وزير الإسكان يتفقد مشروعات تنموية ببرج العرب بالإسكندرية    بالأسماء، وزير الداخلية يأذن ل 21 مواطنا بالحصول على الجنسيات الأجنبية    للاستشارات الهندسية.. بروتوكول تعاون بين جامعتي الإسكندرية والسادات- صور    تجميل غرف الكهرباء بحرم جامعة حلوان    رئيس هيئة النيابة الإدارية الجديد يستقبل مفتي الجمهورية    رئيس جهاز مدينة أكتوبر الجديدة يتابع تنفيذ شقق سكن لكل المصريين بالمدينة    بتخفيضات 40%.. الداخلية تواصل المرحلة ال 24 من مبادرة "كلنا واحد" لتوفير السلع الغذائية    القومي للحوكمة وكلية ثندر بيرد للإدارة العالمية يوقعان بروتوكول للتعاون في مبادرة 100 مليون متعلم العالمية    أحمد عبدالوهاب يكتب: «حماس».. ماذا بعد قطر؟    كوبا أمريكا - كندا تفوز على فنزويلا وتضرب موعدا جديد مع الأرجنتين في نصف النهائي    المنيا: إصابة 5 طالبات ثانوية عامة بانخفاض ضغط الدم أثناء امتحان الكيمياء بسبب صعوبته    جثة على سطح قطار الصعيد تثير فزع الركاب بسوهاج.. والشرطة تكشف الغموض    عاجل | ننشر أسماء المحكوم عليهم بالإعدام شنقًا في "حرس الثورة"    تقام مساء اليوم.. المتحف القومي يحتفل بمئوية كوكب الشرق أم كلثوم والدخول مجاناً    سعد الصغير ناعيًا أحمد رفعت : «بجد حزين من كل قلبي عليك»    خالد أنور يحتفل بخطوبة شقيقته مروة في أجواء عائلية.. صور    كان عايش بنص قلب.. طبيب أحمد رفعت يكشف مفاجأة    الأرصاد: الطقس مائل للحرارة رطب ليلًا والقاهرة تسجل 35 درجة    3140 قرض حسن لأصحاب الصناعات اليدوية والحرفية بالأقصر    الدبيس: انضمام النني وزيزو إضافة في أولمبياد باريس    "مات أحمد رفعت وسيموت آخرون".. مالك دجلة يطالب بإلغاء الدوري وتكريم اللاعب    حدث في شرق نابلس .. إصابة شابين بالرصاص الحي خلال مواجهات مع قوات الاحتلال    الكيمياء والجغرافيا ترسم البهجة على وجوة طلاب الثانوية العامة بالفيوم    محافظ بورسعيد الجديد يصل مكتبه: سأبذل قصارى جهدي لخدمة المواطنين    لليوم السادس.. التموين تواصل صرف مقررات يوليو    مصرع عامل صعقا بالكهرباء أثناء التنقيب عن الآثار بقنا    عضو مجلس الشيوخ: الحوار الوطني بات همزة وصل بين الحكومة والشارع المصري    استمرار غياب بيرسى تاو عن الأهلي في الدوري    الاتحاد الأوروبي يرفض قصف وإجلاء المدنيين صباحا ويدعم الاحتلال بالأموال ليلا    رئيس الفلبين يهنئ رئيس وزراء بريطانيا الجديد بفوزه في الانتخابات التشريعية    رئيس الوزراء يوجه بالإسراع في تنفيذ مبادرة «100 مليون شجرة»    باع 11.7 ألف تذكرة في 24 ساعة.. تعرف على إجمالي إيرادات فيلم عصابة الماكس    حكم صيام أول محرم.. «الإفتاء» تحسم الجدل    إنجلترا ضد سويسرا.. الإنجليز يتفوقون فى تاريخ المواجهات قبل موقعة اليورو    لطلاب الثانوية العامة، أفضل مشروبات للتخلص من التوتر    أجمل التهاني والرسائل بالعام الهجري الجديد 1446.. تعرف عليها    وزير الخارجية: مصر تسعى لدعم دول الجوار