متحدث الحكومة: محمد بن سلمان يزور مصر أكتوبر المقبل لتدشين المجلس التنسيقي بين البلدين    عمرو أديب: ترامب سيدخل تاريخ الأرقام القياسية كأكثر رئيس أمريكي تعرض لمحاولات اغتيال    برشلونة يمدد عقد أفضل لاعبة في العالم حتى 2028    بدلا من الحبس.. ماذا يعني قرار النيابة تشغيل 54 محكوما عليه خارج السجن؟    عمرو البسيوني وكيلا دائما لوزارة الثقافة.. وأمير نبيه مستشارًا للوزير    المشاط: الشراكات متعددة الأطراف عنصر أساسي للتغلب على كورونا وإعادة بناء الاستقرار الاقتصادي    مدرب شتوتجارت: مواجهة ريال مدريد فى أبطال أوروبا أكبر تحدى لنا    استمرار عمليات الإجلاء في وسط أوروبا بسبب العاصفة "بوريس"    إثيوبيا تغلق باب الحوار، تصريح مستفز لنظام آبى حمد حول سد النهضة    توقيع عقود الشراكة بين الأهلي و«سبشيال جروب» لتطبيقات الذكاء الاصطناعي الطبي والرياضي    تعرف على فقرات حفل افتتاح بطولة العالم لكرة اليد للكراسى المتحركة    أول تعليق من فينيسيوس بعد تسلم جائزة أفضل لاعب في دوري الابطال    محافظ قنا يشهد فاعليات اختبارات الموسم الثالث لمشروع كابيتانو مصر    بالأسماء.. إصابة 3 أشخاص إثر حادث تصادم سيارة وموتوسيكل بالشيخ زايد    ما عقوبات جرائم خيانة الأمانة والاحتيال للاستيلاء على ثروات الغير؟    نجاد البرعي: مشروع قانون الإجراءات الجنائية كان يستحق مناقشات أكثر    فصائل عراقية تستهدف موقعا إسرائيليا في غور الأردن بالأراضي المحتلة    «الإفتاء«: قراءة القرآن مصحوبة بالآلات الموسيقية والتغني به مٌحرم شرعًا    سمير عمر وجون طلعت يعزيان الكاتب الصحفي عبدالرحيم علي في وفاة والدته    سريع الانتشار.. 6 نصائح لتجنب الإصابة بمتحور كورونا الجديد «XEC»    سهرة شاذة وتعذيب حتى الموت.. أسرار مقتل مسن داخل كمبوند بحدائق أكتوبر    بالتواصل الفعال والحزم، قواعد تربية الأطفال بالحب    محافظ الدقهلية يفتتح تجديدات مدرسة عمر بن عبدالعزيز بالمنصورة بتكلفة 2.5 مليون جنيه    شيخ الأزهر يطالب بالتضامن مع غزة انطلاقا من صلة الدم والرحم والمصير المشترك    وحدة الرسالة الإلهية.. شيخ الأزهر يؤكد عدم جواز المفاضلة بين الأنبياء    «المياه بدأت توصل السد العالي».. عباس شراقى يكشف آخر تفاصيل الملء الخامس لسد النهضة (فيديو)    وزير الري: ما حدث بمدينة درنة الليبية درسًا قاسيًا لتأثير التغيرات المناخية    ترتيب الدوري السعودي الإلكتروني للسيدات للعبة ببجي موبايل    صلاة الخسوف.. موعدها وحكمها وكيفية أدائها كما ورد في السنة النبوية    تقي من السكري- 7 فواكه تناولها يوميًا    زيادة الوزن بعد الإقلاع عن التدخين- طبيب يوضح السبب    نجاة طلاب أكاديمية الشرطة من الموت في حادث تصادم بالشيخ زايد    كاف: قرعة أمم أفريقيا للكرة الشاطئية الخميس المقبل    سقط من أعلى عقار.. التصريح بدفن جثة طفل لقي مصرعه بمدينة نصر    أبرز مجازر الاحتلال في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر    إلغاء رد جهات الولاية من شهادة البيانات وإتاحة التصالح على الجراجات وقيود الارتفاع    