ماذا يحدث في الوسط السياحي؟ كيف وصل الأمر بين الوزارة وشركات السياحة إلي طريق مسدود دفع بالشركات المختصة بتنظيم رحلات العمرة والحج، اللجوء لمجلس الشعب للفصل بينما وبين الوزارة؟ ومفهوم أن اللجوء إلي مجلس الشعب هو للحيلولة دون اصدار قانون برفع مدة الإيقاف للشركات المخالفة من 6 أشهر إلي سنة حتي يكون هناك عقاب رادع لأن الإيقاف لمدة 6 أشهر لا يضر صاحب الشركة المخالفة لأنه يكون قد استرد شركته من الإيقاف قبل البدء في الموسم الجديد، ومن هنا كان القانون القديم عديم الفعالية وكان مجرد ضحك علي الدقون، فالظاهر أن الشركة تعرضت للعقاب لكنها في واقع الأمر لم تخسر شيئاً! وهنا لجأ وزير السياحة إلي مجلس الشعب لرفع العقوبة إلي سنة حتي لا تستطيع الشركة المخالفة تنظيم رحلات الحج والعمرة للموسم الذي يلي مخالفتها، ولهذا ثار أصحاب الشركات السياحية المختصة خوفاً من اقرار مشروع القانون. إن الاحتكام إلي البرلمان باعتباره صاحب سلطة التشريع والرقابة حق لأي مواطن يقع عليه ظلم من الجهة التنفيذية ولكن لجوء الشركات دفاعاً عن ارتكاب مخالفات تتعلق بالمعتمرين والحجاج حتي بلد آخر أمر غاية في الغرابة، والاستجابة له أمر في غاية الخطورة، والغريب أن لجنة السياحة بمجلس الشعب استجابت للضغط وقررت أن يكون هناك هذا الأسبوع "جلسة استماع" ومواجهة يدعي إليها جميع الأطراف.. والطريف أن شركات السياحة المختصة تطالب البرلمان بالتراجع عن تطبيق سياسات عقابية متشددة علي الشركات في حالة ارتكاب المخالفات. إن استخدام شركات السياحة السياسة لأسلوب الضغط علي الحكومة يستهدف الإفلات من العقاب في حالة المخالفة والتي تقضي بوقف تنظيم رحلات العمرة هذا العام وفي مقدمتها عمرة مولد النبي التي تبدأ هذه الأيام للتراجع عن تطبيق لائحة الجزاءات. والأمر الذي دفع بشركات السياحة إلي اللجوء إلي مجلس الشعب هو موافقة مجلس الشوري علي تعديل بعض أحكام قانون تنظيم الشركات السياحية والذي يهدف إلي مواجهة عملية الاحتيال الذي تقوم به شركات السياحة في موسم الحج والعمرة. إن مشروع القانون الجديد يعطي الحق لوزير السياحة بوقف نشاط الشركة كلياً أو جزئياً مدة لا تتجاوز سنة إذا قرر أن المخالفة لا توجب إلغاء الترخيص وفي حالة معاودة الشركة من حق الوزير الغاء الترخيص تماماً.. والفرق بين مشروع القانون الذي تقدم به وزير السياحة وبين القانون القديم أن الثاني لمدة لا تتجاوز ستة أشهر مما لا يحقق الغرض منه لأن الشركات المعنية لا تحرم ولا تجرم وبالتالي ترجع لمزاولة نفس المخالفات، وما موسما الحج والعمرة الماضي ببعيدان حيث ظل المعتمرون يفترشون أرض الموانئ والمطارات بالقش أياماً أكثر في انتظار نقلهم لأداء الشعائر. إن عشوائية الحجوزات لرحلات العمرة بما يفوق طاقة الشركات السياحية وفوضي العودة والتسيب في عمليات التخلف في الأراضي السعودية والإساءة إلي سمعة الوطن وتعريض المعتمر والحج المصري إلي اخطار جسيمة خاصة أن السلطات السعودية قد حذرت بأنه لا تسامح مع هذه الحالات وأن التعامل معها