من المحتمل أن يدفع قرار فرنسا تطبيق بند الدفاع المشترك في مواثيق الاتحاد الأوروبي بعد هجمات باريس شركاءها الأوروبيين لتقديم دعم عسكري في العراق وقوات لحفظ السلام في أفريقيا لكن من المستبعد أن يقنع كثيرين بالانضمام إلى باريس في حرب جوية فوق سوريا. واستندت باريس إلى المادة 42.7 من معاهدة لشبونة يوم الثلاثاء للمرة الأولى منذ بدأ سريانها عام 2009 والتي تلزم أعضاء الاتحاد البالغ عددهم 28 دولة بتقديم مساعدات عندما تتعرض دولة عضو لعدوان مسلح على أراضيها. واعتبرت هذه الخطوة لفتة سياسية رمزية أكثر منها نداء لطلب العون في العمليات إذ أن حلف شمال الأطلسي هو الوسيلة المعتادة لتنسيق الدعم العسكري ولأن الفرنسيين لم يطالبوا بتفعيل بند الدفاع المشترك في مواثيقه. وقال الرئيس فرانسوا أولوند بعد أن قتل مهاجمون ينتمون لتنظيم الدولة الإسلامية 129 شخصا في هجمات على مطاعم وقاعة للحفلات الموسيقية واستاد رياضي في باريس مساء يوم الجمعة الماضي "العدو ليس عدوا لفرنسا فقط بل عدو لأوروبا." وتشارك بلجيكاوبريطانيا والدنمرك وهولندا إلى جانب فرنسا في شن غارات على أهداف الدولة الإسلامية في العراق منذ أكثر من عام في إطار تحالف تقوده الولايات المتحدة ويضم أيضا عددا من الدول العربية. وقبل شهرين أصبحت فرنسا أول بلد أوربي يوسع نطاق مشاركته في غارات التحالف لتشمل سوريا إلى جانب العراق. وفي حين أن الغارات تتم في العراق بطلب صريح من الحكومة العراقية فإن التبرير القانوني في سوريا أكثر غموضا ويفتقر التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لحلفاء أقوياء على الأرض ولا تلوح في الأفق أي بادرة على قرب نهاية الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات مما يجعل الدول الأوروبية تتردد في الانضمام للتحالف في سوريا. ومنذ هجمات باريس يوم الجمعة الماضي صعد أولوند الغارات الفرنسية على الرقة معقل تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا وتعهد بشن حرب "بلا هوادة" على التنظيم وحث الدول الأخرى على الاقتداء به. وقال وزير الدفاع جان ايف لو دريان إن باريس ستتواصل مع شركائها في الاتحاد الأوروبي على المستوى الثنائي طلبا للمساعدة. وأشارت بريطانيا والدنمرك إلى أنهما قد تقتديان بفرنسا في توسيع نطاق الضربات الجوية من العراق إلى سوريا. وقد أوضح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أنه سيحاول إقناع البرلمان بإصدار تفويض بشن غارات في سوريا. وحتى الآن يرفض البرلمان ذلك بسبب الظروف التي أحاطت بمشاركة بريطانيا في اجتياح العراق عام 2003. وشدد كاميرون على تضامنه مع باريس بحضوره شخصيا مباراة دولية في كرة القدم بين منتخبي انجلتراوفرنسا في لندن يوم الثلاثاء وشارك الجماهير في أداء النشيد الوطني الفرنسي. وقال لارس لوك راسموسن رئيس وزراء الدنمرك أمام البرلمان في كوبنهاجن إن الدنمرك أيدت فرنسا وإنها مستعدة من حيث المبدأ للمشاركة في الغارات الجوية على أهداف في سوريا إذا تمت الموافقة على تفويضها بذلك. لكن شركاء آخرين في الاتحاد الأوربي تحدثوا عن مساعدات عسكرية غير قتالية في الأساس في العراق ورغبة في إرسال المزيد من قوات حفظ السلام إلى مالي وهو ما سيخفف العبء على القوات الفرنسية التي تدخلت لمحاربة المقاتلين الاسلاميين في مالي عام 2013. وتساعد ألمانياوايطاليا في تدريب قوات الأمن الكردية في العراق لكنها لم تشارك في القصف ومن المستبعد انضمامهما للتحالف. وقال زيجمار جابرييل نائب