مواعيد القطارات المكيفة القاهرة والإسكندرية .. اليوم الاثنين    مروان يونس ل "الفجر الفني": مفيش طرف معين بإيده يخلي الجوازة تبقى توكسيك    توقيع الكشف الطبي على 1200 مواطن خلال قافلة طبية مجانية بالبحيرة    3 مساعدين شباب لوزيرة التضامن    حزب الله يعلن مقتل أحد عناصره جراء الغارة الإسرائيلية على بلدة حولا جنوبي لبنان    لافروف ل"القاهرة الإخبارية": نثمن جهود مصر لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة    "مش هنسيب حقوقنا".. تحرك عاجل من المصري ضد حسام حسن    أحد الحضور يقاطع كلمة السيسي خلال احتفالية المولد النبوى (فيديو)    رئيس جهاز شئون البيئة: وضع استراتيجية متكاملة لإدارة جودة الهواء فى مصر    النيابة العامة تفعل نصوص قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية المتعلقة ببدائل عقوبة الحبس البسيط    رئيس جامعة المنيا يترأس الجمعية العمومية لصندوق التأمين على أعضاء هيئة التدريس    كيف يغير بيان مدريد موازين القوى.. جهود الحكومة المصرية في حشد الدعم الدولي لحل النزاع الفلسطيني    مؤتمر صحفى لمهرجان الموسيقى العربية 32 بالأوبرا الأربعاء المقبل    وزير التعليم العالي: حصول «معهد الإلكترونيات» على شهادتي الأيزو يعزز مكانة مصر    «بيوت الحارة» قصة قصيرة للكاتب محمد كسبه    المشدد 10 سنوات لصاحب مطعم هتك عرض طفلة بكفر شكر    الأوبرا تحتفى ب«جمال سلامة» ليلة كاملة العدد ل«ملك الألحان»    التعليم العالي: اهتمام متزايد بتنفيذ الأنشطة الطلابية على مستوى المعاهد العليا والمتوسطة    كشف وعلاج بالمجان ل1127 مريضًا في قافلة طبية مركز الفشن ببني سويف    إصابة 3 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة ربع نقل ببنى سويف    موعد عرض الحلقة الثالثة من مسلسل «برغم القانون» لإيمان العاصي    «مفرقش معايا».. شريف إكرامي: بيراميدز عاقبني بسبب الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألكسندر ديل فال يكتب: الإخوان المسلمون (1).. إنشاء دولة موازية فى حرب ضد الدول القومية ذات السيادة
نشر في البوابة يوم 02 - 07 - 2023

جماعة الإخوان المسلمين التى تأسست عام 1928 على يد المصرى حسن البنا (1906-1949)، تم تقديمها فى الغرب والجماهير العربية والإسلامية كحركة للقتال ضد الاستعمار الأوروبى والصهيونية، وبالتالى لصالح الدول العربية. ومع ذلك، دائما ما عارضت العقيدة التأسيسية للإخوان وأهدافها القومية سواء كانت القومية العربية (البعثية، الناصرية، إلخ) أو الدول القومية العربية المستقلة. كيف نفسر هذا التناقض؟
فى الحقيقة، طبقا لفكر الإخوان المسلمين المماثل لفكر الحركة التركية ملى جوروس؛ فإن مفاهيم الدول القومية ليس لها نفس معنى مفهوم «الأمة"؛ إضافة إلى أن فكرهم الثيوقراطى العابر للحدود هو الفكر «الشرعى» الوحيد. وطبقا لمنهجهم؛ فإن مجتمع الإخوان المسلمين يجب أن يُبنى «على مراحل» بحيث يكون موازيًا للمجتمعات العربية.. طبقا لمنهجهم فإن دولة الإخوان المسلمين يجب أن تزدهر فى دولة قومية ثم تحل محلها تدريجيًا.
