مد فترة تسجيل الطلاب الوافدين بجامعة الأزهر حتى مساء الأربعاء    محافظ الإسماعيلية يوافق على تشغيل خدمة إصدار شهادات القيد الإلكتروني    حماس ترفض زيارة الصليب الأحمر للأسرى في غزة    وسائل إعلام أمريكية تكشف تفاصيل الاتفاق بين واشنطن وتل أبيب على اجتياح لبنان    ناصر منسي: هدفي في السوبر الإفريقي أفضل من قاضية أفشة مع الأهلي    ضبط نسناس الشيخ زايد وتسليمه لحديقة الحيوان    انخفاض الحرارة واضطراب الملاحة.. الأرصاد تعلن تفاصيل طقس الثلاثاء    أحمد عزمي يكشف السر وراء مناشدته الشركة المتحدة    صحة دمياط: بدء تشغيل جهاز رسم القلب بالمجهود بالمستشفى العام    للمرة الأولى.. مجلس عائلات عاصمة محافظة كفر الشيخ يجتمع مع المحافظ    "مستقبل وطن" يستعرض ملامح مشروع قانون الإجراءات الجنائية    فعاليات الاحتفال بمرور عشر سنوات على تأسيس أندية السكان بالعريش    بيسكوف: قوات كييف تستهدف المراسلين الحربيين الروس    بعد 19 عامًا من عرض «عيال حبيبة».. غادة عادل تعود مع حمادة هلال في «المداح 5» (خاص)    «إيران رفعت الغطاء».. أستاذ دراسات سياسية يكشف سر توقيت اغتيال حسن نصر الله    كيفية التحقق من صحة القلب    موعد مباراة الهلال والشرطة العراقي والقنوات الناقلة في دوري أبطال آسيا للنخبة    الأربعاء.. مجلس الشيوخ يفتتح دور انعقاده الخامس من الفصل التشريعي الأول    للمرة الخامسة.. جامعة سوهاج تستعد للمشاركة في تصنيف «جرين ميتركس» الدولي    ضبط نصف طن سكر ناقص الوزن ومياه غازية منتهية الصلاحية بالإسماعيلية    مؤمن زكريا يتهم أصحاب واقعة السحر المفبرك بالتشهير ونشر أخبار كاذبة لابتزازه    تفاصيل اتهام شاب ل أحمد فتحي وزوجته بالتعدي عليه.. شاهد    الرئيس السيسي: دراسة علوم الحاسبات والتكنولوجيا توفر وظائف أكثر ربحا للشباب    الأمن القومي ركيزة الحوار الوطني في مواجهة التحديات الإقليمية    القاهرة الإخبارية: 4 شهداء في قصف للاحتلال على شقة سكنية شرق غزة    أمين الفتوى يوضح حكم التجسس على الزوج الخائن    قبول طلاب الثانوية الأزهرية في جامعة العريش    كيف استعدت سيدات الزمالك لمواجهة الأهلي في الدوري؟ (صور وفيديو)    محافظ المنوفية: تنظيم قافلة طبية مجانية بقرية كفر الحلواصى فى أشمون    مؤشرات انفراجة جديدة في أزمة الأدوية في السوق المحلي .. «هيئة الدواء» توضح    حدث في 8ساعات| الرئيس السيسى يلتقى طلاب الأكاديمية العسكرية.. وحقيقة إجراء تعديلات جديدة في هيكلة الثانوية    "طعنونا بالسنج وموتوا بنتي".. أسرة الطفلة "هنا" تكشف مقتلها في بولاق الدكرور (فيديو وصور)    رمضان عبدالمعز ينتقد شراء محمول جديد كل سنة: دى مش أخلاق أمة محمد    التحقيق مع خفير تحرش بطالبة جامعية في الشروق    "رفضت تبيع أرضها".. مدمن شابو يهشم رأس والدته المسنة بفأس في قنا -القصة الكاملة    تأسيس وتجديد 160 ملعبًا بمراكز الشباب    إنريكى يوجه رسالة قاسية إلى ديمبيلى قبل قمة أرسنال ضد باريس سان جيرمان    هازارد: صلاح أفضل مني.. وشعرنا بالدهشة في تشيلسي عندما لعبنا ضده    وكيل تعليم الفيوم تستقبل رئيس الإدارة المركزية للمعلمين بالوزارة    5 نصائح بسيطة للوقاية من الشخير    هل الإسراف يضيع النعم؟.. عضو بالأزهر العالمي للفتوى تجيب (فيديو)    20 مليار جنيه دعمًا لمصانع البناء.. وتوفير