– صبا أبو فرحة كان أصعب قرار اتخذته عائلة (أبي شهاب)، بحق ابنتهم هند المصابة بشلل دماغي، هو قرار إجراء عملية إستئصال لرحمها. هند التي يناهز عمرها 30 عاماً الآن، أثبت الطب أنها "معاقة عقلياً"، ولن تسطيع أن تشفى من إعاقتها مطلقاً، وفق قول أبيها، ما حدا به إلى الطلب من طبيبة نسائية، استئصال رحم ابنته، التي أقر الطب عدم أهليتها. بالفعل تمت العملية، وتم استئصال الرحم، من دون أن يذكر أبو شهاب اسم المستشفى الذي تمت فيه العملية، لكنه يقول إنه الآن "مستريح من هم استمر طويلاً". الشلل الدماغي يعرف أخصائي جراحة الدماغ والأعصاب، الدكتور أحمد أبو شاور، الشلل الدماغي أو ما يعرف بين العامة ب"التخلف العقلي"، بأنه "خلل في القيام بالحركات الإرادية وتنسيقها"، ويبين أبو شاور أن المرض ناتج عن إصابة الدماغ قبل الولادة، أو أثناء الولادة أو بعدها، وتظهر العلامات قبل السنة الثالثة من عمر الطفل. ويوضح أبو شاور أن الشلل الدماغي "لا يشمل أمراض العضلات أو الأعصاب الطرفية، إنما اصابة الدماغ أو جزء منه، وتكون الإصابة ثابتة". وتابع أنه يصاحب حالات الشلل الدماغي "مرض الاختلاج، المعروف ب"الصرع"، وكذلك خلل بصري، وسمعي وعقلي و لكن بدرجات متفاوتة". ويعتبر الشلل الدماغي أكبر مسبب للإعاقة الحركية عند الأطفال، إذ تبلغ نسبة شيوعه 2/1000، وفق أبي شاور. وعن أسبابه، بين أبو شاور أنها تتمحور حول "شذوذ في تطور الدماغ، لعوامل تصيب دماغ الجنين و الطفل أثناء الحمل، مرض الحصبة الألمانية، قلة التروية والأكسجين أثناء فترة الحمل، التي تنتج غالباً عن اختلال في المشيمة والحبل السري، إصابة دماغ الطفل أثناء الولادة، بسبب عسر الولادة أو التسبب بنقص الأكسجين الواصل للدماغ، النزف في الدماغ غالباً عند الوليدين غير مكتملي مدة الحمل أو الوزن، الحوادث التي تصيب دماغ الطفل، والتي قد تسبب نزفاً وتلفاً في خلايا الدماغ مثل السقوط، حوادث المرور والغرق وغيرها"، التي اعتبرها الطبيب كثيرة بحيث يصعب حصرها. أنواع الشلل الدماغي 1- الشلل النصفي التشنجي: يصيب الأطراف في جهة واحدة من الجسم، والإصابة في الطرف العلوي أشد من الطرف السفلي، لذلك يتأخرالطفل في المشي بعد السنتين من العمر و تضعف عضلات الأطراف المصابة. وصورة الرنين المغناطيسي تبين ضمور شقي في المخ. 2- الشلل الرباعي التشنجي: الأكثر شدة بين حالات الشلل الدماغي، إذ تصاب الأطراف الأربعة معاً، وغالبا يصاحبه تخلف عقلي واختلاجات واضطراب في البلع، ويشير التاريخ المرضي غالباً إلى اختناق أثناء و بعد الولادة. والفحص السريري يظهر تشنج في الأطراف الأربعة، وصورة الرنين المغناطيسي، تبين ضموراً واسعاً في المادة البيضاء. 3- الشلل المزدوج النصفي: يظهر فيه تصلب الساقين معاً، ويلاحظ في السنة الأولى من العمر، عندما يبدأ الطفل يزحف مستعملاً يديه، و تبقى ساقاه منبسطتان، وكذلك تجد الأم صعوبة في تحفيظه، ويتأخر كثيراً في المشي، ويقف ويمشي على رؤوس أصابعه، وتضعف عضلات الساقين. ويكون مستوى الذكاء جيد، مع احتمال حدوث اختلاجات قليلة، وصورة الرنين المغناطيسي للدماغ تبين ضمور المادة البيضاء في المخ. 4- الشلل الدماغي الوهني:
