(الشجرة التي لا تثمر في الخريف فلا تنتظر خيرها في الربيع). مثل رائع يتبادر دوماً إلى أذهاننا عندما نرى بعض الشخصيات التي تطل علينا ليل نهار من خلال الفضائيات، وهم يتحدثون بجرأة وبلا حياء وبلهجة ثورية عن الثورة وضرورة المحافظة على مكتسباتها وضرورة استكمالها والتخويف أو التهويل من أخطار قوى الثورة المضادة. وقد برز دورهم الإبليسي متضخماً عندما أثاروا تلك الموجة التخويفية والتهويلية والمرعبة مما سيحدث في ذكرى ثورة 25 يناير، وما سيحدث فيه من فوضى ودمار وخراب؛ وكأن الشعب سيثور على الشعب وسيدمروا المعبد على أنفسهم وإخوانهم كما يطلقون عليه (خيار شمشون)!. ولكن المصريين برصيدهم الحضاري الكامن والذي لا يظهر إلا عند الشدائد؛ فقد أخجلوهم وأثبتوا أنهم يحبون مصرهم وثورتهم وثوارهم ومستقبلهم. أشجار خريفية شاذة: لذا عندما نتذكر هؤلاء التخويفيين والثوار رغم أنفنا قبل الثورة إبان حكم المخلوع، وكيف كانوا يمارسون علينا أنواعاً من الدجل السياسي والمرواغة الثعلبية الدبلوماسية. وكانوا كأدوات لعملية جهنمية ممنهجة لترسيخ حالة الغيبوبة الفكرية والسياسية والاجتماعية لشعوبنا. وبعيداً عن وصمهم بأنهم أرتال من المتحولين والمنافقين ورجال كل العصور؛ فإننا سننظر إليهم من زاوية أخرى وهي أنهم كانوا كأشجار خريفية جرداء، لا يستعذبها الناظر إليها، ولا تقي من مطر ولا تظل من شمس ولا تثمر ما ينفع البلاد والعباد. زيارة لغابتهم: فلو تأملنا نوعية هذه الأشجار التي كونت غابة الغيبوبة الفكرية والنفاق الدبلوماسي والخداع السياسي؛ فنتذكر أن منهم: 1-حملة المباخر الإعلامية لنظام المخلوع؛ فيزينون أقواله، ويبررون أفعاله. 2-من ضمتهم لجنة سياسات حزبه؛ فينظِّرون لحكمه ويفلسفون لنظامه، ويحاربون معارضيه. 3-من عرفوا بأنهم أركان الحقبة الكئيبة الجديدة؛ الذين يحملون لواء التدشين لتوريث المحروس. 4-من كانوا من أركان الحرس القديم الذين صانوا سفينة حكم المخلوع منذ توليه الحكم. 5-زعماء لأحزاب معارضة كرتونية؛ الذين تسكتهم دعوات للقائه، وتخرسهم فتاتات من تعيينات يحصلون عليها في المجلسين. 6-زعماء ورموز سياسية لم يكن همها تطوير أحزابها بل مثلوا طابوراً خامساً أو خنجراً في ظهر رموز المعارضة الأخرى خاصة الإسلاميين؛ فيثبطونهم ويتهمونهم ويشككون في إمكانية التغيير. 7-من كان يعد من أبواق المعارضة الزائفة، أو العملاء المزدوجين؛ فيصرخون نهاراً في مقالتهم ضد نظامه، ويخترقون صفوف المعارضة وتجمعاتهم، ثم يتسللون ليلاً من تحت الترابيزات فيتملقون المخلوع ويتمسحون بالكرسي. 8-مفكرون وكتاب رأي توقفت عجلة تفكيرهم على ميراث الحقبة الاشتراكية من ستينيات القرن الماضي، ورسخوا لمناخ السلبية واليأس والتخويف من فزاعة المد الإسلامي. 9-الزئبقيون الذين آثروا الصمت فلم يعترضوا على قرار ولا ينتقدوا سياسات؛ فكانوا شياطيناً خرساء ترسخ القعود والخنوع، ويرضون بدخلٍ مجز من الفضائيات وبيزنس الأبناء. المعدن الطيب يظل طيباً: ولهذا عندما تحدث الحبيب صلى الله عليه وسلم عن معادن البشر؛ كان مبدعاً في التأكيد على أن المعدن النفيس يظل دوماً محتفظاً بأصله وخصائصه وقيمته في كل الظروف؛ خاصة في أصعبها وأقساها وهي التي تختبر قيمته وطيب معدنه؛ تماماً كالذهب وتحديه للهب النار!. فعن أبي هريرة رضي الله عنه: قيل يا رسول الله، من أكرم الناس؟. قال: أتقاهم. فقالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: فيوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله. قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: فعن معادن العرب تسألون؟؛ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام؛ إذا فقهوا.[البخاري] وهنا نتذكر تلك المعادن التي تحدت المخلوع ونظامه ونظام من سبقه لعقود؛ فلم يثنهم التضييق والسحل والسجن والمطاردة لهم ولذويهم؛ وكأنه كان كتقلبات الخريف التي تتحداها الأشجار الأصيلة الطيبة؛ التي تعلم أن عمرها أطول من مجرد ليلة أشتد سوادها وسيعقبها كالعهد به فجر باسماً، أو هو مجرد فصل خريفي مؤقت ستسقط أوراقه وسيزول كما زال من قبل وسيأتي من بعده دوماً الربيع. ربيع بلا زهور: أما تلك الأشجار البرية التي ظهرت في أرض مصرنا وبلاد الربيع الثوري العربية، التي ملأت الأرض وتغولت وتكاثرت وتوحشت وتكاتفت وهي تحاول حجب الرؤية عن حقيقتهم وخبث أدوارهم، وتنسينا تاريخهم؛ ليصبحوا ثوريين رغم أنفنا؛ فنحن رغم ضجيجهم ونقيقهم وقرقعة فضائياتهم وركوبهم موجة الربيع؛ فإنما نراهم مجرد قرقعة بلا طحن، أو أشجاراً جرداء بلا زهور ولا ثمار رغم الربيع!؟. د. حمدي شعيب زميل الجمعية الكندية لطب الأطفال (CPS) خبير تربوي وعلاقات أسرية [email protected]