المازوت الإثنين.. الوزير: لجنة لدراسة توطين صناعة خلايا الطاقة الشمسية    المتحف المصرى الكبير أيقونة السياحة المصرية للعالم    تم إدراجهم بالثالثة.. أندية بالدرجة الرابعة تقاضي اتحاد الكرة لحسم موقفهم    «حماة الوطن»: إعادة الإقرارات الضريبية تعزز الثقة بين الضرائب والممولين    طرح 1760 وحدة سكنية للمصريين العاملين بالخارج في 7 مدن    تواصل فعاليات «بداية جديدة» بقصور ثقافة العريش في شمال سيناء    اللجنة الدولية للصليب الأحمر بلبنان: نعيش أوضاعا صعبة.. والعائلات النازحة تعاني    نائب محافظ الدقهلية يبحث إنشاء قاعدة بيانات موحدة للجمعيات الأهلية    فرنسا: مارين لوبان تؤكد عدم ارتكاب أي مخالفة مع بدء محاكمتها بتهمة الاختلاس    أفلام السينما تحقق 833 ألف جنيه أخر ليلة عرض فى السينمات    5 ملفات.. تفاصيل اجتماع نائب وزير الصحة مع نقابة "العلوم الصحية"    برغم القانون 12.. ياسر يوافق على بيع ليلى لصالح أكرم مقابل المال    إنفوجراف.. آراء أئمة المذاهب فى جزاء الساحر ما بين الكفر والقتل    مدير متحف كهف روميل: المتحف يضم مقتنيات تعود للحرب العالمية الثانية    «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف إعانة شهر أكتوبر للمستحقين غدًا    التحقيق مع المتهمين باختلاق واقعة العثور على أعمال سحر خاصة ب"مؤمن زكريا"    الأهلي يُعلن إصابة محمد هاني بجزع في الرباط الصليبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبراهيم نوار يكتب: أرض الخير والنماء.. الشمس والرياح والبحار والرمال هبات طبيعية تغمر مصر يجب أن نستثمرها لصالح الإنسان
نشر في البوابة يوم 20 - 08 - 2023

الطاقة الخضراء مثلها مثل شجرة دائمة الخضرة. عرفها الإنسان من قديم الزمان؛ فصنع السفن الشراعية لاستثمار طاقة الرياح فى السفر بالبحر، وصنع طواحين الهواء لاستثمارها فى الصناعة، كما استخدم الشمس فى تجفيف وحفظ الطعام وتسخين الماء. ولا تنتج الطاقة الخضراء مخلفات ملوثة للبيئة؛ فهى صديقة للبيئة بكل المقاييس. وقد نبه العلماء منذ عقود طويلة إلى خطورة حرق الوقود الإحفورى (الفحم والبترول والغاز)، وحذروا من حدوث تقلبات مناخية حادة، تقلب حياة الإنسان رأسا على عقب. لكن السياسيين فى العالم استهتروا بهذه التحذيرات، مدعومين بمصالح الباحثين عن الربح السريع. وما أن تجسدت تلك التقلبات المناخية فى موجات جفاف وسيول وفيضانات وتصحر وحرارة قاسية، حتى عرفوا أن الخطر أصبح حقيقة واقعة. ونظرا لأن علماء البيئة والطبيعة والكيمياء ومهندسى التطبيقات الصناعية التكنولوجية، لم يتوقفوا عن عملهم فى تطوير تكنولوجيا للطاقة الصديقة للبيئة، رغم استهتار السياسيين والشركات العملاقة فى قطاع الطاقة، فإن العالم أصبح يمتلك الآن ترسانة علمية وتكنولوجية فى مجالات الطاقة الجديدة، كافية للبدء فى عصر انتقال من الطاقة التقليدية إلى الطاقة المتجددة، كما أصبحت لديه صناعة تكنولوجية ضخمة، تنمو مدفوعة بقوة الطلب على معدات وأنظمة إنتاج الطاقة الشمسية والضوئية، وطاقة الرياح، والطاقة المولدة من الكتلة الحيوية (المخلفات المنزلية)، والطاقة المولدة من حرارة باطن الأرض، ومن أمواج البحار والمحيطات. هذا هو عالم الطاقة الجديدة والمتجددة، هذا هو أمل البشرية فى عالم جديد، يقوم على أساس علاقة صداقة وتعاون بين الإنسان والبيئة.