لهذا السبب، منذ تأسيس الإخوان، فإن اهتمامهم الأول هو إنشاء مدارس وعيادات ونوادٍ رياضية موازية ونقابات وأحزاب سياسية ومؤسسات دينية وشركات وجمعيات خيرية كجزء من استراتيجية بناء مجتمع مضاد ودولة داخل دولة للقتال من الداخل ثم استبدال الدولة القومية القائمة والتى تعتبر غير شرعية طبقا لفكرهم.
اليوم جماعة الإخوان المسلمين حاضرة فى جميع الدول العربية، وتسللت إلى عدة دول، وهى على رأس آلاف الجمعيات والأحزاب السياسية والنقابات العمالية، وقد فازت فى الانتخابات فى بعض الأحيان، وتحظى بدعم من خارج المنطقة العربية، فى تركيا والغرب على وجه الخصوص.
وفى الدول الأوروبية والولايات المتحدة يقود قادة حركة جماعة الإخوان المسلمين ومسئولوها التنفيذيون، بدعم من دول معينة، حملة لنزع الشرعية على أساس فكرة أن الإخوان المسلمين سيمثلون المجتمعات العربية الحرة «الحقيقية»، ضد اتهامات الدول القومية التى تصب توجهاتها فى صالح «الصهاينة» والمستعمرين الأوروبيين السابقين. وهكذا يقود المرشد الأعلى الحالى لجماعة الإخوان المسلمين - وهو لاجئ فى لندن، إبراهيم منير - معركة دولية وإعلامية مكثفة لنزع الشرعية عن الدولة المصرية ورئيسها عبد الفتاح السيسى.
الدولة القومية.. شر مطلق ل«البنا»
هنا نعود إلى الفكر التأسيسى لحسن البنا فى تصوره للدولة القومية؛ ففى رسالته الشهيرة دعوتنا، اتهم حسن البنا القوميين فى العالم العربى الإسلامى بأنهم مذنبون بارتكاب خطيئة «تقسيم» الأمة، وبالتالى «أنهم وراء معظم الفتن فى بلاد الإسلام: «يريدون بوطنيتهم أن يقسموا الأمة إلى طوائف مختلفة تذبح وتكره وتتبادل الإهانات وتتهم بعضها وتخدع بعضها».
ومن أجل مساندة هذا «الكفر»، يعارض البنا فكرة «وطنية المبادئ» ويدافع عن مفهوم «الأخوة الإسلامية» التى «يعتبر المسلم بموجبها أن كل قطعة أرض يعتنق فيها الأخ دين القرآن هى فى الحقيقة أرض تابعة إلى أرض الإسلام الشاسعة التى يطلب الإسلام من أتباعها العمل على حمايتها وتوسعتها.
وبهذه الطريقة يتم فتح آفاق واسعة للوطن الإسلامى، خارج الحدود الجغرافية وحدود الجنسية وبنفس المنطق، وصف محمد مهدى عاكف، المرشد الأعلى للإخوان المسلمين السابق، إخوانه بأنهم «أكبر منظمة دولية فى العالم، ومن يؤمن على الساحة الدولية بنهج الإخوان؛ فهو جزء منا ونحن جزء منه».
طبقا لمنطقهم العقائدى، يقاتل الإخوان المسلمون الأمة: سواء كان الأمر يتعلق بالإخوان المسلمين العرب التاريخيين، أو الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة، ولكن أيضًا الإسلاميين العثمانيين الجدد من أتراك ميلى جوروس وحزب العدالة والتنمية، أو حتى الإسلاميين الشيعة الثوريين الإيرانيين الذين تأثر نظامهم بشكل كبير بفكر حسن البنا وسيد قطب.