يظهر ارتخاء في العضلات، ضعف في السيطرة على تثبيت الرأس، صعوبة في البلع والتغذية، يسيل اللعاب من فم الطفل، يتأخر في النطق و صعوبة في نطق الكلمات. معظمهم يعاني من التخلف العقلي الشديد. يتحول إلى شلل دماغي تشنجي في مرحلة الطفولة المتأخرة. خوف من الاعتداء وبالعودة إلى قصة أبي شهاب، فإن استئصاله لرحم ابنته، نابع من خوفه، من وقوع حالة اعتداء قد تمارس ضد ابنته، ووفق ما صرح به فإنه كان يخشى "من أي شخص تسول له نفسه بالاعتداء على ابنته، إن استطاعت الخروج من المنزل"، معتبراً أن الأمر الذي يزيد من تخوفه هو "احتمال حمل ابنته، وبالتالي إنجابها لطفل متخلف عقلياً"، وفق تصوره، أو "عدم استطاعتها القيام برعايته". ولا تنحصر مخاوف الأهل، بالخوف من الاعتداء على الفتاة المعاقة عقلياً، فهنالك معناة شهرية مع الفتاة البالغة، هي الدورة الشهرية. تقول أم شهاب: "الدورة الشهرية مزعجة للفتاة الطبيعية، فما بالك بالمتخلفة عقلياً؟!". وحول عملية التعقيم (جعل الرجل أو المرأة عقيماً) أو استئصال الرحم، يرى طبيب النسائية جهاد سليم، أن من حق أهل الفتاة استئصال رحمها، إذا أثبت الطب النفسي "تخلفها العقلي"، أو عدم أهليتها، قائلاً: "يحق لأهلها إزالة رحمها، في حالة أن الفتاة معاقة عقلياً وغير مدركة"، متسائلاً في الوقت نفسه، "عن حاجة مثل هذه الفتاة إلى رحم، طالما أنها لن تستطيع الزواج والإنجاب". وعند سؤال وزارة الصحة، عن قيام مستشفيات حكومية بعمليات استئصال أرحام فتيات مصابات بالشلل الدماغي، نفى الناطق باسم الوزارة حاتم الأزرعي، أن هنالك مستشفيات تقوم بمثل هذا النوع من العمليات، التي رأى أنها "منافية للشرع والأخلاق"، وفق اعتقاده. رأي القانون تؤكد الناشطة في قضايا المرأة المحامية تغريد جبر، أن استئصال رحم الفتاة التي تعاني من "إعاقة عقلية"، مهما كان نوعها، يدخل في باب "التعدي وانتهاك حرية الجسد وسلامته" مضيفةً، أن ما يحدث يمثل اعتداءً على الأمن الشخصي للفتاة". لكنها تستدرك وتقول "محلياً، لا يوجد قانون يجرم هذا الفعل، لأن هذه القضية برزت في الآونة الأخيرة، بشكل لم يسمح بإعداد نص قانوني، يجرم استئصال أرحام المعاقات حتى هذه اللحظة". أما مديرة المعهد الدولي لتضامن النساء المحامية أنعام العشا، فلا توافق على الاكتفاء "بالإشارة فقط لتجريم عمليات استئصال الأرحام، بل تطالب بنص قانوني صريح، يشتمل على عقوبات بحق الأهل، والطبيب الذي يجري العملية"، مضيفة أن القانون "هو الذي سيضع حداً لهذه العمليات، الآخذة بالتزايد في عددها، بحجة خوف الأهل على ابنتهم، من التعرض لحادثة اغتصاب وبالتالي الحمل". وترى المحامية المختصة بمجال حقوق الإنسان، والعاملة في المركز الوطني لحقوق الإنسان، والمعنية بقضايا الإعاقة، كريستين فضول، أن القانون "يرفض أي عملية استصال لأي عضو في جسم المعاق، طالما لا يوجد حاجة طبية لذلك"، موضحةً أن المادة الثانية من قانون حقوق الأشخاص المعاقين لسنة 2007، "تنص في أحد بنودها على حق الدمج، بمعنى أن البرامج والخطط والسياسيات، تهدف إلى تحقيق المشاركة الكاملة للشخص المعوق، في شتى مناحي الحياة، من دون أي