إن الأحداث و التطورات العالمية الراهنة المليئة بالضغوطات و التحديات على جميع المستويات الاقتصادية الاجتماعية الثقافية الفكرية السياسية لابد ان تجد من الفرد العربي تفاعل ايجابي حتى يعرف كيف يواجه هذا الواقع الذي يجعل اليوم في دائرة المُستغل المحروم المستبد به . هذا الفرد الذي غالبا ما يجهل كل ما يدور حوله و يكتفي بالانكفاء على نفسه في حربه المتواصلة مع لقمة العيش. وهذا يرجع لتفاعله الشبه المنعدم مع أهم محركات حياته القاسية التي رضخ لها كنوع من التسليم السلبي ، و الأخطر من ذلك هو النظم المختلفة التي طوق حياته بها ، نظم تزيد من تكبيله و دفعه إلى هاوية الجهل وإبعاده عن الإدراك السليم . وهنا نطرح السؤال لماذا هذا التفاعل السلبي على المستوى الفردي ؟؟؟ والتي تنعكس بطبيعة الحال على المستوى الدولي ؟؟؟ لأنه من البديهي أن يقودنا وعي الأفراد إلى وعي جماعي الذي من شانه يساهم في تحقيق التفاعل الايجابي على الساحة الدولية وهذا ما نفتقده اليوم . ( وانوه هنا ان موضوع التفاعل في حد ذاته واسع و متشعب و قد سبق التطرق اليه في مقالات سابقة لمن يريد التوسع اكثر ) ما يجب ان ندركه أن التفاعل ما هو إلا حصيلة وعي ، إذن وعي الفرد العربي موجه حتى يكون بهذه الشاكلة ( سلبي ) ، بمعنى آخر محصور و محدود بغية استمرارية واقع اسود . فكيف لنا اليوم النهوض بالوعي العربي و تجديده ؟؟؟ ان الوعي الصحيح هو مفتاح التغير ،فما هومفهوم الوعي ؟ لقد خاضت علوم الفلسفة و علم النفس و علم الاجتماع في محاولة ضبط دقيق لمفهوم و الوعي ، وقدم كل علم تفسيرات و شروحات من دلالات و منطلقات يرتكز عليها كل علم . لذا تختلف مدلولات الوعي من باحث و عالم إلى آخر، فمنهم من يقرنه باليقظة في مقابل الغيبوبة أو النوم. ومنهم منيقرنه بالشعور فيشير إلى جميع العمليات السيكولوجية الشعورية. ويمكن أننجمل الدلالة العامة للوعي فيما يلي: إنه ممارسة نشاط معين ( فكري، تخيلي، يدوي...الخ)، وإدراك تلك الممارسة. و يمكن تصنيف الوعي إلى أربعة أصنافوهي: (1) الوعي العفوي التلقائي: إنه ذلك النوع من الوعي الذييكون أساس قيامنا بنشاط معين، دون أن يتطلب منا مجهودا ذهنيا كبيرا، بحيثلا يمنعنا من مزاولة أي نشاط آخر. 2) )الوعي التأملي: إنه وعي يتطلب حضورا ذهنيا قويا مرتكزا في ذلك على قدرات عقلية كلية كالذكاء أو الإدراك أو الذاكرة. 3) )الوعي الحدسي: وهو الوعي المباشر و الفجائي الذي يجعلنا ندرك الأشياء أوالعلاقات، أو المعرفة، دون أن نكون قادرين على الإدلاء بدليل أو استدلال. 4) )الوعي المعياري الأخلاقي: وهو الذي يسمح لنا بإصدار أحكام قيمة علىالأشياء والسلوكيات بحيث نرفضهما أو نقبلهما بناءا على قناعات أخلاقية،وغالبا ما يرتبط هذا الوعي بمدى شعورنا بالمسؤولية اتجاه أنفسنا و اتجاهالآخرين. و على هذا الأساس فالوعي هو إدراكنا للواقع و الأشياء،إذ بدونه يستحيل معرفة أي شيء. لذلك يمكن وصف الوعي بأنه « الحدس الحاصلللفكر بخصوص حالاته و أفعاله». فهو بمثابة "النور" الذي يكشف للذات عنبواطنها. يعرفه الأستاذ الدكتور عبد الكريم بكار في كتابه ( تجديد الوعي ) على انه : محصلة عمليات ذهنية وشعورية معقدة حيث يشترك في تشكيله التفكير والحدسوالخيال والأحاسيس والمشاعر والإرادة والضمير، والمبادئ والقيم ومرتكزات الفطرةوحوادث الحياة والنظم الاجتماعية والظروف التي تكتنف حياة الإنسان.