الأكثر تضررًا من الأزمة السودانية    وزير الصحة يستقبل المدير الإقليمي للتنمية البشرية بالبنك الدولي لتعزيز سبل التعاون    ملك تايلاند يستقبل شيخ الأزهر ويشيد بجهود الأزهر في نشر وتعزيز قيم الحوار والتسامح والتعايش المشترك    خبيرة فلك: ولادة قمر جديد يبشر برج السرطان بنجاحات عديدة    مصر وسوريا تشددان على الرفض التام لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية أو تهجير الفلسطينيين.. الرئيس السيسى يؤكد ل"الأسد" مواصلة الجهود الرامية لوقف إطلاق النار بقطاع غزة وإنفاذ المساعدات الإنسانية بصورة مستدامة    ‫وزير الزراعة يبحث الملفات العاجلة وتطوير الثروة الحيوانية    مفتى الجمهورية: التهنئة بقدوم العام الهجرى مستحبة شرعًا    ما الحكمة من اعتبار أول شهر المحرم بداية العام الهجري؟ الإفتاء تُجيب    وزير التعليم يتابع سير امتحانات الثانوية: «وضع مصلحة الطلاب وتوفير كافة سبل الراحة لهم على رأس الأولويات»    اعتدى عليها جنسيًا.. وصول المتهم بقتل الطفلة السودانية «جانيت»    ماذا يريد الحوار الوطنى من وزارة الصحة؟...توصيات الحوار الوطنى تضع الخطة    الصحة تطمئن على جودة الخدمات المقدمة بمستشفى عين شمس العام    قائد القوات الجوية الأوكرانية: إسقاط 24 مسيرة روسية من طراز شاهد    أسعار البقوليات اليوم السبت 6-7-2024 في أسواق ومحال محافظة قنا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 6-7-2024    عاجل.. الزمالك يرد على أنباء حرمانه من الجماهير أمام الأهلي بالسوبر الأفريقي    يورو 2024| تشكيل منتخب إنجلترا المتوقع لمواجهة سويسرا    الداخلية الإيرانية: تقدم بزشيكان على جليلي بعد فرز أكثر من نصف الأصوات    وفاة اللاعب أحمد رفعت إثر تدهور حالته الصحية    «في الساحل الشمالي».. شوبير يكشف عن أولى صفقات الأهلي (فيديو)    احتفالات السنة الهجرية الجديدة 1446 في العراق    الصحة العالمية تحذر من مادة مسرطنة يستخدمها الملايين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متسع من الوقت..
نشر في البوابة يوم 18 - 01 - 2016


سأكتب عنه قصة..
الرجل الذى يجلس سانداً ظهره للعمارة التى لم يكتمل بناؤها، ملتحفاً ببطانية صوف سوداء، وأمامه «راكية» بها جذوة لهب أوشكت على الانتهاء، عليها « كنكة « سوداء يحرك يديه قريباً منها، ويدفئ صدره برشفات من كوب شاى.
هذا ما ورد لخاطرى، وأنا أقف فى شرفتى، وأفرد ذراعى، كى أطرد بقايا نوم ما زال عالقًا بأهدابى، وكان لدى متسع من الوقت.. عشر دقائق استيقظتها مبكرًا قبل أن يدق جرس المنبه معلنًا السادسة، ويبدأ موعدى اليومى مع العالم.
الشبورة تغلف المكان، والشمس تستمرئ الكسل فى صباحات الشتاء.
أحاول تبين ملامح الرجل.. تغيم تفاصيله خلف الكوفية التى يلف بها رأسه، ويتدلى طرفاها على جانبى الوجه. أسند ذراعى على سور الشرفة، أشب على أطراف أصابعى، لا يبدو غير ثلاثة خطوط سوداء: حاجباه وشاربه، وثلاث فتحات مستديرة: عينيه وفمه.
