«أودعونا حضارةً سريّة جميلة، فى مقابل حضارة يُستحال إحصاء جثثها. المنحرفون، الذين ماتوا فى المصحات أو فى السجون، هم آباؤنا الحقيقيون».. كعادته يختار طارق الدويرى موضوعا شائكا فى عرضه المسرحى الجديد، فبعد عرضه «المحاكمة»، الذى تناول حرية الفكر ومحاكمة المفكرين -وحصد به عدة جوائز فى المهرجان القومى للمسرح عام 2014- وقبله «الجراد» عام 2008، الذى تناول خطر غزو الأفكار الغريبة على المجتمع، والذى كان آخر أعماله على خشبة مركز الهناجر للفنون، والذى عاد إليه أخيراً بعد سنوات بعرضه الجديد «الزومبى والخطايا العشر» الذى ينتمى إلى تيار ما بعد الحداثة، وهو نتاج ورشة كتابة جمعته بالكاتبة نشوى محرم، حيث اقتبس فى توليفة مبهرة من رواية «1984» لجورج أورويل، ورواية «فهرنهايت 451» لراى برادبرى، إضافة إلى كتابات وديع سعادة، ليخرج للمشاهد مزيجاً يجعله لا يكف عن تحريك عينيه فى محاولة لمتابعة كل هذه الحركة التى تتدفق معها عشرات الأفكار حول التبعية والحرية والحب وغيرها، بداية من جلوسه على مقعده حتى يغادر. «إلى المختلفون المنحرفون.. ملح الأرض.. ساكنى الطرق والأرصفة.. عبر التاريخ الإنسانى.. إليكم».. كان هذا إهداء الدويرى لجمهوره، الذى صمت تماما لمُشاهدة الديكور البسيط -والجاذب فى الوقت نفسه- الذى صممه محمد أبو السعود، والحركة البطيئة للموتى الأحياء فى بداية العرض، ثم تحولت سريعاً لتُظهر الحركة السريعة والمنتظمة التى تحولت بعد ذلك إلى رقصات وحركات تُظهر العديد من الأشياء، منها الفرقة والتجمع والقتال والسيطرة، وأخرى فى أزياء من تصميم نشوى معتوق، وخلال الظلال التى أضاءها أبوبكر الشريف، بمصاحبة موسيقى ومؤثرات صوتية كاميلليو، إضافة إلى عزف موسيقى حية على الخشبة من العازفين رزة على البركشن، وحندوقة عازف الساكس، مع محمود جبر على التشيللو، وأحمد مهدى على البيانو؛ فيما كانت عين الجمهور تتحرك بسرعة لمتابعة حركة الممثلين، وفى الوقت نفسه المادة الفيلمية التى أعدها عمرو وشاحى والكريوجرافر إبراهيم عبده، وكان لافتاً العرائس التى قام بتصميمها أيمن حمدون، والتى تعثر أحد ممثليها بعد انكسار الكرسى الذى يستخدمه أثناء العرض، إلا أنه تدارك الأمر سريعاً، ليحوز إعجاب الجمهور وتصفيقه. «هى الخطيئةُ الأصليةُ إذًا.. تلك التى شمَلَت كلّ الَجرائمِ بذاِتها».. يقوم ببطولة العرض مجموعة من الشباب، منهم محمد غريب، وأحمد مرعى، وعابد الجندى، وأشرقت إسلام، وأحمد وحيد وريهام دسوقى، وإسماعيل جمال، وإسلام أبو ريم، وبكر محمد، ومحمد نشأت، ونوران عدلى، وعبدالله شكرى، ودينا ممدوح، وملك عبدالمعطي؛ إضافة إلى الكاتبة نشوى محرم التى اشتركت بدورها فى التمثيل، وضيفى الشرف الفنان أحمد مختار وحمادة شوشة. الجميع كان يعمل فى سيمفونية متناغمة لم تفقد المشاهد تركيزه أو تصيبه بالملل طيلة ما يقرب من 90 دقيقة هى مدة العرض، والتى استطاع إدارتها باقتدار عمرو شوقى، وهو المخرج المنفذ الذى صاحب الدويرى فى العديد من عروضه، كان آخرها «المحاكمة» على خشبة مسرح ميامى. «أليس غريباً أن نمضى حياتنا ونحن نفكر بالأشياء التى نحب أن نفعلها ولا نستطيع؟». العرض يأخذ مشاهده فى عالم يعتبر الخروج فيه عن القالب من الخطايا والمحرمات، فالتفكير جريمة، والحب مُحرّم، والخروج عن السير تهديد للمصالح القومية، وإيقاف للعجلة التى تدور بها الأمة، وهكذا فى قاطنى هذا العالم لا يفعلون شيئاً سوى الامتثال للتعليمات، ليكون كل منهم «صالح»، ويكتسب رضا المجتمع ومن يحكمونه.