مر عام ونيف منذ ميلاد فكرة مشروع الشرق الأوسط الكبير تخللته أحداث جسام في شأن وطننا العربي.. أحداث استدعت استنباط مفردات جديدة في مجتمعاتنا العربية وتوليد خريطة جديدة نجهلها تصور الغرب فيها أنه الوحيد القادر علي رسم قسماتها، ناهيك عما نجم عن هذا الضغث وتبعاته، فإننا اليوم أمام تحد كبير تولد عنه اتفاق ما بين الكبار لإيقاع الصغار في شراكهم، منذ كتابة مقدمة ابن خلدون وتتوالي الأحداث ببزوغ شمس بعض الدويلات وأفول نجم بعضها الآخر.. ومع توالي الأحداث تتوالي المنتديات بين الكبار والصغار للحديث عن مستقبل شرق أوسط كبير وتحطيم قدرات دويلات ليس مكتوباً لها سيناريوهات للتبارز بكرامة في حلبة الكبار، ومن هنا فقد وجدت أننا أمام هذا التحدي يتوجب علينا التعامل مع واقع تم فرضه علينا نحن الأمة التي وحدها دين ولغة وموارد وثقافة غنية بُنيت عبر قرون طوال. إن التحديات الجسام هي التي توجد العنفوان وتستنفر القوي الداخلية فينا لبناء مجتمعاتنا وسط هذا الخضم السياسي المتلاطم الأمواج، فقد أدركنا منذ زمن أننا بحاجة إلي أموال الغرب لإحداث التنمية المستدامة التي نتمناها لأنفسنا ولأولادنا، وقد كان ذلك منبع كتابة هذا المقال عن الفرص الاستثمارية في الشرق الأوسط الكبير من خلال تداول تساؤلات من خلال تحليل قوة وضعف وفرص ومحاذير كما هو الحال عليه في مجال المصارف. إن دول منطقة الشرق الأوسط الكبير في حاجة إلي الاستثمار الخاص كمحرك وثاب للنمو والتنمية، فمن خلال الاستثمار والتجارة ستستطيع دول المنطقة أن تحقق معدلات نمو أكبر، وأن توجد فرص عمل أكثر، وتقوم بتحسين وتحصيل المعرفة والقدرات، كما أنها ستستطيع أن تضاعف من إنتاجية العمالة المتوافرة. ولعل أكبر تحد تواجهه دول المنطقة هو ايجاد فرص عمالة كافية تساعد علي تحقيق التنمية المنشودة، ففي خلال الفترة من عام 2000 إلي 2010 يتوقع أن تكون العمالة الداخلة إلي سوق العمل حوالي 2.4 مليون في السنة، أي ما يوازي الضعف مقارنة بالعقد المنقضي، ولعل أفضل طريقة وأكثرها استدامة لكل الدول بالمنطقة هي مواجهة تحدي ربط اقتصاداتها بالاقتصادات الأخري عن طريق مناخ داعم للاستثمار بمعاونة الشركاء الأوروبيين وغيرهم. فإن النظام المتهالك الذي أعطي للقطاع العام الحق في التدخل في جميع شئون الأسواق، مدعوماً بعوائد البترول والمعونات وتحويلات العمالة أصبح الآن لا يفي باحتياجات العمالة المتنامية، ومع مرور الأيام، يتضح اضمحلال هذا النموذج وفقاً لما لاحظناه في العقدين السابقين، وبالتالي فإن نظاماً عصرياً جديداً يستند إلي نمو حركة التجارة والاستثمارات الخاصة، يعد بنمو أكبر وايجاد فرص عمالة أكثر للمنطقة. وقد بدأت معظم الحكومات بالمنطقة بالفعل بدء العمل في هذا الاتجاه، وقد يكون الواقع أكثر جدية حيث إن بعض دول المنطقة قد اتخذت إجراءات جذرية بالفعل، فالأردن وتونس قد بدأتا جهودهما الإصلاحية من خلال تحرير التجارة وايجاد مناخ مساعد لجذب الاستثمارات، مما أدي إلي مردودات جيدة بالفعل. كما قامت كل من مصر والمغرب باتخاذ خطوات قوية في نفس الاتجاه الإصلاحي، ومن بين الدول التي يعتمد اقتصادها علي بعض الموارد الرئيسية كانت كل من الجزائر وإيران اللتين توجهتا نحو إعادة فتح أنظمتهما التجارية وشجعتا الاستثمار الخاص، وفي دويلات الخليج تسارعت الخطي الإصلاحية علي نفس الدرب، فدولة الإمارات العربية المتحدة، خاصة دبي، قد اتبعت استراتيجيات متقدمة وتحصلت علي منافع كبيرة، ولكن مقارنة ببقية دول العالم توضح أن مناخ التجارة والاستثمار في منطقة الشرق الأوسط الكبير المزعومة مازال يفتقر إلي الكثير. فقد اتجهت العديد من الدول لتقوية شراكتها التجارية مع أوروبا، والتي تمثل أكبر الشركاء التجاريين، من خلال اتفاقيات أورو-متوسطية، ومن خلال تدعيم التجارة البينية التي يتوقع لها المزيد من خلال بدء نشاط المنطقة العربية الحرة في أوائل 2005 والذي يمتد إلي 2008 باتخاذ خطوات التحرير الجمركي والسوق المشتركة في 2015 ويكتمل نضجه التام في ،2020 وكذا من خلال اتحادات التعاون الخليجي التي قامت بتوحيد ضرائبها الجمركية. وبالرغم من كل هذه المجهودات، فإن النتائج مازالت محبطة، فقد تميز عقد التسعينيات بالركود الاقتصادي وتدني معدلات التجارة والاستثمار، ولعل منطقة الشرق الأوسط الكبير هي الوحيدة في العالم التي شهدت رغبة حقيقية في تعديل هذا الاتجاه. يجب علينا أن نعلم أننا عرضة للعديد من الضغوط، وقد تكون هذه الضغوط أداة لاستخراج أحسن ما فينا للانتقال إلي نموذج تنموي معاصر علماً بأن الأقوي سياسياً والأكثر تنظيماً هو الأوفر حظاً والأضعف تمكيناً والأقل تنظيماً من الفئات الأكثر وعياً هي الأقل حظاً، ولعلنا الآن نكون قد أدركنا لماذا كانت توقعاتنا الإصلاحية في مجال التجارة والاستثمار دون المستوي.