لكن الدفء الذى يتسرب من حجرتى، ولسعة البرد فى الشرفة، والشارع الخالى إلا من كلاب تطلق نباحًا متقطعًا وتعود لنومها، وقطة تبحث فى صندوق القمامة على ناصية الشارع، والدقائق المتاحة لى كلها تدفعنى أن أمعن النظر إليه وأبحث عن طرف خيط أنسج منه قصة.
تبدأ من أين؟ أبدأوها من استكانة جسده، يقظة عينيه، وجنيهات قليلة فى جيب الصديرى، يربت عليها فى انتظار أن تأخذ طريقها للبلد مع قريبه أو أحد بلدياته كراتب الشهر السابق والشهور التالية.
يقلب الرجل فى «الراكية» تمتلئ الخطوط بزوجة تسحب بقرتها متجهة لأرضها، ومن نفس الخط تعود لتوقظ الولدين، يأخذان طريقهما إلى المدرسة، أراهما يركلان حجرًا فى الطريق، يلتقطان آخر، يقذفان به كلبة تنبح دون أن تترك مكانها وتحرم أطفالها ثديها.
يدق جرس المنبه، ينفلت خيط القصة، ألفه حولى أصبعى، أقبض عليه بكفى، والرجل يقلب فى الراكية، يسحب الرجل نفسًا من «جوزة» كانت بجواره.
أسرع إلى الحمام، فى طريقى أخرج اللبن من الثلاجة، أشعل البوتاجاز، أضع على العين الصغيرة كسرولة اللبن، أتوضأ، أطفئ النار عن اللبن، سجادة الصلاة ليست فى مكانها، أبحث، أجد البلوزة الجينز الطويلة والإيشارب السكرى، أسحب ورقة جورنال من كومة الجرائد القديمة التى أحتفظ بها لنأكل عليها، أو أفرش بها أرفف المطبخ وألمع الزجاج، أفرش الورقة تجاه القبلة، أحبك إيشاربى وقبل أن أخلص النية أنادى على ابنتى كى تستيقظ، لا تستجيب، أهز كتفها. تتذمر: حاضر يا ماما، أعود للجريدة والصلاة، تمر الدقائق والبنت ستتأخر، أجلس على حافة السرير، والجريدة فى يدى أهزها
اصحى يا جميلة.. اصحى ياحلوة..
أتشاغل عن كسلها بالنظر فى ورقة الجريدة، ألمح عنوانا كبيرا بالخط الأسود
كارثة إنسانية فى قطار الصعيد
هل لبطل قصتى علاقة بهذه الحادثة؟
أهز ابنتى بقوة
اصحى بقى تأخرت..
بعد أن اطمأننت على دخولها الحمام، أجلس على السفرة والورقة فى يدى، عيناى تتابعان الخبر ويداى تجهزان الساندوتشات.. التفاصيل الكاملة لرحلة قطار الموت، تفحم 370 راكبًا من الأطفال والنساء والرجال فى دقائق. شهود الكارثة والناجون يحكون، أحدهم يروى عن نقوده التى احترقت 300 جنيه، راتبه و200 جنيه راتب أخيه أرسلها معه إلى أهله.
تجرح السكينة يدى، أتذكر الحادثة وقعت يوم وقفة عيد الأضحى الماضى أقلب الجريدة: الأخبار 17/2/2003، أهز رأسى، لا داعى لابتزاز عواطف القراء، لا بد للرجل من قصة أخرى.
