة والتحكيم الظالم والجمهور العدائى، ثم نطلب بكل بساطة إعادة المباراة بدلا من النظر فيما وقعنا فيه من أخطاء أثناء المنافسات وكيف نتفاداه فى المنافسات القادمة. وإذا كان الرهان على أن "الضغط" لتغيير قواعد اللعبة السياسية سيأتى بنتيجة مهما بدا الواقع ثابتا، كما حدث مع النظام السابق عندما نادى الدكتور البرادعى بالتغيير، ولم يصدق أحد أن يأتى اليوم ويحدث ذلك التغيير على الأرض وليس فى الأحلام، بل إن التغيير المطلوب الآن أسهل بكثير وأقرب منالا من سابقه وفى وجه نظام لا يقارن بتعنت وعسف سابقه، فالرهان خاسر والفارق واضح: ففى المرة الأولى كان الناس مع التغيير المطلوب وبذلك تحقق "الضغط الشعبى" اللازم لحدوثه ونجاحه، أما الآن فالأغلبية ليست مع التغيير المطلوب وبالتالى ففشله متوقع لا شك فيه. عزيزى الدكتور البرادعى كان رهانك منذ البدايات المبكرة على الناس واستجابتهم ووعيهم، فما بالك الآن تسير عكس اتجاه الأغلبية، وتصدِر لهم دعوة جديدة هى اتهام مبطن لهم بسوء الاختيار وعدم الفهم؟ لقد أظهرت نتيجة الاستفتاء أنك خسرت نسبة كبيرة من تلك الأغلبية، فلا تفقد المزيد الآن ولا تزيد الهوة اتساعا، فالأجدى والأحكم من وجهة نظرى أن تحاول استعادة منهم إلى صفوفك من تستطيع، أو إقناع المحايدين بالانضمام إليك وإلا فسنكون لا نحن عملنا لنكسب المستقبل ولا نحن استفدنا بما تحقق بالفعل بأيدينا.