ويفضل الإخوان الأمة الإسلامية على القومية «الكافرة» والوطنية فهم يرون أنهم «أمة» أو «ملة» على عكس «دولة الأمة» القومية ذات السيادة. وبالنسبة لهم، يعتبر مفهوم الوطن فى اللغة العربية، غربيًا «جاهليًا» (وريث البربرية والجاهلية)، و«الكفار»، وبالتالى «معادٍ للإسلام» فى الأساس.
ويستنكر الإخوان المسلمون الوطنية والقومية، وبالتالى وطنية الأمم العربية المستقلة، لأنها تفرض حدودًا من شأنها أن «تعزل» وتقسم «الأمة الإسلامية»، الأمة الوحيدة المقبولة.. وهذا ما فسرته جيدا المفكرة السنية اللبنانية منى صليح فى الدراسات الكلاسيكية التى أجريت حول القومية اللبنانية. فبالنسبة للبنا، وسيد قطب، وآية الله الخمينى أو حتى منى صليح، تعتبر القومية اللبنانية والمصرية والتونسية والسعودية والإماراتية وغيرها؛ مدانة فى حد ذاتها. وينتقد الإخوان بل ويحاربون القادة الوطنيين العرب التاريخيين بسبب علمانيتهم وحداثتهم وتأثيرهم المفترض على هذه الأيديولوجية من جانب المسيحيين «المرتدين» العلويين مثل المؤسس المشارك لحزب البعث القومى العربى ميشيل عفلق أو الماركسيين مثل الزعيم الفلسطينى المسيحى جورج حبش واليهود والمسيحيين والماسونيين.
فهم جميعهم متهمون فى نظر الإخوان ب"التآمر» ضد الإسلام وإنشاء الحدود والأمم العربية لتقسيم الأمة الإسلامية.. وهذا يفسر أيضًا اسم الحركة الإسلامية التركية المقربة من جماعة الإخوان المسلمين، ميلى جوروس، التى تعارض القومية التركية لمصطفى كمال أتاتورك من خلال استبدال فكرة الجمهورية التركية والدولة القومية العرقية الكمالية التركية ب"مجتمع الخلافة العثمانية الجديدة»، وبالتالى إمبراطورية إسلامية عابرة للحدود يجب إعادة تأسيسها فى حدود قابلة للتوسيع باستمرار «رؤية المجتمع» هذه.
يقتصر الوطن القومى على دولة (مصر وتركيا وفرنسا، إلخ) على أساس الانتماءات العرقية واللغوية والقبلية والقومية، ويتم شيطنته واعتباره «جاهلية» وذلك طبقا لنظرية الباكستانى أبو الأعلى المودودى، المفكر الإسلامى غير العربى والأكثر تأثيرًا من حسن البنا وسيد قطب.. وقد طالب المودودى المسلمين من جميع البلدان إلى الاعتراف بسيادة الله السياسية فقط (الربوبية) ورفض سيادة أى دولة لا تستند قوانينها بالكامل على السيادة القانونية والسياسية للشريعة والسيادة الإلهية العالمية.
قيم معادية للإسلام
بالنسبة للإخوان المسلمين، فإن الأساس التاريخى للهوية ليس الأمة، ولكن العضوية فى الأمة الإسلامية والمجتمع الإسلامى. ويشرح عالم الإسلام الأنجلو أمريكى الشهير برنارد لويس: «فكرة القومية العرقية والإقليمية التى تم استيرادها من الغرب، تظل فكرة أجنبية مثل العلمانية». ويجب أن يكون المؤمن المسلم مخلصًا هنا للأمة فقط وليس للدولة القومية فى بلده.
