لحظة قاسية مريرة التى عايشها كل أب أو أم سمعوا فيها خبر استشهاد ابنهم فى ثورة يناير..لحظة تتوقف فيها الساعات والأزمان..لحظة ينعصر فيها القلب عصرا.. وتكاد الروح تخفق من هول المفاجأة والصدمة..لحظة تسترجع فيها ذاكرة الأب وألام حياة الشهيد بدءا من مولده وحتى خروجه من المنزل بغير عودة مرة أخرى على قدميه..بل جثة هامدة مخضبة بالدماء. فهذا يوم مولده..وذاك يوم نادى فيه أبويه لأول مرة..وهذا يوم دخوله المدرسة..وذاك يوم تخرجه..وهذه هوياته وهذه حكاياته.. وهذا بكائه أو ضحكاته. سجل كامل من الذكريات يسترجعها ذوى الشهيد فى لحظات لا يمكن أن تنسى.. وكيف تنسى واللحظة الواحدة فى حياته كانت تجمعه بذويه.. يقتسمون فيه الدفئ والحنان والفرحة والأحزان والأوجاع. أثناء محاكمات قتلة الثوار كنت أرى أهالي الشهداء وهم يقولون ما يمزق القلوب ويوقفها عن نبضها,فقد استمعت إلى والدة احد الشهداء تقول:"هل اعلم واكبر واربي ثم يأتي واحد ينهى حياة ابنى برصاصة ويقتله ويقتلنى معه". وبالفعل شئ موجع.. فحينما يعتنى الأباء بأبنائهم وينهكون من اجل توفير حياة كريمة لهم.. يبذلون فيها الغالى والرخيص من اجل حياة أفضل.. ثم يأتى شخص مجرم برتبة شرطى يصوب سلاحه ويطلق الرصاص على هؤلاء بقصد قتلهم بكل بساطة ويسر.. وفى النهاية تحكم المحكمة الموقرة ببراءة هؤلاء المجرمون جميعا.. لان قصد توافر النية لقتلهم لم يكن موجود. ففى الوقت الذى حكمت المحكمة على المجرم محمد السنى أمين الشرطة بقسم الزواية الحمراء بالإعدام غيابيا..قامت المحكمة نفسها بتبرئة المتهم لأنه كان فى حالة دفاع شرعى عن النفس. فهل لم تكن تعرف المحكمة فى حكمها الأول انه كان يدافع عن نفسه؟! لا ادري كيف يتحول الحكم من النقيض إلى النقيض..فمن الإعدام إلى البراءة.. ومن الإدانة إلى الإفراج.. وهكذا يضيع دم الشهداء بين جنبات المحاكم.. وبين ثغرات القانون التعس.. وبين شهود الزور.. وبين قيادات وزارة الداخلية المجرمة التى اخفت أدلة إجرام أبنائها. والواجب علينا وعلى أهالي الشهداء بعد ذلك.. أن نسلم ونلتزم بما حكمت به المحكمة ويصبح المجرم طليقا حرا فى بلد تحكمه قوانين ساكسونيا . فمع إطلاق الرصاص على قلوب المتظاهرين ورؤوسهم.. واستشهاد ما يزيد عن ألف وخمسمائة متظاهر.. وإصابة خمسة الآف بإصابات بالغة..لم نحصل حتى الآن على مدان واحد,بل على العكس تم تبرئة كافة المتهمين بدءا من القتلة فى السيدة زينب والسويس والخليفة حتى من اخذ حكما بالإعدام فى بدايات الثورة.. برأته المحكمة أيضا بعد ذلك..وكأن هؤلاء المتظاهرون ماتوا من الضحك ولم يقتلهم احد. لا اعرف لماذا لم يتنحى القضاة الذين وجدوا أن الأدلة التى تدين المجرمون غير كافية..فماذا فعلوا مع من اخفي الأدلة وحرق المستندات والفيديوهات واتلف كل ما يدينهم؟! لماذا لم يعلنوا أن إخفاء الأدلة المتعمد يفسد القضايا..والقصاص لا يحتاج إلى محاكمات منقوصة الأدلة تسفر فى النهاية عن براءة القتلة.. بل وصل الأمر فى قضية قتل المتظاهرين بالسيدة زينب.. أن محامى المتهمين أعلن انه سوف يتقدم بدعوى ضد أهالي الشهداء مطالبا بالتعويض لما نتج عنه من إصابة لأحاسيس ومشاعر المتهمين المرهفة. لماذا نصر على قتل الشهداء وذويهم مرتين..الأولى برصاص قتلة مبارك والعادلى.. والثانية بأحكام براءة نتجت عن أدلة واهية لا قيمة لها. هل هذه المحاكمات تحقق العدل وتشفى الصدور وتردع المجرمين؟وإذا كانت لا تفعل فلماذا نحاكمهم أصلا؟هل نحاكمهم من اجل أن تُحرق دماؤنا فى كل مرة نستمع فيها إلى حكم بالبراءة لصالح القتلة؟أم من اجل التأكيد على رخص وحقارة دماء المصريين..ام من اجل شيطنة الشرطة ؟! وإذا كانت محاكمات قتلة المتظاهرين فى كل المحافظات سوف تؤول إلى هذا المآل بناء على أحكام سابقة برئت منها القتلة.. فما الداعى لاستكمال باقى المحاكمات ونحن نعرف الأحكام مسبقا؟! لماذا لا يخرج علينا المجلس العسكرى بمرسوم يبرئ فيه القتلة من العقوبة طالما أن المحاكمات أحاكمها واحدة ولا تتغير؟!! لقد وصل الأمر مع بعض أهالي الشهداء إلى التنازل عن القصاص وقبول التعويض من القتلة لأنهم يعلمون أنهم لن يتحصلون على شئ فى النهاية.. فهل هذا عدل؟ أن يخير ولى الدم بين التعويض أو اللاشئ ؟ نحن يا سادة لا نحتاج إلى محكمة عادية وقضاة يحكمون بأدلة ساقطة..نحن نريد محكمة ثورية تحكم وتقتص من القتلة فورا. نحن فى انتظار كارثة حقيقة إذا كان الحكم على مبارك والعادلى ومساعديه بهذا الشكل الذى لا يجرم مجرما ولا يعطى حقا..فسوف تكون ثورة أكثر شراسة من ثورة يناير..لن يستطيع احد أن يدرك مداها إلا الله. وقتها سوف يندم الجميع فى وقت لا ينفع الندم..وسوف يتحمل كل من تهاون فى إعطاء الحقوق المسئولية كاملة أمام الله والتاريخ. [email protected]