سيتم بمنتهي الحرية وهذا حقها لا يستوجب فقط إيقاف الشركة لمدة سنة وإنما يجب أن يكون القانون الجديد أكثر جدية ورادعاً لكل من تسول له نفسه اللعب بسمعة الوطن والاضرار بالمواطن من أجل حفنة دولارات. موقف الشركات باختصار هو من المضحكات المبكيات، أما الحادث الإرهابي في منطقة الأزهر السياحية فهو من المبكيات المفزعات. وتصور أننا تخلصنا من براثن التخلف والإجرام وهم كبير والحادث الإجرامي الذي تعرض له السياح في منطقة الأزهر وقبله بستة أشهر في طابا أكبر دليل علي أن هذا هذه الأفعال الإجرامية تمثل عدواناً صارخاً علي الشعب المصري لأنه يستهدف أول ما يستهدف أرزاق المصريين العاملين في القطاع السياحي التي أصبحت إحدي دعائم الاقتصاد المصري.. وأحد أسباب تغذية الخزانة المصرية اليومي من الوارد السياحي المتنامي في مصر كما أن هذا الحادث الإجرامي إساءة بالغة لتاريخ وسمعة المصريين الذين عرفوا علي مر التاريخ كشعب مسالم ومتسامح ومضياف وأتمني ألا يكون لهذه الحادث المؤسف أي أثر سلبي علي السياحة المصرية. لكن لابد هنا من القول إن المؤامرة علي مصر والمصريين أكبر مما نظن وهي لم تتم فصولها بعد، الأمر الذي يستوجب التصدي بصرامة لكل عناصر الإرهاب وألا ندفن رءوسنا في الرمال فننظر إلي هذا الحادث علي أنه حادث عارض لا تلبث آثاره أن تزول وهذا نص ما قلناه بعد حادث طابا.. صحيح أنه من الصعب أن نصدر أحكاماً، ولكن الهدف من وراء الجريمة واضح فقد استهدفت المصالح المصرية ومنطقة سياحية يزورها آلاف السياح وينفقون فيها أموالاً تعتمد عليها المنطقة بشكل أساسي. وإن الإهمال والتسيب أشد خطراً علي مصر من الإرهاب، ولابد أن التسيب في الإجراءات الأمنية كان أحد الأسباب التي أدت إلي حدوث ما حدث في الأزهر.. وإلا فكيف نفسر، ما حدث؟! منذ سبع سنوات وحتي حادث طابا منذ ستة أشهر ثم الأزهر والأمن المصري في منتهي الانضباط والقوة، الأمر الذي حال دون حدوث أية جرائم ارهابية أخري وكان موضع اعجاب العدو قبل الصديق، لكن مصلحة مصر العليا تقتضي أن يكون الأمن علي أهبة الاستعداد دائماً لأن أعداء الحرية والتقدم موجودون في كل زمان ومكان ويجب علينا ألا نتوقع اختفاء ثقافة العنف والتفجير والتكفير التي تسود عالم اليوم وتتحكم فيه، كما لا يجب علينا أن ننسي أننا عانينا كثيراً من الإرهاب وأننا لانزال هدفاً لخفافيشه وأذنابه. لقد مللنا القول إن السياحة الآن هي شريان مهم من شرايين الاقتصاد في مصر وأن أي خطر يتهددها سيؤدي بالتبعية إلي تأخر التنمية وتفاقم مشكلات البطالة والسيولة، وليس أخطر من الإهمال والتراخي في كل المستويات علي السياحة والحق أن الإهمال والتراخي هو جريمة في حق كل مواطن مصري. ولست بطبعي متشائمة، كما أن ثقتي كبيرة في كل أجهزة مصر الأمنية وفي قدرتها علي التصدي لكل من تسول له نفسه المساس بمصر، وكل ما أتمناه وأطلبه هو أن نقف جميعاً أجهزة ومواطنين ضد كل إهمال وتقصير وأن نكون دائماً متيقظين لأمننا ومصالحنا وفي المقدمة من هذه المصالح استقرار وازدهار السياحة المصرية.