وفى الواقع، يشرح حسن البنا أن الإسلام عقيدة وطائفة وأيضا وطن ومواطنة تلغى اختلافات الانتماء بين الرجال؛ فالمؤمنون جميعهم إخوة. وهكذا، «لا يعرف الإسلام حدودًا جغرافية ولا اختلافات عرقية أو مدنية؛ فهو يعتبر جميع المسلمين أمة واحدة وأن الوطن الإسلامى وطن واحد، مهما كانت مقاطعاته المختلفة متباعدة». ولذلك فإن الإخوان يضعون فى فئة «البربرية الجاهلية» كل ما هو سابق للإسلام أو خارجه.
وبعيدًا عن كونه رد فعل بسيط للهوية- بالمعنى الملموس للمصطلح- ضد العالم الغربى، فإن الإسلاموية الثورية والخلافة الجديدة للإخوان المسلمين تعارض جميع الحركات العربية الإسلامية التى تدعو إلى العلمانية والدفاع عن الهوية الأصلية- خاصة ما قبل الإسلام- (حركات الهوية القبائلية أو البربرية أو الطوارق فى المغرب العربى، والقبطية فى مصر؛ والقوميات الإيرانية والسورية واللبنانية منذ عام 1930، التى اتهمها الإسلاميون بشكل منهجى بالانفصالية.
ويجد أى باحث موضوعى يدرس فكر الإخوان المسلمين أن الدولة القومية الحديثة تأسست على دولة عقلانية - كما يشرحها ماكس ويبر (بناءً على ذلك على أساس طبقة حاكمة مستنيرة ومؤسسات بشرية وعرقية لغوية وتاريخية ووطنية) وهذه الدولة العقلانية غير شرعية تماما فى فكر الإخوان.
الدولة القائمة فى بلد مسلم هى فى حد ذاتها كيان غير شرعى من شأنه أن «يخون» ويفتت الوحدة الضرورية للأمة الشرعية الوحيدة التى ستكون الأمة الإسلامية موحدة فى خلافة عالمية تدعو إلى اعتناق هذا الفكر والسيطرة على الإنسانية جمعاء، وبالتالى خوض الحرب عاجلًا أم آجلًا ضد الأنظمة السياسية الكافرة المعارضة لمشروع «التمكين الكوكبي».
وفقًا لجماعة الإخوان المسلمين، يجب استبدال القومية العربية «الكافرة» بالعالمية الإسلامية، ولكى يفعلوا ذلك، فإنهم بحاجة إلى إقامة دولة موازية حقيقية وتنميتها. لم تثر الشعوب على المحتل الأوروبى باسم الأمة، بل باسم الإسلام »، كما كتب فى نصوصه التأسيسية آية الله الخمينى، الذى حقق توليفة ثورية بين الإسلام الشيعى وفكر الإسلام.
وفى الحقيقة كان الإخوان المسلمون تلاميذ للخمينى خاصة سيد قطب الذى كثيرًا ما يقتبس منه.. وأكد آية الله الخمينى أن «العقيدة الإسلامية والقومية [العربية] لا تتفقان لأن الفلسفة الإسلامية والنصوص القرآنية تعارض هذه الوطنية؛ التى تتعارض مع عقيدة المسلمين ومصالح المسلمين، وتخدم المصالح الأجنبية فقط».
يشرح الأستاذ الإيرانى هوتشانج ناهافاندى أسباب هذه النزعة القومية الإسلامية التى أرادتها جماعة الإخوان المسلمين وتأثيرها على الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979: «إنها محاولة أصلية للعودة إلى مصادر التقاليد الثقافية والوطنية. وأردنا أن نجعل ذلك مظهرًا من مظاهر الرغبة فى رفض التغريب القسرى والسيطرة الأجنبية على الهوية الثقافية لكل أمة.
