بعد هلاك قبيلة عاد- قوم هود- لم توجد قبيلة مثلها قوية غنية، إلى أن ظهرت قبيلة ثمود، في شمالى بلاد العرب، في جهة تسمى الحجر، وهى بين المدينةالمنورة والشام. هذه القبيلة كانت تعيش في وادٍ خصيب، تنبت فيه الحدائق المثمرة اللطيفة، والمزارع الخضر الواسعة، وبساتين النخيل التي تمتد مسافات كبيرة، وتطرح بلحًا، وتمرا لذيذا حلوا سريع الهضم. وقد بنوا القصور في أرض الوادى، ونحتوا في الصخر في الجبال المحيطة به بيوتا كاملة، كل حوائطها وسقوفها وأراضيها صخر متين، لا يتهدم ولا يتحطم. وعاشوا عيشة ناعمة في رغد وهناءة فترة طويلة، حتى نسوا الله الذي أعطاهم كل هذه النعم، ونحتوا من الصخور أصناما وعبدوها، واعتقدوا أنه ليس هناك آخرة، ولا ثواب ولا عقاب، وأفسدوا في الأرض وضلوا. عند ذلك أرسل الله إليهم رجلا منهم اسمه صالح، وكان رجلا طيبا عاقلا، وكلهم يعرفونه، وذلك ليرشدهم إلى عمل الخير وترك الظلم والفساد، وعبادة الله وحده، وترك عبادة الآلهة الكاذبة التي يعبدونها من دون الله، لأن الله هو الذي أعطاهم كل هذه النعم، وجعلهم أقوى قبيلة، وأغناها بعد عاد قوم هود، الذين هلكوا عندما عصوا الله وكفروا بنعمته. جمع صالح قومه وقال لهم: «يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد، وبوأكم من الأرض (أي أعطاكم الأرض) تتخذون من سهولها قصورا، وتنحتون من الجبال بيوتا. فاذكروا آلاء الله عليكم (أي نعم الله عليكم) ولا تعثوا في الأرض مفسدين (أي لا تفسدوا في الأرض)». قالوا: يا صالح، أتأمرنا أن نترك عبادة الآلهة التي وجدنا آباءنا يعبدونها؟ قال لهم: إن هذه الآلهة لا تعطيكم شيئا، ولا تأخذ منكم شيئا، فكيف تعبدونها وهى لا تضركم ولا تنفعكم؟ ألا تفكرون بعقولكم قبل أن تعبدوا ما كان يعبد آباؤكم؟ عند ذلك آمن به جماعة من قومه، وهم من الناس الفقراء الطيبين، الذين لا يتكبرون ولا يعاندون، أما الأغنياء الظلمة فقالوا: «يا صالح، لقد كنا نحترمك قبل أن تقول هذا الكلام، وتطلب منا أن نترك آلهتنا وآلهة آبائنا، ولكن خاب ظننا فيك، ولابد أنك أصبت بالجنون». قال: يا قوم إننى لست مجنونا، وما أريد إلا هدايتكم، فاتقوا الله وأطيعون، وما أسألكم عليه من أجر، إن أجرى إلا على رب العالمين، وقد آمن الناس الطيبون، فلماذا لا تؤمنون؟ قال الملأ الذين استكبروا من قومه، للذين استضعفوا وآمنوا منهم: أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه؟ قالوا: إنا بما أرسل به مؤمنون. قال الذين استكبروا: إنا بالذي آمنتم به لكافرون. ولم يسكت صالح، فكان كلما قابل واحدًا أو جماعة من قومه يرشدهم وينصحهم، فبعضهم يؤمن وبعضهم يكفر. وكان الكفار يقولون للمؤمنين: هل تظنون أن الكلام الذي يقوله صالح صحيح؟ وأن هناك إلها يحيينا يوم القيامة بعد أن نموت، ويحاسبنا على أعمالنا في الدنيا؟ لا.. لا تصدقوا، فإننا لا نعيش إلا مرة واحدة في هذه الأرض، فإذا متنا فلن نحيا مرة أخرى. كذلك كانوا يقولون لهم: لا تصدقوا صالحا فقد كان رجلا عاقلا ولكنه أصيب بالسحر، وأصبح مجنونا، يقول كلاما غير معقول، فلا تصدقوه. أما صالح فكان يقول للناس: لا تطيعوا الأغنياء المفسدين المتكبرين، وتعالوا معى ليرضى الله عنكم، ويترك لكم النعم التي أعطاها لكم، نعم الحدائق والزروع، والقصور والبيوت. ولما كثر الكلام بينهم وبين صالح قالوا له: «إذا أردت أن نؤمن بربك، فأظهر لنا معجزة تدل على أنك رسول من عند الله، فكل الأنبياء الذين قبلك جاءوا للناس بمعجزة تدل على صدقهم فيما يقولون». دعا صالح ربه أن يعطيه معجزة، تدل على أنه نبى ورسول، وقال: «يارب، إن قومى كذبونى ولم يؤمن بى منهم إلا قليل، أما الآخرون فقد سمعوا كلام الأغنياء المستكبرين، فأعطنى معجزة يصدق بها الجميع». قال له ربه: قل لقومك يجتمعوا عند الصخرة العظيمة خارج المدينة، وهناك ستظهر لهم المعجزة. مراجع الحلقات أنبياء الله .. أحمد بهجت محمد واللذين أمنوا معه .. عبدالحميد جودة السحار قصص الأنبياء .. للإمام إبن كثير