حزب الله يشن هجمات صاروخية على عدد من مواقع الاحتلال    الأمن يواصل حملاته على تجار المخدرات والأسلحة النارية فى أسوان ودمياط    رابط الحصول على نتيجة تنسيق الثانوية الأزهرية 2024 بالدرجات فور إعلانها عبر الموقع الرسمي    مبادرات منتدى شباب العالم.. دعم شامل لتمكين الشباب وريادة الأعمال    لمواجهة السرقات.. "الكهرباء" ومجموعة "الصين الجنوبية" تبحثان التعاون في خفض الفقد وسيارات الطوارئ    قرار جديد من محافظ القاهرة بشأن البناء على أراض الفيلات والقصور التي تم هدمها    حان وقت الصناعة مستثمرون: مبادرات الرئاسة «طوق النجاة».. وننتظر التسهيلات    برلمانى: مبادرة بداية جديدة تعكس رؤية شاملة لتعزيز التنمية الاجتماعية    ب 143 مليون جنيه.. دخول ثلاث مدارس جديدة الخدمة وتجديد 16 بقنا    انتهاء التصويت في انتخابات مجلس الشيوخ والمجالس الإقليمية في التشيك    انطلاق مباراة ليفربول وبورنموث بالدوري الإنجليزي    الشباب والرياضة بالجيزة تطلق مبادرة لتزيين أسوار المراكز    منتدى شباب العالم.. نموذج لتمكين الشباب المصري    جهود صندوق مكافحة الإدمان في العلاج والتوعية×أسبوع (فيديو)    حلة محشي السبب.. خروج مصابي حالة التسمم بعد استقرار حالتهم الصحية بالفيوم    تعرف على لجنة تحكيم مسابقة شباب مصر بالإسكندرية السينمائي    قصور الثقافة تختتم أسبوع «أهل مصر» لأطفال المحافظات الحدودية في مطروح    برلماني: توطين صناعة الدواء يوفر احتياجات السوق المحلي ويٌقلل الفاتورة الاستيرادية    مع قرب انتهاء فصل الصيف.. فنادق الغردقة ومرسى علم تستقبل آلاف السياح على متن 100 رحلة طيران    «جنايات الإسكندرية» تقضي بالسجن 5 سنوات لقاتل جاره بسبب «ركنة سيارة»    محافظ المنوفية يتابع الموقف النهائي لملف تقنين أراضي أملاك الدولة    وزيرة التنمية المحلية: المحافظات مستمرة في تنظيم معارض «أهلًا مدارس» لتخفيف المعاناة عن كاهل الأسرة    اليوم العالمي للسلام.. 4 أبراج فلكية تدعو للهدوء والسعادة منها الميزان والسرطان    اليوم ...المركز القومي للسينما يقيم نادي سينما مكتبة مصر العامة بالغردقة    هاني فرحات عن أنغام بحفل البحرين: كانت في قمة العطاء الفني    بعد إعلان مشاركته في "الجونة السينمائي".. فيلم "رفعت عيني للسما" ينافس بمهرجان شيكاغو    الهلال الأحمر العراقي يرسل شحنة من المساعدات الطبية والأدوية إلى لبنان جوًا    بطاقة 900 مليون قرص سنويًا.. رئيس الوزراء يتفقد مصنع "أسترازينيكا مصر"    بداية جديدة لبناء الإنسان.. فحص 475 من كبار السن وذوي الهمم بمنازلهم في الشرقية    حزب الله يعلن استهداف القاعدة الأساسية للدفاع الجوي الصاروخي التابع لقيادة المنطقة الشمالية في إسرائيل بصواريخ الكاتيوشا    في اليوم العالمي للسلام.. جوتيريش: مسلسل البؤس الإنساني يجب أن يتوقف    ضبط شركة إنتاج فني بدون ترخيص بالجيزة    وزير الصحة يؤكد حرص مصر على التعاون مع الهند في مجال تقنيات إنتاج اللقاحات والأمصال والأدوية والأجهزة الطبية    مبادرة بداية جديدة.. مكتبة مصر العامة بدمياط تطلق "اتعلم اتنور" لمحو الأمية    إخلاء سبيل المفصول من الطريقة التيجانية المتهم بالتحرش بسيدة بكفالة مالية    أم تحضر مع ابنتها بنفس