وفى العديد من البلدان الإسلامية، يقوم الأصوليون بتعبئة الحشود باسم الأصالة الوطنية بل يذهبون إلى أبعد من ذلك لنشر كراهية الأجانب. لكن إذا وصلوا إلى السلطة، فسيحاولون تدمير فكرة القومية والهوية الثقافية لكل شعب، كما هو الحال فى إيران حيث تعكس الأفعال الكلام فقط. كما قال آية الله الخمينى، فى 6 آذار 1979، فى مدرسة الفايزية بمنطقة قم: «أطالب برفع هذا العلم الملعون ذو الألوان الثلاثة.
وأتمنى أن يختفى إلى الأبد هذا الأسد وتلك الشمس اللعينة الموجودين على العلم». ويقول آية الله الخمينى: «وطن الإسلام واحد وغير قابل للتجزئة، لقد انقسم المسلمون إلى شعوب عديدة.. لا مخرج لنا سوى تشكيل حكومة عالمية». القومية ليست سوى فكرة إمبريالية. تقود إلى الجحيم. وهناك تناقض جوهرى بين الإسلام وفكرة الوطن القومي». «كل الفساد الموجود هو نتاج القومية». «القومية مؤامرة من الغرب.
كل من يعتقد أنهم إيرانيون وأن عليهم العمل من أجل إيران مخطئون». ويؤكد هوتشانج نهافاندى أنه «إذا قام الأصوليون فى العديد من البلدان الإسلامية بتعبئة الحشود باسم الأصالة الوطنية ونشر كراهية الأجانب لكن إذا وصلوا إلى السلطة، فسيحاولون تدمير فكرة القومية والهوية الثقافية لكل شعب، كما هو الحال فى إيران حيث تعكس الأفعال الكلام فقط».
مشروع «التمكين الكوكبي»
يحدد مشروع تمكين أو «التمكين الكوكبى» - الهدف النهائى للإخوان الذى ينبغى أن يؤدى فى النهاية إلى الخلافة العالمية - الاستراتيجية العالمية شبه السرية لغزو الإخوان المسلمين. تم الكشف عن هذه الرؤية للتمكين من قبل الشرطة المصرية فى عام 1992 عندما وضعت أيديها على «وثيقة تمكين»، والتى كان برنامجها يعتمد على شبكة واسعة من المؤسسات، لإيصال الإخوان إلى السلطة.
وعلى المستوى المحلى والإقليمى والوطنى والقومى والعالمى يتم تطبيق هذه الخطة تدريجيًا «على مراحل» بعد انتشار فكر الخلافة الجديدة لحسن البنا فى الأماكن التى يعيش فيها أعضاء «الأمة». ويصف هذا الدليل الاستراتيجى الهدف النهائى للاستيلاء على السلطة وتحقيق الحاكمية فى كل مكان.
وفى الحقيقة، المراحل الأساسية الثلاثة للخطة هى:
1/ نشر رؤيتهم الشمولية للإسلام تحت غطاء الإسلام الرسمى واحترام الدين.
2/ تدريب اختيار الأفراد الأساسيين الذين يجب أن ينقلوا مفهوم الإخوان أينما كانوا.
3/ استكمال المرحلة النهائية لتولى السلطة السياسية فور السيطرة على المجتمع وتهيئة النخب.
وتتمثل طريقة العمل فى السيطرة على السلطة العليا من خلال تكوين شبكة لامركزية واسعة، من خلال إنشاء أقسام متعددة مقسمة تجمع المجتمع المصرى بأسره، دون إغفال التسلل والدخول فى التعليم، ونقابات الأطباء والمحامين، البنوك والمؤسسات المالية والنقابات والمستشفيات والمحاكم ثم الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام (مثل قناة الجزيرة).
وهنا نتذكر، الأولوية- التى أكدها المفكر الشيوعى الإيطالى أنطونيو جرامشى (المشهور بالأولوية التى تُعطى للمبتدئين والنضال الثقافي)- هى تدريب الشباب ونخب المستقبل. وفى الحقيقة، يمر الطريق النهائى إلى السلطة من خلال التحالفات البراجماتية مع الأحزاب السياسية التقليدية وتقويض القيم الديمقراطية وقيم الدولة، على المستوى المحلى والمجتمعى والإقليمى والوطنى وحتى خارج البلدان الإسلامية.