صناعات الطاقة المتجددة ليست صناعة واحدة قائمة بذاتها، وإنما ترتبط بكثير من الصناعات القائدة، أهمها صناعات السيارات والقطارات الكهربائية، والأجهزة الكهربائية المنزلية، وخدمات الإنارة فى الشوارع والمرافق العامة، إضافة إلى صناعة مكونات صناعات توليد وتوزيع الطاقة المتقدمة تكنولوجيا، ووسائل التحكم فيها. ونظرا لأن هذه الصناعات ما تزال جديدة، فإن سلاسل الإمدادات العالمية المرتبطة بها لم تكتمل أو لم تنضج بعد، وهو ما يفتح أبوابا واسعة لتوطينها وتنميتها فى مصر وغيرها من البلدان النامية التواقة إلى التقدم. وتفتح صناعات الطاقة الجديدة بوابة واسعة للتقدم على طريق الثورة الصناعية الرابعة مباشرة، دون الحاجة إلى تقليد دورة الثورة الصناعية الثالثة وإعادة إنتاجها؛ فبعد سنوات ستتحول محركات الاحتراق الداخلى إلى مجرد خردة حديد تباع بالكيلو!
الثورة الصناعية الرابعة
تمثل صناعة الطاقة المتجددة واحدا من أهم روافع الثورة الصناعية الرابعة، التى تعتمد على أشباه الموصلات، والرقائق الصناعية المتقدمة، وأجهزة وأنظمة الذكاء الاصطناعى، وإنترنت الأشياء، وتطبيقات تكنولوجيا الكوانتوم فى مجالات الحياة المختلفة، من الزراعة إلى استكشاف الفضاء. وقد كانت صناعات الفضاء نفسها واحدا من محركات الطاقة المتجددة، حيث يمكن استخدام أسطوانات الهيدروجين فى توفير الطاقة والمياه لسفن الفضاء وساكنيها. ونظرا لكثافتها التكنولوجية فإن صناعات الطاقة الجديدة، مثل خلايا الطاقة الشمسية، وتوربينات الرياح، وبطاريات تخزين الطاقة الفائقة القوة، ومحولات الطاقة الجديدة، هى صناعات متوطنة فى الدول الصناعية المتقدمة، خصوصا فى الولايات المتحدة والصين وألمانيا وفرنسا واليابان. وتعتبر الصين الآن أكبر مصنع لمعدات ومستلزمات الطاقة الشمسية فى العالم. وباستثناء الهند التى تحاول الدخول إلى عصر صناعات الطاقة المتحدة بإرادة قوية، فإن الدول النامية الأخرى ما تزال تعيش فى عصر استهلاك الطاقة التقليدية، وتدخل على استحياء شديد إلى عصر الطاقة المتجددة، بوصفها دولا مستهلكة لمنتجاتها لا منتجة لها.
وتشهد دول الشرق الأوسط، النفطية، مثل السعودية والإمارات، والمستوردة للنفط مثل مصر والمغرب، صحوة طاقوية ضخمة، مدفوعة بوفرة موارد الطاقة المتجددة مثل أشعة الشمس وقوة الرياح ومياه البحار، إلى جانب قدرة ذاتية على التمويل فى بلدان مثل السعودية والإمارات، وجاذبية فى الحصول على التمويل الأجنبى، مع تقدم العالم على طريق تحقيق أهداف اتفاقية باريس العالمية للمناخ (2015)، التى تقضى بتخفيض ارتفاع درجة حرارة الجو إلى 1.5 درجة مئوية بنهاية القرن الحالى، مقارنة بما كان عليه قبل العصر الصناعى، وتخفيض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون إلى الصفر فى منتصف القرن الحالى.
