أثار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها موجة من ردود الأفعال العربية والدولية الغاضبة والرافضة، كما اعتلى شعار "القدس عربية" قائمة الأكثر تداولا عالميًا على مواقع التواصل الاجتماعي بل وخلال جميع الفعاليات المنددة بهذا القرار. وفور إعلان القرار، ارتفعت وتيرة الاحتجاجات المنددة على الصعيدين العربي والإسلامي والفلسطيني، حيث اتفقت الأوساط العربية والأسلامية والفلسطينية على أن "إعلان ترامب باطل وغير قانوني ومدان ومرفوض ولن يغير من وضعية القدس"، مشددين على "أن القدس هي العاصمة الأبدية لدولة فلسطين، ولاقبول لأي تسوية سياسية ولن يتحقق سلام ولا استقرار بالمنطقة بدون أن تكون القدس عاصمة دولة فلسطين". وقد جاء إعلان ترامب، بالتزامن مع ذكرى مرور قرن من الزمان على وعد وزير الخارجية البريطاني (إبان حقبة الاستعمار البريطاني)، أرثر بلفور لليهود ببناء وطن قومي لهم بفلسطين والمعروف إعلاميا ب"وعد بلفور"، وبهذه المناسبة نظمت وزارة الثقافة بمقر دار الكتب والوثائق القومية بالفسطاط مؤتمرا، على مدى يومى أمس الخميس واليوم الجمعة، كان على راس المتحدثين فيه السفير الفلسطينى بالقاهرة دياب اللوح الذي قال إن "الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد قرار دونالد ترامب المشئوم لم تعد راعية للسلام، لكنها صارت خصمًا للفلسطينيين"، مؤكدًا أن "الفلسطينيين لن يقبلوا بأي تسوية دون أن تكون القدس أساسا لها". ونوه اللوح بموقف مصر الثابت والداعم دائما للقضية الفلسطينية ولحقوق الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ورفض مصر لقرار الرئيس الأمريكي ترامب بشأن نقل سفارة بلاده إلى القدس. من جانبه، أدان دكتور أحمد الشوكي رئيس دار الكتب والوثائق القومية قرار ترامب مؤكدًا أن "القدس الشريف عربية الأرض والأصل والنسل" معربًا عن اعتقاده بأن "هذه بداية جديدة للقضية الفلسطينية وليست النهاية، ومن يدري ربما نصلي جميعا في القدس قريبا بعد عودتها إلى أحضان العرب". وقال الشوكي، في كلمة ألقاها أمام المؤتمر، إن قرار ترامب لم يغير من الواقع شيئا سوى أنه أعاد القضية الفلسطينية بقوة إلى صدارة المشهد. منبهًا إلى أهمية توعية الأجيال القادمة بجرائم العدو الصهيوني وعدالة القضية الفلسطينية. وناقش المؤتمر الذي عقد تحت عنوان "تصريح بلفور.. الجذور التاريخية لتقسيم العالم العربي"، العديد من المحاور من بينها وعد بلفور في إطار المشروع البريطاني لإعادة تنظيم الشرق الأوسط 1917-1921.. فقد أوضح المشاركون في المؤتمر أن إصدار وعد بلفور قد مثل حدثا تاريخيا بامتياز، حيث لم يحظ حدث تاريخي في تاريخنا الحديث وحتى يومنا هذا بهذه الجدلية التاريخية والمستمرة حتى الآن كما حظي هذا التصريح وهو الأمر الذي له تداعياته بشكل كبير حتى يومنا هذا. وبحث الخبراء والمتخصصون وعد بلفور باعتباره مشروعًا لإعادة تقسيم الشرق الأوسط والمعرفة التاريخية للأحداث التي جرت منذ عام 1916 حتى عام 1921، مؤكدين أهمية عدم إغفال دور هذا الوعد لمدة قرن من الزمان وإنما يجب وضعه في سياقه الطبيعي كمخطط متكامل تمتد جذوره إلى المنطقة الشرقية ودول أوروبا والدولة العثمانية حتى نصل إلى المستجدات التي أدت إلى الحرب العالمية الأولى ونتائجها. في الوقت نفسه، أكد المؤتمر أن بريطانيا منذ بداية هذا المشروع عملت في اتجاه دون كلل أو ملل في قطع أي علاقات بين الحركات العربية التي كانت تقف أمام هذا المشروع وبين الوطنيين المصريين، موضحًا أيضًا أن مصر لم تكن يومًا طرفًا في هذا المشروع لتقسيم المنطقة