يعرف الاشخاص بأعمالهم وكلامهم وبقدر تكرار الأعمال والأقوال يمكن أن نرسم او نصف طبيعة الأشخاص وبمعرفة الأشخاص يمكن أن نتوقع أفعالهم فى أغلب الأحيان ، وبقدر مانعلم عن الأشخاص يكون التوقع أقرب إلى الصواب ، أما فى الحالات التى تكون فيها الأحداث مخالفه للتوقعات بشكل واضح فى الغالب تكون هناك أسباب خفية وراء هذا الإختلاف لتفسير الحدث. فإذا حاولنا أن نطبق هذه القاعدة على الأحداث الجاريه الأن فى مصر وسأبدأ بالقضاء المصري كلاعب اساسى فى هذه المرحله ، فلابد لنا أن نوضح نقطة هامة وهى تلك التي تسمى " الخطوط الحمراء" او " الحصانة " او" العصمة" وكلها اسماء لشئ واحد ، و شرعاً العصمة لاتكون إلا للأنبياء ، أما دستوراً وقانوناً على حد علمى لايوجد حصانة مطلقة ولكن يوجد فى الدساتير حصانة وقوانين وألية لرفع الحصانة ، وعلى ذلك لايوجد ما يحرم نقد القضاء مع الإلتزام بالتحليل المنطقي والحقائق . هذا امر اما الثانى هو ان القضاء وبالذات فى القضاء الجنائى والمنازعات ينقسم الى جزءين الجزء الأول المتعلق بقرار الإدانة والجزء الثانى المتعلق بتطبيق مواد القانون بحسب قرار الإدانة وإصدار الحكم ، وسنجد أن بعض الأنظمه القضائية وفى ما يسمى الأنجلوامريكية قد فصلت بين الجزءين فى النظام المسمى نظام هيئة المحلفين فى هذه الحالة تتكون المحكمة من قاضى وهيئة محلفين ، وهيئة المحلفين تتكون من مواطنين عادين ليست لهم خلفية قانونية ويتم اختيار المحلفين بطريقة عشوائية من واقع سجلات السجل المدنى ويتم استدعاء أي مواطن للعمل في هيئة المحلفين في الولاياتالمتحدة، وهى خدمة إلزامية. والشاهد هنا أن الجزء الأول من العملية القضائية يختص بها مواطنين عادين ليس لهم أى علم او خبره مسبقه بالقانون ولكن كل ما يحتاجونه هو العدل والأمانه وبعض الحكمة ، وذلك ليس تقليل من شأن القضاة ولكن يجب أن يتقبلوا النقد واحترام رأى الشعب إذا كان هناك اجماع شعبى فى حكم معين . وبما أن الكلام سيكون بشكل خاص عن المحكمة الدستورية سنوضح أولاً ما هى المحكمة الدستورية : اساس وجود وشرعية المحكمة الدستورية العليا هو الماده 49 من إعلان 30 مارس 2011 الدستورى الذى حل محل الدستور المصري الدائم الصادر سنة 1971 بعد ان تم تعطيل العمل به بناء على إعلان 13 فبراير2011 اى بعد يومين من تكليف مبارك المجلس العسكرى الحاكم بإدارة شئون البلاد بعد ان أعلن تخلية عن مهام منصبه وذلك فى الماده الأولى . مادة 49 " المحكمة الدستورية العليا هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها وتختص دون غيرها بالرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح وتتولى تفسير النصوص التشريعية وذلك كله على الوجه المبين في القانون.. ويعين القانون الاختصاصات الأخرى للمحكمة وينظم الإجراءات التي تتبع أمامها. قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، والذي جاء مبينًا لاختصاصاتها ؛ والتي تتمثل في : الرقابة على دستورية القوانين واللوائح . تفسير النصوص التشريعية التي تثير خلافًا في التطبيق . الفصل في تنازع الاختصاص بين جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي . الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين . تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقًا لأحكام الدستور وذلك إذا أثارت