مدرستها بكفر الشيخ بعد تخرجها منها ب21 سنة    استشهاد 5 عاملين بوزارة الصحة الفلسطينية وإصابة آخرين في قطاع غزة    اسكواش - نهائي مصري خالص في منافسات السيدات والرجال ببطولة فرنسا المفتوحة    داعية إسلامي: يوضح حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    موعد مباراة ريال مدريد وريال سوسيداد والقنوات الناقلة في الدوري الإسباني    واتكينز ينهي مخاوف إيمري أمام ولفرهامبتون    ميدو يوجه رسالة خاصة لجماهير الزمالك قبل مواجهة الأهلي في السوبر الإفريقي    توجيهات عاجلة من مدبولي ورسائل طمأنة من الصحة.. ما قصة حالات التسمم في أسوان؟    عالم بوزارة الأوقاف يوجه نصائح للطلاب والمعلمين مع بدء العام الدراسي الجديد    باندا ونينجا وبالونات.. توزيع حلوى وهدايا على التلاميذ بكفر الشيخ- صور    تحرير 458 مخالفة «عدم ارتداء الخوذة» وسحب 1421 رخصة بسبب «الملصق الإلكتروني»    زاهي حواس: مصر مليئة بالاكتشافات الأثرية وحركة الأفروسنتريك تسعى لتشويه الحقائق    شيخ الأزهر يعزي اللواء محمود توفيق وزير الداخلية في وفاة والدته    هل الشاي يقي من الإصابة بألزهايمر؟.. دراسة توضح    18 عالما بجامعة قناة السويس في قائمة «ستانفورد» لأفضل 2% من علماء العالم (أسماء)    حكاية بطولة استثنائية تجمع بين الأهلي والعين الإماراتي في «إنتركونتيننتال»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    وزير خارجية لبنان: لا يمكن السماح لإسرائيل الاستمرار في الإفلات من العقاب    مدحت العدل يوجه رسالة لجماهير الزمالك.. ماذا قال؟    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    ضحايا جدد.. النيابة تستمع لأقوال سيدتين يتهمن "التيجاني" بالتحرش بهن في "الزاوية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العم.. نجيب سرور
نشر في البوابة يوم 04 - 11 - 2015

عرفته فى السنوات العاصفة.. كان لون بشرته حائلا ما يعطى إحساسا بأنه مريض بشىء ما، وكنا فى ضيافة الشاعر الكبير الراحل محمد مهران السيد، فلما هم بالنهوض نظر إلى متسائلا: «إنت رايح ريش»، فقلت: «أروح ريش عشانك» قال: «أحتاج أن أستند على أحد» فقلت: «أشيلك على راسى يا عمنا»، فابتسم بشحوب مرهق، وقال: «إذن هيا».
نزلنا من مقر المجلة الشهرية الذى يقع فى الجزء الأخير من شارع قصر العينى، و«أخذناها» مشيا، وفى الطريق سألنى: «أتحفظ شعرك؟»، قلت: «قليلا»، فقال: «أسمعنى بعضه»، ففعلت، وكان يتلقى ما أقول بابتسامة طيبة، ثم أبدى بعض ملاحظات عابرة حول الصور الشعرية الغامضة و«أمرنى» بعدم الإيغال فى الغموض، لأن الفداحة التى نعيشها واضحة وضوح البيادة الصهيونية، ثم سألته فجأة عن مرضه فرد: «أنا مريض بحب مصر».
عرف يومها أننى سأسافر ليلا إلى الإسكندرية، حيث كنت وقتها لا أزال طالبا فى آداب الإسكندرية، وكنت أزور القاهرة مرة أو مرتين فى الشهر لتحصيل «الغلة» التى تعنى مكافآت النشر فى عدة مجلات، منها الثقافة والكاتب والموقف العربى، إضافة إلى مقابلة بعض مراسلى الصفحات الثقافية لجرائد عربية، منها الجمهورية العراقية، والوطن الكويتية، وكانت «الغلة» عادة لا تزيد عن جنيهات معدودة، فقد كانت مكافأة القصيدة حوالى خمسة جنيهات مصرية وثلاثين جنيها عربيا.