كل هذه العناصر تساهم في تشكيل وعي الفرد و بالتالي سنجده ( الوعي ) يختلف من شخص لآخر حسب امتزاج هذه العناصر و مدى مصداقيتها ، فهو عملية متواصلة الاكتساب لان معطيات الحياة في حركة مستمرة وتغيرات ، ممكن تكون في فترات زمنية قصيرة و هذا يُمكن أن يسبب ما يُعرف ( بالصدمة ) مما يتطلب الحرص على أن يجاري الوعي هذه السرعة و يستوعبها حتى لا يهمش ولا يركن في زاوية تحرمه من مواكبة الأحداث . وعملية اكتساب الوعي لابد أن تمتاز بالتصفية و الغربلة الدائمة من شوائب الأفكار السوداء التي يراد بها التضليل و التغيب عن الحقيقة .لذا اكتساب الوعي لا بد أن يكون لها قواعد و ركائز تحميها و توجهها دوما إلى التيار الصحيح وإلا يحدث ما يعرف بارتباك الوعي و هو ناتج الخلل في عدم الموافقة بين الثنائيات الأساسية أي القديم / الجديد ، الأنا / الأخر ،المعنوي /المادي و غيرها مما يولد عدم القدرة على مجارات الأحداث المتجددة. إن مجتمعنا اليوم يعيش ما يعرف بتغيب الوعي ، الذي ترعاه و تحتضنه اكثر من مؤسسة و جبهة ، كل تشتغل على مستواها بطرق منظمة و مدروسة ، بغية الوصول إلى قوقعة هذا الفرد العربي و عزله ، ولا يمكن إنكار أن هذه العملية تعرف نجاحا باهر ومستمرا . خاصة على المستوى الاجتماعي الذي ترافقنا مظاهره على مدار اليوم المعاش ، ومنها على سبيل المثال : * نرى الأفراد تضع الخبز على ارض وسخة حتى يبرد و بعدها يؤكل ؟؟؟ *أوساخ ترمى في كل مكان ؟؟؟* انعدام الاحترام ؟؟؟ * ان يكون هدف كل الأسر رغم تضارب مستواها الاقتصادي هو جمع اكبر تكلفة لأجل تزويج البنت أو الولد و التباهي أمام الناس رغم الديون التي ستثقل كاهلها و رغم طول فترة الخطوبة و ما ينجر عنه ؟؟ *عندما يصبح الكتاب آخر ما يفكر في اقتنائه و الندوات الفكرية والعلمية آخر ما يفكر في حضوره ؟؟؟ * عندما بات للاغاني المنحطة و الفن السينمائي الاباحي أكثر شعبية و متابعة ؟؟؟ * عندما قبل هذا الفرد بان يعمل عملين حتى يلبي مطالب أسرته و رضخ للأمر و حُرم من ممارسة حياة متوازنة ؟؟؟ * عندما بات الرضوخ لكل زيادات في الأسعار دون فهم السبب و إرجاع الأمور على أنها تخص الكبار الفاهمين ؟؟؟ عندما ... وعندما .... و عندما..... من منا لا يعاش هذه الظواهر اليومية ؟؟؟... كلها نتيجة لوعي مغيب .... يٌرفض ان نسترجعه أو نوقظه ..... ان غياب الوعي الفردي يولد كما سبق و ذكرنا انعداما كامل لوعي خارجي بمعنى تفاعلنا الدولي سلبي شبه منعدم ، وما يحدث للبلدان العربية اليوم من اجتياح و استغلال و قتل و نهب و انتهاك للحقوق الإنسانية خير حوصلة لهذا التغييب ( عراق ، فلسطين ، السودان ،....).....لذا لا حل و لا تغير إلا بثورة عارمة لإحياء الوعي السليم في ذات الفرد العربي وتكسير كل القيود و الاغلال التي تكبل رغبته في الفهم و الاستيعاب حتى يكون له تفاعل ايجابي يحفظ له مكانته في دولته أولا و على المستوى الدولي ثانيا