لا ريب أن تحرير 1027 أسير وأسيرة، من سجون القتلة والمفسدين في الأرض، هو حدث لا يمكن إلا أن يدخل أعلى مستويات الفرح والسرور على القلوب. فقد اعتدنا لعشرات السنين على القتل أو الظلم أو الأسر حتى الموت. فالأسرى الفلسطينيون الذين يقبعون بالسجون الإسرائيلية، أكثر من أية جماعة إنسانية على وجه الأرض، معرضون لأحكام مدى الحياة أو أقل بقليل من عديد المؤبدات .. وهي أحكام تعني أن الفلسطيني ينبغي أن يعاقب أبد الدهر، حتى لا تكون له مجرد فرصة في الحياة، ولو بلغ من العمر عتيا. الحكم على أسير بالمؤبد أو مدى الحياة لم يَرْوِ عطش نفس استبطنت الحقد على البشر أو الانتقام منهم. ولم يشبع نهم من هم أحط البشر قيما وأخلاقا وتاريخا .. نهم محرقة مزعومة على الفلسطيني أن يعاقَب فيها عن كل يوم من حياته بألف يوم عند بني يهود. كيف لا نفرح ونحن نرقب، منذ عشرات السنين، أسرى لا يملكون من حياتهم ما يكفي ليسددوا به أفدح العقوبات وأشدها قسوة وظلما؟ كيف لا نفرح، ونحن نتلوى قهرا، طوال عشرات السنين، على حياة آلاف الأسرى وهي تُنتزع منهم بالثانية، وأمام ناظرينا؟
حق لنا أن نفرح وننتشي .. لكننا في ألم شديد وحسرة على الآلاف القابعة من أسرانا في السجون .. فكم من الوقت سنحتاج لتحرير هؤلاء؟ وكم من العائلات ستنتحب، وتندب حظها؟ وكم سيبقى من العمر حتى يكون للأمل معنى؟ مرارة علقمها ظلم فظيع، وثمن باهظ في الحرب على غزة، وخزي عظيم، بلغ فيه سعر الجندي اليهودي الواحد 1027 أسير وأسيرة. أما الجندي فيطلق سراحه كاش، فيما الأسرى الفلسطينيين فيمكن الاتفاق على تحريرهم بالتقسيط المريح .. ثمن يعكس، إلى حد ما، توازن القوى بيننا وبين العدو، مثلما يعكس معادلة القيمة .. معادلة علقمها يقول أن سعر الدقيقة الواحدة من حياة الجندي شاليط أو حريته أو كرامته، أو قوته، أو إنسانيته، أو فرحه، أو حزنه يجب ألا يقل ثمنها عن 1027 دقيقة للفلسطيني، وألفي قتيل، وخمسة آلاف جريح، ودمار طال عشرين ألف منزل
، وحصار جائر فرضه علينا قتلة العالم وشرّعته منظمة الظلم المتحدة في تقرير بالمر مؤخرا ..
حرية المسلمين وحقهم في الحياة رخيصة كدمائهم .. ولا فرق إنْ كان ثمة سبب أو بلا سبب .. حقا أو باطلا مزعوما .. « اقتلوا الأسرى ولا تعتقلوهم » !!! هذه هي معادلة حاخامات اليهود .. وهذا تصريح بنيامين نتنياهو، بعد قتل قادة ألوية الناصر صلاح الدين، إثر عملية إيلات،: « الذين قتلوا جنودنا في إيلات لم يعودوا على قيد الحياة» .. رغم أن «الألوية» نفت علاقتها بها .. لا يهم .. المهم أن كل يهودي يقتل يجب أن يدفع الفلسطينيون ثمنه من حياتهم .. مهما كانت شدة الألم والحسرة والقهر؛ ففي قلوبنا وصدورنا ومدامعنا من السعة ما يكفينا للقول: هنيئا للمحررين من الأسرى .. هنيئا لعائلاتهم وأزواجهم وأطفالهم وأحفادهم وأحبائهم.. هنيئا للآباء والأمهات الصابرات .. أما لمن بقي في الأسر فحسبهم قول الله تعالى: ﴿ وَلاَ تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ { يوسف: 8 { . أما بني يهود فنقول لهم: بيننا وبينكم صراع لن ينتهي إلى قيام الساعة. فإذا كانت لكم ساعتين من الزمن تفسدون فيهما في الأرض فسيكون لنا معكم ساعات، ﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ { الشعراء: 227{.