مصر، وهى من الدول المستوردة للطاقة، حصلت، فى سياق مؤتمر البيئة العالمى 27 COP الذى استضافته فى شرم الشيخ فى نوفمبر من العام الماضى، على تعهدات بالاستثمار فى مشروعات الطاقة المتجددة داخل حدودها بقيمة تتجاوز 100 مليار دولار. هذه الاستثمارات، فى حال تحققها، تجعل منها الدولة الأولى المنتجة للطاقة المتجددة فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والدولة الثانية المنتجة للهيدروجين الأخضر فى العالم. وتتمتع مصر بموارد هائلة تمكنها من إنتاج الهيدروجين الأخضر بتكلفة أقل من المنتجين المنافسين فى المنطقة. ومن المتوقع مع استمرار تقدم التكنولوجيا وزيادة الطلب أن تنخفض تكلفة الإنتاج لتصل إلى دولار واحد/كجم أو أقل قبل عام 2050 مقارنةً ب2.7 دولار عام 2025. وتعتبر الصين حاليا هى الدولة الأكثر تنافسية فى العالم من حيث تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر، بما يتراوح بين 65 سنتا إلى 1.10 دولار للكيلو جرام. ويساعد التوسع فى إنتاج الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية وطاقة الرياح على تخفيض واردات مصر من المواد البترولية، وتقليل انبعاثات الكربون. وكانت قيمة الواردات البترولية فى الأشهر التسعة الأولى من العام الحالى قد بلغت 10.8 مليار دولار بنسبة 20٪ من إجمالى الواردات السلعية، كانت مسئولة وحدها عما يقرب من 38٪ من العجز التجارى خلال تلك الفترة.
الطاقة الجديدة جسر للمستقبل
تقوم مصر فى الوقت الحاضر بتطوير استراتيجية مدمجة للطاقة، وتعديل هيكل مصادر تغذية قطاع الكهرباء، تستهدف رفع نصيب الطاقة المتجددة فى عام 2025 إلى 33٪ وإلى 48٪ عام 2030، ثم إلى 55٪ عام 2035، لتصل إلى 61٪ عام 2040. ومن المتوقع أن يستحوذ القطاع الخاص المصرى والأجنبى على النسبة الأعظم من قدرات محطات إنتاج الطاقة الجديدة.
وتتميز صناعات ومشروعات الطاقة المتجددة بالخصائص الاقتصادية التالية:
أولا: على الرغم من أن صناعة الطاقة الجديدة لا تخلق كما كبيرا من فرص العمل، نظرا لأنها كثيفة رأس المال والتكنولوجيا، فإنها تخلق حوافز قوية لبناء شريحة عالية المهارة من قوة العمل، وخبراء التكنولوجيا ومهندسى التصميمات الصناعية، وعمال التشغيل. هذه الحوافز من شأنها دفع عملية تطوير التعليم والتدريب، لتخريج مهارات قادرة على التنقل عبر الحدود للعمل فى صناعات ومشروعات عبر الحدود وليس داخل موطنهم فقط. ومن ثم فإن تخطيط التعليم واحتياجات سوق العمل فى هذه الصناعة يتميز بطابع عولمى عابر للحدود، وليس بالطابع الوطنى الذى يقتصر على احتياجات السوق المحلية فقط.
ثانيا: نظرا لأن مشروعات الطاقة المتجددة تحتاج إلى مساحات شاسعة من الأراضى أو سطح المياه، كما هو الحال فى مزارع الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، فإن هذا من شأنه أن يساعد على توطين مشاريع الطاقة المتجددة فى مناطق خفيفة السكان أو غير مأهولة مثل الصحارى. ومن المعروف أن المساحة المأهولة اقتصاديا وسكانيا فى مصر تقل عن 10٪ من مساحتها الكلية. ومن ثم، فإن إقامة المشاريع حول الوادى والدلتا فى الصحارى الواسعة (مجمعات الطاقة الشمسية)، وأيضا فى مياه البحر (مزارع طاقة الرياح)، من شأنها أن تساعد على خلق تجمعات سكنية صغيرة، لكنها قابلة للنمو لتصبح مناطق جديدة للتنمية. هذا يؤدى أيضا إلى المزيد من الكفاءة فى استثمار الموارد المتاحة، ويعزز صلابة بنية الأمن القومى اقتصاديا واجتماعيا.