المستشارة الألمانية وزعيم الحزب الديمقراطي الاشتراكي الشريك الأصغر في الائتلاف إن الحديث عن الحرب على الدولة الإسلامية أفاد المتشددين وساهم في نشر القلق في المجتمعات الغربية. وقالت أورسولا فون دير ليين وزيرة الدفاع الألمانية في بروكسل يوم الثلاثاء إن برلين تعتزم أيضا زيادة وجودها العسكري في مالي بالانضمام إلى بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بعد المساعدة في تدريب قوات الأمن المالية. وقالت وزيرة الدفاع الإيطالية روبرتا بينوتي بعد اجتماع وزراء دفاع الاتحاد الأوربي يوم الثلاثاء في بروكسل إنها تستبعد التدخل في سوريا لكنها لم تستبعد تصعيد دعمها للعمليات في العراق. وقال رئيس الوزراء ماتيو رينتسي إنه يتفهم استخدام أولوند لفظ "الحرب" لوصف هجمات باريس لكنه هو نفسه لن يستخدمه. وحذر من تكرار الأحداث التي شهدتها ليبيا وأدت إلى حالة من الفوضى بعد حملة جوية شنها حلف شمال الأطلسي للمساعدة في الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011. وقال رينتسي "ايطاليا لا تختبئ. نحن نحتاج للحفاظ على موقفنا المعتاد - قوة ناعمة أكبر من القوة الخشنة." وألمحت إسبانيا المقبلة على انتخابات عامة الشهر المقبل بقوة إلى أنها لن تكون مستعدة لقصف سوريا. لكن وزير الخارجية خوسيه مانويل جارسيا مارجالو قال إن إسبانيا تساعد في حفظ السلام في مالي وفي أفغانستان وليبيا ولبنان والصومال. ولخص رئيس وزراء السويد ستيفان لوفن موقف كثير من الشركاء في الاتحاد الأوربي - الداعم سياسيا وإن اتسم بالحذر - وذلك عندما قال لوكالة أنباء تي.تي "لسنا في حالة حرب. لكننا سنقف مع فرنسا والاتحاد الأوربي." أما ايرلندا المحايدة فكانت واحدة من عدة دول من الدول الأصغر في الاتحاد الأوربي التي أبدت استعدادا لإرسال مزيد من قوات حفظ السلام إلى مالي. ولدبلن 850 جنديا مخصصون لأداء المهام التي تنفذها الاممالمتحدة يخدم منهم في الخارج حاليا 500 جندي فقط. وقال وزير الدفاع سايمون كوفني لهيئة الإذاعة والتليفزيون (آر.تي.إي) إن بند المساعدة المتبادلة في الاتحاد الأوربي لا يتعلق "باستجابة جماعية من جانب الاتحاد الأوربي وهي أمر قد يجعل كثيرين يشعرون بعدم الارتياح." وأضاف إنها تتعلق بالتعاون على أساس ثنائي مع فرنسا. وقال دبلوماسيون في بروكسل إن الولايات المتحدةوبريطانيا ثبطتا من عزيمة فرنسا لتفعيل بند الدفاع المشترك في حلف الأطلسي في أعقاب هجمات باريس لتجنب إفساد المساعي الدبلوماسية الدولية في سوريا والتي تتطلب تعاون روسيا. وقالت مصادر فرنسية إن باريس فضلت المسار الأوربي على اللجوء لحلف الأطلسي لتجنب إثارة استياء موسكو وخلق تعقيدات محتملة لتركيا عضو الحلف التي تباطأت في الانضمام للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ولها تحفظات على دعمه للأكراد السوريين. كما أن طلب العون من الاتحاد الأوربي قد يفيد باريس في تبرير زيادة الإنفاق الأمني الفرنسي الذي يرجح أن يتجاوز حدود العجز المسموح بها في إطار الاتحاد الأوروبي. وقال مصدر فرنسي مطلع على تفكير الحكومة طالبا عدم الكشف عن هويته "فرنسا تهيئ نفسها كي تكون القوة الأمنية الرئيسية في أوروبا لتحقيق توازن مع وضع ألمانيا باعتبارها القوة الاقتصادية الرائدة ومركز أزمة اللاجئين." وأضاف "الألمان كانوا يضغطون علينا لبذل المزيد لدعمهم فيما يتعلق باللاجئين. والآن نحن نضغط عليهم وديا لمساعدتنا بدرجة أكبر في الأمن الدولي وعدم الالحاح علينا فيما يتعلق بالعجز."