لا من قريب ولا من بعيد، بل تحملت فواتير صراع المشكلات الأقليمية ولم تكن يوما طرفا فيها، لا محرضة لها ولا داعية إليها. واعتبر أن "وعد بلفور" منذ مائة عام كان له تداعيات حتى اليوم، فقد جاء في توقيت وظروف متشابهة مقارنة بالوضع الحالي.. فمنذ مائة عام جاء هذا الوعد متزامنا مع ما يسمى بصعود أهل النفوذ في العالم الغربي وظهور الصراع الاستعماري، وهناك ربط بين صعود أهل النفوذ في الغرب وإقامة دولة صهيونية لإسرائيل مع ظهور تكتلات وتحالفات.. أما في الوقت الحالي، فقد تكون الظروف متشابهة في وقت يتصاعد فيه نفوذ اللوبى الصهيوني واليمين المتطرف في أمريكا والغرب ونجد فيه العالم العربي في حالة يرثى لها من الضعف والتمزق والصراعات الداخلية، وهو ما يوفر الأجواء المناسبة للإدارة الأمريكية واللوبي الصهيوني لصدور قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والعمل على إعادة هيكلة المنطقة بالشكل الذي يتراءى له وتشكيل مشروع شرق أوسطي جديد يمكن لإسرائيل أن تكون أحد ركائزه الأساسية. في السياق ذاته، بحث المؤتمر موقف بريطانيا بين إقامة الدولة اليهودية وأمن قناة السويس.. وتطرق للإحداث التي دارت في الفترة مابين 1897 و1917 والظروف التي أدت إلى إصدار وعد بلفور في عام 1917، حيث في البداية لم تكن لبريطانيا سياسة واضحة تجاه الكيان الصهيوني ولكنها دعت إلى بناء هذا الكيان لحماية مصالحها في المنطقة.. وبحسب ما أشار إليه الباحثون كان مغزى بريطانيا من وعد بلفور حينئذ البحث عن أمن قناة السويس ضد أي محاولة من جهة الشرق لغزو مصر أو الإضرار بمصالح بريطانيا في المنطقة. كما تناول المؤتمر دور اتحاد جنوب أفريقيا العنصري آنذاك في إصدار وعد بلفور عام 1917، حيث كان الاتحاد يقدم الدعم السياسي لليهود وكان له دور تاريخي في الاستيطان اليهودي في فلسطين. وأوضح الخبراء أن الامتداد الصهيوني ساعد في تغيير العلاقة بين إنجلتراوفلسطين من علاقة انتداب إلى علاقة استعمار، لأن فلسطين كانت جزءا من المستعمرات البريطانية، وتستطيع إنجلترا أن تتيح العمل فيها لأي جماعة أخرى، مثلما أتاحت العمل للجماعات العنصرية في جنوب أفريقيا، وبدلا من أن تتولى إنجلترا إدارة فلسطين كدولة منتدبة بهدف تحسين الأوضاع فيها، أتاحت الفرصة للحركة الصهيونية لتحقيق مآربها وتنفيذ وعد بلفور من خلال تحويل هذه العلاقة إلى علاقة استعمارية. كما ناقش المؤتمر "موقف إمارة نجد والوجود اليهودي في فلسطين 1971-1932" و"موقف الأقليات في العالم العربي من تصريح بلفور"، و"التوثيق الفوتوغرافي لفلسطين عشية وعد بلفور 1917"، و"تصريح بلفور وأثره على المجتمع اللبناني 1918- 1936". ومن المحاور أيضًا ردود فعل على وعد بلفور بين الأوساط اليهودية في مصر، والهجرة اليهودية إلى فلسطين وتأثر إصدار وعد بلفور عليها، ووعد بلفور في الدراسات الأجنبية، واستمرارية تقسيم العالم العربي بعد قرن على صدوره. وحذر الخبراء المشاركون في أعمال المؤتمر من أن "قرار ترامب لا يقل خطورة في تأثيراته السلبية على مستقبل دول وشعوب المنطقة مثلما كان وعد بلفور، الذي أعاد رسم خريطة المنطقة وفقا لأطماع القوى الاستعمارية وعلى قاعدة "فرق تسد". جدير بالذكر أن وعد بلفور أو تصريح بلفور (بالإنجليزية:Balfour Declaration) كان يطلق على الرسالة التي أرسلها وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2 نوفمبر 1917 إبان فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد رئيس الاتحاد العالمي للصهيونية يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.