لم أفكر على الإطلاق فى كتابة جزء ثالث لموضوع فهم معنى النجاح فى الحياة ، وقواعده العشرة التى أنهيتها فى الجزء الثانى ، ولكنى قابلت أحد أصدقائى القدامى من الشيوخ مثلى ، والذى بادرنى بالقول وبصوت يملؤه الحدة والغضب لماذا لم تكلمنى منذ زمن بعيد ، ولماذا لم تسعى إليّ مثلما كنت تسعى إليّ وقت أن كان لدى منفعة أقدمها لك، هو فى الحقيقة لم يستخدم كلمة تسعى ولكن استخدم كلمة تهرول .. ليس كذلك فقط بل عدد لى العديد من الأصدقاء وغير الأصدقاء الذين هرولوا عليه فى زمن مضى ، واليوم لا يجد أحد منهم يبادر بالسؤال عنه . وبدأ يلعن ذلك الزمن الغادر الذى لا يعرف فيه الناس إلا منافعهم ، يحصلون عليها وإذا انقضت وحصلوا عليها ، انفضوا من حولك . وهنا قد تسألون ما علاقة هذا بالنجاح وهل يصلح ما أكتبه هنا ، أن يكون جزءاً ثالثً من سلسلة فهم النجاح وقواعده .. أم أن الأمر هو أن معين الأفكار قد نضب ، وأصبحت لا أجد ما أكتب ؟ والإجابة غير ذلك تماماً لأن هذا الموقف يرتبط بقاعدة أساسية من قواعد النجاح فى الحياة ، وهى أحد الأسس التى يتحرك عليها الإنسان ، وهى أن الإنسان العادى والطبيعى ينجذب إلى المنفعة واللذة والخير ، ويبتعد عن الألم والأذى والشر والضرر ، وبالتالى تكون أهم قواعد النجاح فى الحياة هى أن تكون مصدر نفع دائم للآخرين ، ومصدر سعادة لهم بالفعل النافع ، والقول الطيب ، ودون انتظار المقابل منهم ، فقد لا يملكون أن يردوا ما تقدم لهم ، لأنهم لا يملكون هذا المقابل ولا يقدرون عليه .. وهذه قاعدة أساسية للنجاح ، لأنها هى السبيل إلى اجتذاب الآخرين إليك بكل الحب والتقدير ، ولا نجاح دون اجتذاب الآخر ، والحصول على محبته وتقديره . أما فيما يتعلق بصديقى الذى أبتعد الأصدقاء والآخرون عنه بعد أن أنقضت منافعهم منه ، والذى أعتقد أنهم غادرون غير مخلصون وغير أوفياء ، فالحقيقة غير ذلك تماماً ، لأن الآخر أيا كان هو صديق أو عابر سبيل عندما تقدم له المنفعة بكل الحب ، والإيثار ، ودون أن تشعره أنك تقدم له منفعة ، أو تكرر له عندما تقدمها له أنك شخص خير ، وأن هذه طبيعتك الخيرة المحبة للآخرين ، فأنت هنا تسىء إليه بشكل غير مباشر ، أو عندما تشعره بأنك تقدم له المنفعة لأنك قادر عليها ، وبشكل غير مباشر تشعره أنه غير قادر ، وتجعل الإحساس بالعجز يتولد إليه ، أو تتعالى عليه وأنت تقدم له هذه المنفعة التى هو فى حاجة إليها سواء بقصد أو غير قصد ، أو تغلف كلماتك بكلمات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ، حول إنسانيتك وكرمك فإن ما تفعله حسنة يتبعها أذى دون أن تدرى . وستكون النتيجة أن يفر منك بعد انقضاء المنفعة ، وبعد أن تصبح غير قادر على تقديم منافع . فالأصدقاء أو حتى الأفراد العاديون جميعهم ليسوا غادرين على الإطلاق لكنهم عندما يتذكرون كيف قدمت لهم هذه المنفعة وهل كانت من منطلق نفس طبيعتها الخير ، وأنها كانت مملؤه بالمحبة والرضا ، ولم تكن بغرض أن تترك بصمة وعلامة على الآخر أو الصديق المستفيد بالمنفعة ، فإنه مهما كان هذا الآخر أو هذا الصديق ومهما كانت تركيبته النفسية سيذكرك بالخير وسيعاودك دائماً لأن المنفعة أو الحسنة قد التصقت بالكلمة الطيبة والمحبة الصادقة . لذلك تأكد أن فهم المفاتيح العشرة للنجاح التى كتبتها فى الجزء الأول ، والقواعد العشرة للنجاح التى كتبتها فى الجزء الثانى .. لن يحققوا لك النجاح ، ولن يحققوا الشعور بالراحة والتوازن دون فهم هذه القاعدة " أن الناس ينجذبوا ويقتربوا من المنفعة واللذة والخير ، ويبتعدوا عن الألم ". فإذا ابتعد عنك الآخرين تذكر هذه القاعدة ، واسأل نفسك هل كنت مصدر ألم لهم ؟، وماذا كان مصدر هذا الألم ؟ هل هو كلمة تجريح ؟ أو انتقاد فى غير محله ؟ أو تقليل من شأنهم ؟ أو تذكير لأيام سوداء أو تجارب سلبية مرت عليهم أنت تعرفها ، وهم لا يحبون أن يتذكروها ؟ أو محاولة لوضعهم فى موقف حرج لا يستطيعون معه مخرج ، أو قول حاد ؟ أو محاولة لإثبات أنك الأفضل والأعلى ، وأنهم الأقل ، وأن المسافة بينك وبينهم بعيدة . إن الآخر يبتعد عنك عندما تكون مصدر ألم له أيا كان شكل هذا الألم .. فعندما يبتعد عنك الآخرين اسأل نفسك أولاً قبل أن تسألهم ... وهنا نرجع إلى أن الناس فى معظمهم يتصرفون وفق أربع أنماط من السلوك : الأول : أنا على ما يرام وأنت على ما يرام . والثانى : أنا على ما يرام وأنت لست ما يرام . والثالث : أنت على ما يرام وأنا لست على ما يرام . والرابع : أنت لست على ما يرام وأنا لست على ما يرام . والنمط الأول وهو النمط الأفضل والمطلوب والمرغوب ، وهو الذى يعنى أن سلوكك مع الآخر ينطلق من أنك فى أفضل حال ، وهو أيضاً فى أفضل حال ، من أنك خير وهو أيضاً خير ، من أنك ناجح وهو أيضاً ناجح ، هو السلوك الذى تذكر للآخر فضائله وصفاته الطيبة ، وتتيح له الفرصة أن يعبر عن نفسه ، وعن محاسنه وعن إمكاناته دون أى اعتراض أو تكذيب أو استنكار ، هو السلوك الذى يشعر فيه الآخر أنك تحتويه بكل الحب والتقدير والإعزاز ، فيبادلك الإعزاز والتقدير . أما النمط الثانى ، هو الذى تحاول فيه بكل الطرق وكل السبل أن تشعر الآخر أنك أفضل منه ، وأن الآخر أيا كان هو لا يمكن أن يجاريك أو يتساوى معك ، هو السلوك الذى تؤكد فيه قوتك وعظمة إمكاناتك ، وتميز نمطك الاستهلاكى ونمطك الثقافى وتتباهى بما تملك ، وتمنع الآخر من أن يقول شيئاً ، وخصوصاً لو كان هذا الآخر لا يملك ما تملك ، أو فى وضع أقل منك . ففى هذه الحالة قد قهرت الآخر .. بل قد قتله دون أن تدرى .. فهل من الممكن إذا مارست عليه هذا السلوك ولو مره واحده أن يعود إليك مرة ثانية . هل يمكن أن يعود إليك من حاولت أن تقلل من شأنه أو أن تتعالى عليه ... بالتأكيد سيفر منك . أما النمط الثالث ، وهو أنت لست على ما يرام ، وأنا لست على ما يرام ، فهو نمط سلبى ويمثل الوجه الآخر الضعيف للنمط السابق ، حيث يكون العكس عندما تعدد للآخر ما يحيط به من نعم وقوه ووفرة ، وتنعى حظك السىء أمامه وبشكل مباشر أنك لا تملك مثل ما يملك هو ، ويكون السلوك حسد ظاهر أو غير ظاهر ، ولكن لا يخطئه الآخر . فهل تنتظر من الآخر الذى تمارس عليه هذا السلوك أن يعود إليك أو لا يفر منك . والنمط الرابع .. الذى يسود الأمور ويجعل الأمور ظلام وسواد ويكون مضمون حديثه وحواره وسلوكه أننا نحن الاثنين مظلومين مقهورين ، أو يكون حديثه مغلفاً بأنه لا فائدة ولا سبيل ولا خلاص .. هو الذى تشعر بعد المقابلة أنك محبط يائس .. قد ضافت بك كل الأمور والسبل .. فهل تعتقد أن الآخر الذى كانت نتيجة مقابلته لك أن شعر باليأس والإحباط أن يعود إليك مرة ثانية . لذلك كم أود أن أقول لصديقى عندما يفر منك الآخرين تأكد أن السبب لا يمكن أن يكون فى الآخرين . أما عن علاقة هذا بالنجاح فى الحياة ، فهو أنه لا نجاح فى الحياة ، ولا راحة فيها إلا إذا كنت تمارس فى سلوكك مع الآخر نمط أنا على ما يرام وأنت على ما يرام .. وأن الآخرون سيفرون منك عندما تمارس معهم نمط أنا على ما يرام وأنت لست على ما يرام .. وتأكد أنه لا نجاح فى الحياة ولا راحة فيها مع إيذاء الآخر بالقول أو الفعل ، أو بالإدعاء عليه بأمور على غير الحق ، أو بالتعالى عليه أو بالتقليل من شأنه ، فالآخر أيا كان ، هو قيمه جديره بكل الاحترام والتقدير ، ويستحق دائماً الكلمة الطيبة والمنفعة الصادقة . وتأكد مرة ثانية وثالثة ورابعة بل ومائة أنه لا نجاح إذا فر الآخرون منك وابتعدوا عنك ، وحتى لو حدث النجاح لأنك تملك القدرة على تقديم المنفعة لهم فتذكر أن المنفعة التى يتبعها أذى أو كانت غير صادقة ستجعلهم يفرون منك عندما تصبح غير قادر على تقديم المنفعة لهم فلا تجعلهم يفرون منك . د. محمد كمال مصطفى استشارى إدارة وتنمية الموارد البشرية