العنوان ليس من عندى، بل هو عنوان كتاب باللغة الفرنسية كتبه أحد الكتاب الفرنسيين من أصل مصرى "روبيرسوليه" فى عام 1997، وأصبحت هذه العبارة شعاراً لاحتفالات فرنسا بذكرى مرور مائتى عام على الحملة الفرنسية على مصر. مصر وفرنسا تتشابهان من حيث موقع كل منهما وتأثيره فى محيطه سياسياً وفكرياً وثقافياً، فمصر تقع فى قلب العالم العربى، وفرنسا تقع فى قلب أوروبا، وكلا البلدين يشاطئان البحر الأبيض المتوسط الذى تبادل فيه التأثير العرب والأوروبيون منذ أقدم العصور، وهذا الموقع المتميز لمصر أتاح التأثير فى محيطها العربى والآسيوى والأفريقى منذ فجر التاريخ، وظهر هذا التأثير واضحاً جلياً بعد تحرر مصر واستقلالها مع ثورة 23 يوليو عام 1952، وامتداد أفكار القومية العربية والاشتراكية والتحرر الوطنى إلى أقطار أخرى، تجاوزت الدائرة العربية والإسلامية، وكذلك موقع فرنسا فى قلب أوروبا أتاح لفرنسا أن تؤثر فى مجرى الأحداث فى القارة الأوروبية، ومنح الأفكار الفرنسية فى التنوير والثورة وقيم الحرية والإخاء والمساواة ومختلف أنساق الفكر الفرنسى الحديث السياسى والحداثى، نفوذاً كبيراً فى زحزحة وخلخلة النظام الإقطاعى فى أوروبا وانتشار روح الثورة والعصر الحديث. العلاقات بين مصر وفرنسا تدخل فى صلب التاريخ الحديث لمصر، منذ حملة بونابرت فى أواخر القرن الثامن عشر ورحيله عنها فى مطلع القرن التاسع عشر، مع استقرار الحكم لمحمد على تطلع هذا الأخير لأوروبا وخاصة فرنسا لبناء دولة حديثة، وسرعان ما أوفد البعثات المصرية إلى فرنسا، تلك البعثات التى ضمت أحداها الشيخ رفاعة رافع الطهطاوى الذى ذهب ليؤم المبعوثين بعض فى الصلاة، تعرف الطهطاوى على الحياة والعادات والقيم الفرنسية وكتب كتابه المعروف "تخليص الإبريز فى تلخيص باريس"، وبدأت منذ ذلك التاريخ حركة النهضة المصرية لبناء دولة حديثة واقتباس قيم وأساليب وعلوم وإدارة العصر الحديث. كان للفرنسيين وفرنسا دورا هاما فى بناء دولة محمد على الحديثة؛ حيث يذكر المفكر الراحل أنور عبد الملك فى كتابه نهضة مصر أن عدد المهندسين الذين استعان بهم محمد على فى بناء المشروعات والمصانع آنذاك من الفرنسيين كان يبلغ مائتين وخمسين مهندساً، وكان هؤلاء من أتباع ومريدى "سان سيمون" رائد الاشتراكية الطوباوية الفرنسية، والتى كانت أحد المصادر الأساسية لبلورة النظرية الماركسية، وكان هؤلاء السانسيمونيين متعاطفين مع محمد على وكانوا يرون فيه رمزا لأفكارهم فى الشرق. نشأت العلاقات التاريخية بين مصر وفرنسا فى هذه الحقبة فى إطار التنافس التقليدى بين الإمبراطورية الاستعمارية البريطانية والإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية، حول تقاسم النفوذ فى المشرق العربى، هذا التنافس الذى أخذ طابعاً قوياً خاصة بعد حفر وافتتاح قناة السويس واكتشاف أهمية هذا الممر الملاحى. ومع ذلك ورغم العمق التاريخى للعلاقات بين مصر وفرنسا، فإن المستوى الحالى للعلاقات لا يتلاءم مع تجذر هذه العلاقات فى التاريخ والثقافة والوعى، فمعظم المؤشرات الاقتصادية للتبادل والاستيراد والتصدير أى واردات مصر من فرنسا وصادرات مصر إليها تبدو ضعيفة مقارنة بإمكانيات التعاون بين البلدين، وهى كبيرة خاصة بعد ثورة الخامس والعشرين من عام 2011 والثلاثين من يونيو عام 2013، حيث تحاول مصر إعادة بناء اقتصادها عبر محاربة الفساد وبدء المشروعات القومية ورسم خريطة للاستثمار العربى والأجنبى ومن الممكن أن يكون للاستثمارات الفرنسية مكانا مهما فى هذه الخريطة وقد تدفع زيارة الرئيس السيسى نحو تحفيز هذه العلاقات وتطويرها بالدرجة التى تتناسب مع عمق هذه العلاقات التاريخى.