بلبيس هى إحدى مدن محافظة الشرقية وتعد واحدة من أقدم مدن مصر وأحد أهم المدن التاريخية وتمتعت عبر العصور بأهمية إستراتيجية كبيرة حيث كانت تعتبر في العصور الأولى البوابة الشرقية لمصر ومعبرا للوافدين عليها. وكانت مدينة بلبيس هى إحدى مقرات الهكسوس ومقر لحكم الكثير من حكام مصر القديمة لمدة 145 عاما ومنهم رمسيس الأول والثانى وكان يطلق عليها العاصمة السابعة وعاصمة ولاية الشرقية قبل أن يقوم محمد على باشا عام 1833 بنقل عاصمة الشرقية من بلبيس إلى الزقازيق وفي بلبيس العديد من قرى المشاهير أهمها قرية" السلام "مسقط رأس شيخ الأزهر الراحل الدكتور"عبدالحليم محمود الذى ولد في مايو سنة 1910 وكان والده رجل علم ودين وشغف بالثقافة الدينية وحلقات الأزهر العلمية فكان له الأثر الكبير في توجيه ابنه للدراسة بالأزهر التى لم يستكملها حيث قام بإلحاقه بالأزهر سنة 1923 وظل عامين يتنقل بين حلقاته وبعدها التحق بمعهد المعلمين المسائى وجمع بين الدراستين ونجح في المعهدين وعين مدرسا ولكن والده رفض هذا التعيين لأنه كان يعد ابنه لمستقبل أفضل فاختار له جامعة السربون في باريس ليدرس فيها على نفقته الخاصة وآثر الطالب أن يدرس تاريخ الأديان والفلسفة وعلم الاجتماع وحصل في كل منهما على شهادة عليا وفي نهاية عام 1973 التحق بالبعثة الأزهرية التى كانت تدرس هناك وفاز بالنجاح وتم اختياره لعمل دراسة الدكتوراة في التصوف الإسلامى وأن يكون موضوعها أستاذ السائرين "الحارث بن أسد المحاسبى". وأثناء إعداده الدراسة قامت الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 1939وآثر كثير من زملائه العودة ولكنه أصر على التكملة وحددت له يوم المناقشة 8 يونيو 1940 ونال الدكتوراة بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى وقررت الجامعة طبعها باللغة الفرنسية. وبدأ الشيخ عبدالحليم محمود حياته العلمية مدرسا لعلم النفس بكلية اللغة العربية ثم نقل أستاذا للفلسفة بأصول الدين سنة 1951 ثم عميدا للكلية سنة 1964 وعين عضوا بمجمع البحوث ثم أمينا عاما له كما كون الجهاز الفنى والإدارى من خيار موظفى الأزهر وأنشأ المكتبة به على أعلى مستوى من الجودة وبعدها أقنع المسئولين في الدولة على تخصيص قطعة أرض بمدينة نصر لتخصيصها للمجمع لتضم جميع أجهزته العلمية والإدارية فكان أول من وضع لبنات مجمع البحوث الإسلامية واهتم بتنظيمه وجعل مكافآت للعاملين به. أما عن مؤلفاته فله أكثر من 60 مؤلفا في التصوف والفلسفة بعضها بالفرنسية ومن أشهر كتبه "أوروبا والإسلام" و"التوحيد الخالص "أو "الإسلام والعقل" و"أسرار العبادات في الإسلام" و"التفكير الفلسفى في الإسلام" و"القرآن والنبى"و"المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلى". وعين الدكتورعبد الحليم محمود شيخا للأزهر في 22 صفر 1393ه / 27 مارس 1973م وكان هذا هو المكان الطبيعى الذى أعدته المقادير له وما كاد الشيخ يمارس أعباء منصبه وينهض بدوره على خير وجه حتى صدور قرار جديد من رئيس الجمهورية في 17 جمادى الآخرة 1394ه7 يوليو 1974م يكاد يجرد شيخ الأزهر مما تبقى له من اختصاصات ويمنحها لوزير الأوقاف والأزهر وما كان من الشيخ إلا أن قدم استقالته لرئيس الجمهورية على الفور معتبرا أن هذا القرار يغض من قدر المنصب الجليل ويعوقه عن أداء رسالته الروحية في مصر والعالم العربى والإسلامى. عودة إلى مشيخة الأزهر روجع الإمام في أمر استقالته وتدخل الحكماء لإثنائه عن قراره لكن الشيخ أصر على استقالته وامتنع عن الذهاب إلى مكتبه ورفض تناول راتبه وطلب تسوية معاشه وأحدثت هذه الاستقالة دويا هائلا في مصر وسائر أنحاء العالم الإسلامى وتقدم أحد المحامين برفع دعوى أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة ضد رئيس الجمهورية ووزير الأوقاف مطالبا بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية. وإزاء هذا الموقف الملتهب اضطر الرئيس الراحل أنور السادات إلى معاودة النظر في قراره ودراسة المشكلة من جديد وأصدر قرارا أعاد فيه الأمر إلى نصابه جاء فيه: شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأى في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية في الأزهر تضمن القرار أن يعامل شيخ الأزهر معاملة الوزير من حيث المرتب والمعاش ويكون ترتيبه في الأسبقية قبل الوزراء مباشرة وانتهت الأزمة وعاد الشيخ إلى منصبه. وكانت حياة شيخ الأزهر الدكتورعبد الحليم محمود جهادا متصلا وإحساسا بالمسئولية التى يحملها على عاتقه وفي ظل هذا النشاط الجم والرحلات المتتابعة لتفقد المسلمين شعر بآلام شديدة بعد عودته من الأراضى المقدسة فأجرى عملية جراحية لقى الله بعدها في صبيحة يوم الثلاثاء الموافق 15 ذو القعدة 1397 ه17 أكتوبر 1978م تاركا ذكرى طيبة ونموذجا لما يجب أن يكون عليه شيخ الأزهر.