وفى الواقع، كان اهتمام الآباء المؤسسين للإخوان هو خلق نوع من «الجنس البشرى» العالمى، ولتحقيق هذا الهدف، استلهم حسن البنا وخلفاؤه أساليب التنشئة التى دعت إليها الطرق الصوفية السلفية، وأيضًا استخدام التقنيات الثورية الشيوعية والنازية للاستيلاء على السلطة بالتخريب أو القوة أو التسلل. تلك هى أسس رؤية الإخوان المسلمين وخطتهم لبناء قوة ودولة موازية بهدف السيطرة النهائية والوصول إلى «التمكين العالمي».
من البنا إلى قطب مرورا بالمودودى
تقوم العقيدة الأساسية للإخوان المسلمين - التى تتمثل فى معارضة سلطة الدولة فى مكانها بسلطة موازية ذات دعوة عالمية- أولًا وقبل كل شيء على فكر ابن تيمية، وهو عالم دين سنى من القرن الثالث عشر، وهو فكر مفسر طوره حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، ثم سيد قطب. وتقوم عقيدة الإخوان المسلمين على عدة أطروحات رئيسية:
- المعرفة والسلطة السياسية هبة من الله ولا يمكن ممارستها إلا من خلال القرآن والشريعة.
- يدين المسلمون بالطاعة فقط للنظام الإلهى (الشريعة) التى تحكمها الخلافة، الهدف الأسمى، ولذلك فهم مطالبون برفض العلمانية والديمقراطية والقوى القبلية والملكية والقومية العرقية بجميع أشكالها الغربية والإسلامية وغير الغربى.
- الجهاد على رأس الوصايا التى يجب على المؤمنين اتباعها. وبالنسبة لابن تيمية والبنا وقطب: «الدفاع عن بلاد المسلمين هو الواجب الأول بعد الإيمان».
- لقيادة المسلم على طريق الحاكمية الصحيح (معناها السيادة وأن الحكم الأعلى لله وليس للناس)، لا بد من محاربة الجاهلية. يجب على الحاكمية أن تُخضع الأمة (الأمة الإسلامية بلا حدود) إلى تلك القوانين الثيوقراطية السياسية والاجتماعية والاقتصادية المبنية على المباديء السابقة والمقدمة على أنها «أعلى» من قوانين الدولة التى تُعتبر «غير شرعية».
- يعتبر الإخوان المسلمون أن شئون الدولة والدين يجب أن تتركز فى أيدى القادة المعروفين ب «عباد الله»، وأن أى دولة لا تقوم على هذا المبدأ هى دولة غير شرعية «بربرية جاهلة» وبالتالى طاغوت، يجب محاربته بشكل مباشر أو غير مباشر.
- فى هذه الدولة الموازية للإخوان المسلمين هناك أيضًا حقيقة ثابتة وهى أن الله هو المالك الوحيد لجميع الثروات الأرضية: أصحاب الممتلكات الخاصة مثل قادة الدولة الشرعية لا يتمتعون إلا بالحق فى الانتفاع بهذه السلع ولديهم واجب إفادة المجتمع الإسلامى. وفى الواقع، هم ليسوا «القادة الحقيقيين».
معلومات عن الكاتب:
ألكسندر ديل فال.. كاتب وصحفى ومحلل سياسى فرنسى. مدير تحرير موقع «أتالنتيكو». تركزت مجالات اهتمامه على التطرف الإسلامى، التهديدات الجيوسياسية الجديدة، الصراعات الحضارية، والإرهاب، بالإضافة إلى قضايا البحر المتوسط إلى جانب اهتمامه بالعلاقات الدولية.. يتناول تاريخ الإخوان المسلمين وعقيدتهم منذ التأسيس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.