بعد ذلك تعددت اللقاءات بيننا كلما زرت القاهرة على مقهى ريش، وكنت حريصا على ذلك ليس لسعادتى بصداقته، ولكن لأتعلم منه شيئا جديدا أهضمه وأضمه لما أحرص عليه من دروس حياتية فى اللاوعى، والرجل كان مدرسة «تجارب» تمشى على قدمين، ولا أنسى درسا مهما وغير مسبوق علمنيه على المقهى، فقد كنت فى طريقى لمقر مجلة «الكاتب» التى أعدمها السادات أوائل 1980 للقاء الناقد الكبير «على شلش» الذى كان يشرف عليها وقتذاك لأقدم إليه دراسة نقدية عنوانها «المستويات الفنية فى ديوان (لزوم ما يلزم) للشاعر نجيب سرور»، وكان شلش قد أوعز لسكرتارية المجلة بأنه سيصل متأخرا هذا المساء، فذهبت إلى ريش، وكانت المسافة بينهما قريبة، ووجدت عم نجيب كما اعتدت أن أناديه، وجلست على مائدته فقال لى: «اطلب ما تريد لأننى ثرى الليلة»، فقلت مداعبا: «ومن أين لك هذا يا عمنا»، فرد: «النقاش نشر لى دراسة عن المسرح فى الدوحة وأرسل لى اليوم المكافأة بالدولار»، ثم سألنى: «شفت قريبك مدبولى»، فقلت: «سلمت عليه منذ قليل»، فقال: «اترك حاجياتك واذهب وقل له إن نجيب سرور يريد ثلاثين نسخة من الرباعيات»، ففعلت واستطعت «محايلة» الحاج محمد حتى انتزعت منه عشر نسخ، بعد أن كان رافضا بشدة باعتبار أن نجيب «خلص» حقه، وهرولت إلى ريش وأنا أمنى النفس بنسخة «إهداء» وزجاجة بيرة كنت طلبتها من عم «ملك»، وما إن رآنى حتى انفجرت ثورته العارمة: «إيه اللى إنت كاتبه ده؟ إنت بتنتقدنى يا ولد؟»، فقلت بهدوء: «ده فى سياق الدراسة»، فرد: «شيل الكلام فورا»، وازداد حنقا وأنا رافض، ولأول مرة أقول له: «مش من حقك تفتش فى أوراقى»، لكن ثورته كانت عارمة وأحدث صوته العالى ضجيجا هائلا فى المكان، لكنه هدأ فجأة، وجلس ثم نظر لى بوداعة وهو يقول: «إنت واقف ليه يا صعيدى؟»، فجلست مندهشا لأجده ينادى عم ملك ويسأله: «أنا مش طلبت واحد بيرة للجدع ده.. هاتها؟»، فلما رآنى مندهشا قال لى: «عارف أنا عازمك ليه.. عشان تمسكت بموقفك ولم ترضخ للتهديد»، ولم يتكلم بعدها عن الدراسة التى نشرت كما هى فى عدد يوليو 1979 أى بعد وفاته، وضممتها لكتابى الأول «قراءات فى الشعر المعاصر ملامح نقدية» الذى صدر عن هيئة الكتاب عام 1985 باعتبارها «وفاء من جيل وثقافة أمة».
الدرس كان بليغا، وجعلته أمامى فى أى موقف، بل دفعت ثمنه بعد ذلك فى عدة مواقف حياتية، إضافة إلى تأثرى البالغ برباعياته التى لا أنسى منها:
لم أقف يوما بأعتاب الملوك
لم أكن يوما بركبٍ.. ببغاء
ليس لى أيُّ رصيدٍ بالبنوك
فأنا لم أحترف قطّ.. البغاء
وفى الرابع والعشرين من أغسطس 1978، أسلم نجيب سرور الروح عن 46 عاما فى منزل شقيقه ثروت بمدينة دمنهور، بعد أن ذهب إليه قبلها بشهر واحد، مخافة أن يموت وحيدا فى شقته التى كانت مطلة على ترعة المريوطية بالهرم، وأن لا يعرف أحد بوفاته، وفى ذكراه السابعة والثلاثين تهتاج الذكريات وتدمع العين على شاعر «كان جدعا أيّ جدع / شاربا من بزّ أمه»، أحدث نقلة نوعية فى كتابة النص المسرحى عبر نصوصه الخالدة «بهية وياسين» و«منين أجيب ناس»، ثم دواوينه الشعرية الفارقة، ومنها «بروتوكولات حكماء ريش» و«لزوم ما يلزم» و«رباعيات نجيب سرور»..
رحم الله شاعرا كان يغرد خارج السرب، وكان يرفض أن يكون ثورا فى القطيع، والعزاء موصول لزوجته ساشا كورساكوفا إذا كانت حية ولابنيه شهدى وفريد إن كانا لا يزالان يتذكرانه..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.