للعقيدة الإسلامية أثر بالغ فى نفوس معتنقيها لسماحتها وملاءمتها للنفس البشرية، وهو الذى انعكس بشكل كبير على الفنون فى شتى مجالاتها، كان أبرزها العمارة الإسلامية. فعلى مدار شهر رمضان المبارك تأخذكم «البوابة» فى رحلة بين مساجد مصر وأضرحتها، لنتعرف على تاريخ نشأتها، وتأثيرها الروحانى فى قلوب مُرتاديها. تحفة معمارية بحى الظاهر، هو مسجد الظاهر بيبرس، أحد أبرز الآثار الإسلامية ذات الزخارف العمرانية المميزة، ولقد بنى المسجد على غرار جامع الحاكم بأمر الله الموجود بشارع المعز، وقد عانى المسجد من الإهمال عبر العصور، فمنذ أن تم إنشاؤه على يد السلطان المملوكى الظاهر بيبرس بن عبد الله البندقدارى فى 14 ربيع الثانى عام 665 هجريًا 1267 ميلاديًا وأمر السلطان بإحضار عماره المسجد من الرخام من سائر البلاد، وانتقاء الحديد والأخشاب النقية لرسم الأبواب والسقوف، وظل المسجد تقام فيه الشعائر الدينية حتى أوائل القرن السادس عشر الميلادي، لاتساع رقعته، وعجزت الدولة فى الإنفاق عليه، مما أدى لسوء حالته، وفى عصر الدولة العثمانية تم تحويل المسجد إلى مخزن للمهمات الحربية كالخيام، والسروج، وفى أثناء الحملة الفرنسية، تم تحويله إلى قلعة وثكنات للجند، وعُرف المسجد وقتها باسم «قلعة سيوفسكي» وفى عصر محمد على تحول المسجد إلى معسكر ومخبز للجراية، وبعد ذلك استخدم كمصنع للصابون، ليستمر مسلسل تخريب المسجد عبر العصور المتعاقبة. ففى العام 1812 ميلاديًا تم نقل أعمده المسجد الرخامية النادرة إلى رواق الجامع الأزهر برواق الشراقوة، كما أن بعض أعمدته قد تم استخدامها فى بناء قصر النيل، وفى العام 1882 قام الجيش البريطانى باستخدام المسجد كمخبر ومذبح، كما عُرف فى تلك الفترة بمذبح الإنجليز، حتى جاءت لجنة حفظ الآثار العربية فى عام 1918 فأصلحت بعض أجزائه ورممتها، خاصة الجزء الخاص بالمحراب وجعلته مُصلى، أما باقى مساحة المسجد فقد تم تحويلها إلى متنزه عام، وفى عام 1970 قامت مصلحة الآثار بإعادة بناء المسجد وإرجاعه إلى حالته الأولى، وفى الأعوام الأخيرة تم رصد أكثر من 100 مليون جنيه لإعادة ترميمه بالتعاون مع السفارة الكازاخستانية. ورغم الإهمال الذى طال المسجد وسوء الاستعمال، فإنه مازال محط إعجاب الناظرين بجمال عمارته وفخامة مبانيه التى تظهر فى الواجهة الرئيسية من نقوش وزخارف، ويتكون المسجد من مربع يبلغ طول ضلعه 100 متر، ويحيط به سور من الجحر يبلغ ارتفاعه 10.96 متر، والسور مبنى من الحجر المشذب ويبلغ ارتفاع كل مدماك «30 سم»، وقد قويت أركان المسجد من الخارج بأربعة أبراج اثنين مربعين على طرفى الضلع الشرقي، والآخرين مستطيلين وهى أبراج مصمته، ويبرز كل منها عن سمت السور بمقدار 85 سمم، وعرض 1.70 متر، وفى الجزء العلوى من السور يوجد 72 نافذة يعلوها عقد مدبب بمعدل ثمانى عشرة نافذة فى كل ضلع، والنوافذ صنعت من الجص المخرم والزجاج المعشق والتى مازالت آثارها موجودة حتى الآن. ويحتوى المسجد على ثلاثة مداخل تذكارية بارزة عن السور الخارجي، منها المدخل الرئيسى يتوسط الضلع الغربي، أما المدخل الشمالى والمدخل الجنوبى فيتوسطان صحن الجامع، ويعتبر المدخل الرئيسى تحفة معمارية رائعة إذ يبلغ اتساعه 11.83 مترًا ويبرز عن السور بمقدار 8.86 متر، ويتوسط المدخل باب معقود يبلغ سعة عقده 3.95 أمتار، ومزخرف بصنجات مفصصة. وأهم ما يميز جامع الظاهر بيبرس هو احتواؤه على مقصورة تتقدم المحراب وتشغل هذه المقصورة تسعة إيوانات بمساحة «3×3» ويتكون كل ضلع من أضلاعه الثلاثة من ثلاثة عقود، المتوسط منها يرتفع إلى سقف الجامعة، ويعلو المحراب لوحة من الرخام عليها كتابات تثبت تاريخ إنشاء المقصورة والقبة.