خلافًا في التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضي توحيد تفسيرها . حيث يجوز للمحكمة في جميع الحالات أن تقضي بعدم دستورية أي نص في قانون أو لائحة يعرض عليها بمناسبة ممارسة اختصاصاتها ويتصل بالنزاع المطروح عليها وذلك بعد اتباع الإجراءات المقررة لتحضير الدعاوى الدستورية ، وبيّن القانون كيفية توصيل الدعوى للمحكمة في صورها المختلفة وكيفية تحضيرها ونظرها حتى إصدار الحكم فيها" . يعين رئيس المحكمة الدستورية العليا ونواب رئيس المحكمة ومستشاريها بقرار من رئيس الجمهورية ، ومن بين أعضاء المحكمة العليا أو من غيرهم ممن تتوافر فيهم شروط التعيين بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء ، ويحدد قرار التعيين الوظيفة والأقدمية فيها ، ويكون تعيين رئيس المحكمة العليا ونوابه والمستشارين لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد ، ويحلف أعضاء المحكمة العليا قبل مباشرة وظائفهم يمينًا بأن يحكموا بالعدل وأن يحترموا القانون. ويكون حلف رئيس المحكمة اليمين أمام رئيس الجمهورية ، ويكون حلف نواب رئيس المحكمة ومستشاريها أمام رئيس المحكمة العليا ، وأعضاء المحكمة الدستورية العليا غير قابلين للعزل ، ولكن إذا فقد أحدهم الثقة والاعتبار أو أخل إخلالاً جسيمًا بواجبات وظيفته فإنه يجوز إحالته إلى المعاش بقرار من رئيس الجمهورية بناء على تحقيق تجريه معه المحكمة ، ويعتبر في إجازة حتمية من تاريخ قرار رئيس المحكمة بإحالته إلى التحقيق لحين البتّ فيه. والشاهد هنا أن رئيس الجمهورية هو الوحيد الذى يمكنه تعين وعزل اعضاء المحكمة وهنا مربط الفرس فالمادة 3 من الإعلان الدستورى تقول "السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات ، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها، ويصون الوحدة الوطنية. " وبناء على هذه المادة يكون ألية التعين معارض لهذه المادة الدستورية ، زيادة على ذلك إذا بحثنا الأنظمة المشابه فى دول العالم لوجدنا التالى : 1 فى النظام الأميريكى الرئيس لديه السلطة الدستورية لترشيح قضاة المحكمة باستخدام عدة معايير بما في ذلك الجدارة المهنية ، والتوافق الأيديولوجي ، والدعم السياسي من قبل الرئيس ومستشاريه بموجب الدستور، ومجلس النواب لديه سلطة الموافقة أو رفض تعيينهم . 2 فى النظام الألمانى ينتخب نصف أعضاء القضاة من هيئة خاصة من البرلمان والنصف الآخر من مجلس المقاطعات الفدرالى . وفى اغلب الأنظمه الأخرى يتبع احدى النظامين ويكاد ينفرد النظام المصرى وبعض دول العالم الثالث الدكتاتورية بإحتكار رئيس الجمهورية تعين اعضاء المحكمة. وبالأضافه إلى ذلك تخالف ألية تعين اعضاء المحكمة ما يسمى بالفصل بين السلطات الذي يمكن تلخيصه بمقولة لادوارد جيبون صاحب كتاب " اضمحلال وسقوط الامبراطورية الرومانية " والتي تعود إلى عام 1776، تلخص مبدأ الفصل بين السلطات في أن ( مزايا أي دستور حر تعدو بلا معنى حين يصبح من حق السلطة التنفيذية ان تعين اعضاء السلطة التشريعية والقضائية ) ففي معظم الحالات يتم ضمان استقلالية القضاء من خلال إبقاء القضاة لمدد طويلة وأحياناً مدى الحياة في مناصبهم وجعل إزاحتهم من مناصبهم أمراً صعباً. وأخيراً يبقى السؤال الأهم : بهذا الوضوح هل يمكن أن نقول تشكيل المحكمة الدستورية العليا غير دستورى ؟؟!!