ثالثا: تتعاظم قيمة الاستثمارات فى صناعة الطاقة المتجددة كلما ابتعدت البلدان المعنية عن استراتيجية إقامة المشروعات بنظام «تسليم المفتاح». ومن الضرورى وضع استراتيجية وطنية للاندماج فى حلقات سلاسل القيمة العالمية global value chains، بمواصفات قادرة على المنافسة العالمية، وليس للاكتفاء الذاتى، بما يشمل تعدين الخامات، وتصنيع الخلايا الضوئية، وتصنيع ألواح الطاقة الشمسية، وبطاريات تخزين الطاقة، والمحولات، والألياف الضوئية، وأشباه الموصلات، والرقائق الإلكترونية، ومكونات توربينات الرياح، ومحطات ومراكز شحن السيارات وغيرها، ومراكز التحكم والتوزيع المتقدمة.
رابعا: من الضرورى أن تقوم سوق الطاقة الجديدة وصناعاتها على أساس المنافسة العادلة والشفافية. ومن الملاحظ أن القطاع الخاص هو الذى يتولى المسئولية الأكبر فى تطوير هذه الصناعات فى العالم كله. ومع ذلك فإنه بينما تتمتع هذه السوق بشروط المنافسة الكاملة تقريبا فى الدول الصناعية الغربية، نجد أنها ما تزال تخضع بشكل عام للاحتكار الحكومى فى الدول النامية، خصوصا فى مراحل ما بعد الإنتاج. على سبيل المثال فإنه عندما يجرى التعاقد مع مستثمرين أجانب على بناء محطات الطاقة المتجددة، فإن التعاقدات تشمل فى معظم الأحوال، أن تقوم الدولة بشراء إنتاج هذه المحطات بسعر محدد للكيلووات/ساعة لاستخدامها فى تغذية الشبكة القومية. هذا الأسلوب يقتل المنافسة وكفاءة الإنتاج، ويؤدى أحيانا إلى تعطيل دورة التجديد التكنولوجى. هذا النظام مطبق فى مصر بين الحكومة والشركات المالكة لمجمع الطاقة الشمسية فى «بنبان» بجنوب مصر، وكذلك فى التعاقدات مع محطات طاقة الرياح فى خليج السويس. وقد أدى تثبيت أسعار التعاقدات إلى تباطؤ فى الاستثمارات، أو توقفها تماما، انتظارا لتعديل الأسعار، بعد ارتفاع الأسعار العالمية للمستلزمات.
خامسا: يحتاج تطوير صناعات الطاقة المتجددة فى مصر إلى خلق سوق إقليمية للكهرباء، بين مصر والدول العربية، وبينها وبين وأوروبا، وأيضا مع أفريقيا. هذا من شأنه أن يوسع نطاق الطلب المتوقع، وتحفيز زيادة الإنتاج والصادرات. ومع أن مصر لا تعلن عن رقم محدد لقيمة الكهرباء التى تصدِّرها، فإن بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء تشير إلى أن قيمة الصادرات البترولية والكهرباء بلغت 11.1 مليار دولار عام 2021، مقابل 4.2 مليار دولار عام 2020 بارتفاع بلغت نسبته 164.3٪. فى ذلك العام بلغت قيمة صادرات مصر من الغاز الطبيعى حوالى 3.9 مليار دولار، ومن البترول الخام 3.2 مليار دولار، والبقية لصادرات المشتقات النفطية والكهرباء. وفى إطار سعى مصر إلى أن تصبح مركزا إقليميا للطاقة، فإنها أنشأت عددا من مراكز الربط الكهربائى الإقليمى، واحد منها مع الأردن بطاقة 250 ميجاوات، من المتوقع مضاعفتها إلى 500 ميجاوات. وهناك مركز أصغر للربط الكهربائى مع السودان بطاقة 80 ميجاوات، من المتوقع توسيعه إلى 300 ميجاوات. الخط الثالث للربط هو مع ليبيا بطاقة 200 ميجاوات. كما يجرى حاليا العمل فى خط الربط الكهربائى مع السعودية، تقدر تكلفته الاستثمارية بحوالى 1.8 مليار دولار، ويتم تنفيذه على مرحلتين بقدرة كلية تصل إلى 3000 ميجاوات. وفى عام 2019 وقعت مصر واليونان وقبرص مذكرة تفاهم للربط الكهربائى على مرحلتين بطاقة 1000 ميجاوات لكل مرحلة، حتى تصل طاقة الإمدادات إلى 2000 ميجاوات عند اكتماله. وتخضع الاتفاقية النهائية لهذا المشروع حاليا لمراجعة تقنية تمهيدا للتوقيع النهائى، والعمل فى إنشاء خط الربط، الذى سيتكون من كابل بحرى يمتد من مصر إلى قبرص، ومنها إلى اليونان، كما أن هناك دراسة لإنشاء خط للربط مع إيطاليا. ويوجد خط ربط آخر تحت الدراسة مع العراق بطاقة 100 - 150 ميجاوات فى المرحلة الأولى، ترتفع إلى 500 ميجاوات فى المرحلة الثانية.