شكل من أشكال التمييز، وعلى قدم المساواة مع الآخرين". وتابعت فضول بأن المادة الثالثة من نص القانون "تؤكد على احترام حقوق الأشخاص المعاقين، وكراماتهم وحرية اختيارهم واحترام حياتهم الخاصة، بالإضافة إلى المساواة بين الرجل والمرأة المعاقين، في الحقوق والواجبات". وفي هذا الخصوص، تطالب الناشطة في مجال حقوق المرأة همسة أبو غزالة، بضرورة "تحرك قانوني بغية إيجاد تشريع يحمي جسد المعوق، ويحدد الحالات المسموح فيها بإزالة الرحم". ومن جهة أخرى؛ يرى الطبيب النفسي جمال الخطيب، أن إزالة رحم الفتاة المعاقة خشية إنجاب طفل معاق، تعد نسبتها "ضئيلة جداً"، طالما لم يكن سبب التخلف وراثياً، إنما لحالة طارئة أثناء حمل والدتها بها، مشدداً في الوقت نفسه على أنه "لا مبرر لإزالة رحمها، لأنه ينتهك حقها في الحياة السوية كأية فتاة طبيعية"، وفق ما ورد على لسانه. فتوى شرعية وحول هذا النوع من العمليات، يرى أستاذ الفقه والشريعة في الجامعة الأردنية، الدكتور أحمد العوايشة، أن هذا النوع من العمليات "محل جدل"، موضحاً أن "هنالك دراسات طبية تشير إلى أهمية استئصال رحم تلك الفتاة، التي أثبت العلم عدم أهليتها، لراحتها وراحة أهلها"، مستدركاً أنه "ما لم يكن يكن هنالك داعٍ طبي، لإزالة الرحم فإن الأمر محرم شرعاً". مشاكل قد ترافق استئصال الرحم تبين الطبيبة الأخصائية النسائية هند رأفت، أن عملية إستئصال الرحم سواء أكانت للمرأة الطبيعية، أو "المتخلفة عقلياً" لا تخلو من مضاعفات، مضيفةً أن هذا النوع من العمليات، لا يتم إجراؤه إلا في حالات "لا يستطيع الطب فيها العلاج، كسرطان بطانة الرحم، أو النزيف الشديد"، مشيرة إلى أنه "في حال كون الرحم سليماً، بغض النظر عمن تتملكه، سواءً أكانت متخلفة عقلياً أو طبيعية، لا يجوز استئصاله". وتابعت الدكتورة رأفت قولها، إن عملية استئصال الرحم، قد تنتج عنها المضاعفات التالية: "النزيف الشديد أثناء العملية، ولذلك يتم تحضير دم من المتبرعين قبل العملية، تحسباً لحدوث مثل هذا، تمزق أو جرح بالمثانة البولية والحالب، التهاب جرح العملية، أو التهاب المثانة البولية بعد العملية، مما يتطلب استخدام المضادات الحيوية، حدوث جلطة في الأوعية الدموية الموجودة بالساقين، وتعد من أخطر المضاعفات، ولذا ننصح المريضة بالحركة بعد العملية مهما كلف ذلك، للتقليل من هذه المضاعفات، وفي بعض الأحيان تعطى المريضة، أدوية لزيادة سيولة الدم، خصوصاً إذا كان وزن المرأة زائدأ"، منوهةً إلى أن هذه المضاعفات "ليست شائعة كثيراً". من ناحية أخرى؛ أفادت إحصائيات صدرت مؤخراً، عن مؤسسة العناية بالشلل الدماغي (وهي مؤسسة خاصة تقدم العلاج الطبيعي والتعليم والتدريب لمراجعيها)، أن مجموع عدد المراجعين ذكوراً وإناثاً خلال ثلاث سنوات، الذين استفادوا من خدمات المؤسسة، بلغ 17713 مراجعاً، منهم 4934 أنثى. ونوه مدير المؤسسة، الدكتور راتب سعيد الحناوي، إلى أن هذه الإحصائية لا تعد "دقيقة مائة بالمائة"، مفسراً أن "عدد المصابين بالشلل الدماغي، قد يفوق هذا العدد، بسبب عدم رغبة الكثير من الأسر، بإعلان أن لديها معاقاً يعاني من إعاقة عقلية، أي الشلل الدماغي"