يقولون، لو هاجم سِربٌ من الغربان صقراً، فلا يبادلهم الهجوم ترَفُّعَاً، وإنما يضرب الهواء بجناحيه فيرتفع فوقهم مُحَلِّقاً، فيعجزون عن إدراكه ضَعْفاً، فترى الصقر في السماء مُتألقاً، وترى الغربان نحو الهاوية يتساقطون!. إنَّ الناجحين من الناس كالأشجار المُثمرة يَحْذِفها الصِّغار بالحجارة لينالوا شيئاً من هيبتها أو بعضاً من ثمرها، والصِّغار في هذا المقام ليسوا هم الأطفال، ولكنهم من يَمتهنون الرشق في كل وقتٍ لإسقاط سُترة التمَيُّز عن المُبدعين، غِيرَةً منهم، وحقداً عليهم، وهي حيلة رديئة يلجأ إليها الفاشلون ليلفتوا إليهم الأنظار، أو ليسرقوا قسطاً من الشهرة المنزوية عن شخوصهم، كذا ليُثبطوا هِمم النابهين، أو ليصرفوهم - ببعض التفاهات - عن بعض نجاحاتهم.
وللأسف، فإنَّ عدداً غير قليل - ممن نحسبهم على خير - ينزلقُ إلى تلك الفخاخ اللئيمة، فيتنازلون عن شيء من كبريائهم ومكانتهم، حين يخوضون نِزالاً جَدَلياً عقيماً مع من كانت أقصى أمانيهم نظرة عابرة منهم، حتى قِيلَ إنَّ فلاناً صَارَ نِدَّاً لفلان، فارتفع ثمن الرخيص، وانخفض ثمن الغالي، فتشوهت معالم قدوة، وانحنت هامة قمة، وأُرِيقت جهود مَوهبة، في معركة لا قيمة لها، ولا ثمرة تُرجى من ورائها.
المشهدُ السابقُ، تجَسَّدَ بأبعاده الثلاثية في حضرة ما يسمي ب «الكتابة الرقمية»، إذ أتاحت التكنولوجيا الرقمية قدراً متساوياً أمام جمهور المستخدمين لإبداءِ آرائهم وملاحظاتهم حول قضايا الساعة أو المواد المنشورة الكترونياً، بطريقة تفاعلية تتسم بالسهولة والسرعة، الأمر الذي فتح الطريق أمام مستخدمي الشبكة العنكبوتية - على اختلاف مراتبهم الفكرية والثقافية - ليقولوا كلمتهم ويعبروا عن أنفسهم، تدعيماً لحرية الرأي، وترسيخاً لما يسمي ب «الديمقراطية الرقمية digital democracy».
غيرَ أن «بعض» المُستخدمين يهدرون هذه الميزة، أو يُسيئون استخدامها، حين يحولونها إلى أداة للهو والعبث، فيتسابقون إلى رشق أشخاص وسُمَعٍ وذمم بتهمِ لا محل لها من الواقع، لمجرد أن شاهدوا اسماً لامعاً يتألق على صَدْر مادة منشورة الكترونياً، حاجبين العقل عن النظر بموضوعية نحو قضيةِ، أو فكرةِ، أو لغةِ المادةِ المنشورة، بل إنَّ بعضهم لا يقرأ المادة من الأصل، وإذا قرأ لا يتأنى، أو يقرأ فقرة أو عبارة، ثم يهرول إلى إبداء ملاحظته، وبالتالي يأتي تعليقه موتوراً، أو مبتورا.
حينئذ، يكونُ حَرِيَاً بالمبدعين أنْ يَسْلكوا مَسْلك الصقور، ترفعاً عن منازلة غير متكافئة، وحِفاظاً على مقامات غير متناظرة، وصيانة لقامات غير متساوية، ثم إن الردَّ المُفحِمُ على «الغربان» بالتجاهل، والاستمرار على درب الإجادة والإبداع، بل والإمعان في التحليق نحو أفاق عالية، لقذف الإحباط مجدداً في نفوس من لا يتقنون سوى الصراخ والثرثرة!.