انتهت ابنتى من ارتداء ملابسها، أغلق باب الشقة، أدفع بابنتى إلى الكرسى الأمامى، ألف حول العربة، أراه عن قرب فى يده لقمة، وعلى الأرض يفرد ورقة مزيتة عليها ثلاث طعميات ورغيف ونصف وربطة جرجير مفكوكة، يدفع اللقيمات إلى فمه ساهمًا، أتطلع إلى شقتى، نسيت باب البلكونة مفتوحًا أتردد، تنادينى ابنتى
يالا يا ماما اتأخرنا..
دقائق، أسرع لشقتى. الأسانسير عالق فى الدور السابع، أصعد سلالم الأدوار الأربعة، أغلقها، أتذكر أنى لم أخرج نصف الفرخة من الثلاجة، هناك دائما ما أنساه، أعود لسيارتى، والرجل لم ينته بعد من رغيفه الأول وقرص طعميته الثالث.
أوصل ابنتى للمدرسة، إشارة المرور وكل إشاراتى التالية كانت مغلقة، ثم وصلت، ختمت الكارت.. الثامنة وعشر دقائق، متأخرة عشر دقائق عن العمل، أجهز الملفات لاجتماع مجلس الإدارة، خطة ترويج القنوات، خرائط قناة الأفلام، الطرب الموسيقى، الرياضة، التأكيد على مديرى القنوات للحضور، فنجان قهوة، صداع، قرص أسبرين واحد لا يكفى.
المدير فى طريقه للمحطة، الساعة الثانية والاجتماع ما زال مستمرًا، أستأذن، أوصل ابنتى للدرس القريب من عملى، أعود، أعد تقريرًا عن الاجتماع وأهم التوصيات، أطبع النسخ للحضور.
أفاجأ بابنتى
- برافوا عرفت تيجى لوحدك.
- تأخرت على.
نصف ساعة وسأنتهى من التقرير.
نعود للبيت..
غابت الشمس فبدأ الليل ينشر خيوطه، والرجل الذى سأكتب عنه يرش الحوائط الحمراء بالماء.
أجهز طعام الغداء، المكرونة، والفراخ والبانيه.
أتصل بزوجى، أطمأن عليه، أطمئنه علينا - كل شىء تمام.
أراجع دروس ابنتى..
تسألنى وأنا أصحح لها مسائل الحساب.
- متى سيعود بابا؟
- بعد أن ينتهى بناء القرية السياحية التى يشرف عليها.
- وبعدها لن يسافر صح؟
- يمكن...
تذهب ابنتى لسريرها، أحكمت الغطاء حولها واستعدت لكتابة القصة، جلست على الكنبة فى حجرتى، أضأت نور الأباجورة، فتحت درجى وأخرجت أجندتى ذات اللون البنى، أمسح طبقة كثيفة من الغبار تغطيها تلمع الأرقام الذهبية 1987، أقلب فى أوراقها.. الظلال. أول قصة كتبتها فى المدرسة الثانوية، بالقلم الأخضر تعليق مدرس اللغة العربية.. قصة جميلة، أسلوب سلس، موهبة كبيرة، أقلب بقية الصفحات.. قصة، قصتان، خواطر، أتمدد على الكنبة.. أضم الأجندة لصدرى. تتجمع الزوجة وولداها حول صينية العشاء، يتذمر الكبير.. تانى بامية.. يتطلع لدجاجة تنقر حباتها فى أمان حتى يحين موعدها آخر الشهر القادم عندما تنتهى العمارة. أغفو.. يجهز زوجى حقيبة السفر، الغردقة، مرسى مطروح.. والعمارات التى لا نسكنها تعلو طابقًا فوق طابق. فزعة أتذكر، لم أغسل الأطباق.
من شرفتى ألقى نظرة على الرجل الذى يجلس ساندًا ظهره لعمارة لم تكتمل بعد، وقد بدأ فى إشعال نار الراكية، وبجواره «جوزة» يستعد لشربها، وسعال يستعد لبصقه وليل طويل يسهره.
أغلق باب الشرفة وأقسم غدًا سيكون لدى متسع من الوقت، وأكتب عنه قصة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.