توطين صناعة الطاقة الجديدة
تمثل صناعة الطاقة الجديدة جانب العرض الأسرع نموا فى سوق الطاقة، فى حين يمثل الاستهلاك فى القطاعات المنزلية والتجارية والصناعية جانب الطلب. وإذا استقر تقسيم العمل الدولى فى سوق الطاقة الجديدة على النمط نفسه السائد فى سوق الطاقة التقليدية، فإن محركات الربح ستطغى على المحركات البيئية، وسيتباطأ معدل نمو الصناعة، كما أن انقسام العالم إلى دول تصنع معدات وآلات وأنظمة الطاقة، ودول أخرى تستهلك الطاقة، سوف يزداد عمقا، وهو ما يهدد بتعميق الخلل الهيكلى فى توزيع الثروة فى العالم. وتوفر محركات عصر الانتقال من الطاقة التقليدية إلى الطاقة المتجددة شروطا تاريخية جديدة، تتيح إمكانية تغيير نظام التقسيم الدولى للعمل، وذلك بتوطين نسبة متزايدة من صناعات الطاقة المتجددة فى الدول النامية فى الجنوب. هذه المهمة ليست سهلة، وتحتاج إلى إرادة سياسية، وسياسات جديدة، ومجهود ضخم. السبب فى ذلك يعود لأن إعادة توطين الصناعة، يتطلب أولا تفوق القدرة التنافسية. كما يحتاج إلى ظروف تاريخية محددة، إما طارئة، مثل فترات الحروب والأزمات الاقتصادية، أو مع نضوج ثمار تراكم تاريخى تكنولوجى، يتجلى فى ظهور صناعات جديدة، أو انتقال التطور الصناعى فى العالم من مرحلة إلى مرحلة، نتيجة تغييرات تكنولوجية مستدامة. فى فترات الحروب، كما حدث فى الحربين العالمية والثانية، انتقلت مصر من مرحلة الاقتصاد الزراعى، لتضع قدميها على الطريق إلى عصر الاقتصاد الصناعى والمالى الحديث. وخلال الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 انتقلت أو توسعت الكثير من الصناعات الأوروبية جنوبا وشرقا، إلى كل من المغرب وتونس، وإلى أوكرانيا. وفى الوقت الحالى، وبسبب العقوبات الأمريكية على الصين تنتقل الكثير من الصناعات الصينية للتوطن فى بلدان أخرى مثل فيتنام وتايلاند وكمبوديا ولاوس.
وتقدم الفورة الحالية فى الاستثمارات العالمية فى صناعات الطاقة الجديدة فرصة تاريخية لمصر والبلدان العربية، لتوطين بعض هذه الصناعات، مستفيدة من الوفرة فى مصادر الطاقة المتجددة، على أن يقوم التوطين على أسس نظام جديد لتقسيم العمل الدولى، ورفع القدرات التنافسية المحلية، مع التركيز على أن يترافق التحول فى الطاقة بتطوير تكنولوجى سريع وعميق، خصوصا مع اهتمام الدول العربية، بما فيها الدول النفطية الغنية، بالاستثمار فى تكنولوجيا الطاقة الجديدة وتطبيقاتها الصناعية. ونظرا للارتباط القوى بين دول حوض البحر المتوسط، فإن دول شمال وجنوب وشرق المتوسط لها مصلحة مشتركة فى تطوير نظام متكامل للطاقة المتجددة، وهو ما يمكن أن يدعم فكرة توطين صناعات الطاقة الجديدة فى مصر والدول العربية، بما فيها دول شمال أفريقيا والخليج وشرق البحر المتوسط، وإقامة نظام أكثر عدالة للتقسيم الدولى للعمل، وتوزيع الثروة فى العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.