تمر الأمة العربية بظروف صعبة للغاية فهي تتعرض لضغوط أجنبية في مختلف دولها للقيام بإصلاحات داخلية في النظم السياسية القائمة كما أنها متهمة في معظم الأحوال بعدم التجاوب مع النظام الدولي فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب ومطالبات حقوق الإنسان. ولا شك أن الدول العربية في حاجة فعلاً إلي تطوير نفسها بصورة فعالة تناسب ظروفها وتتقارب مع متطلبات المجتمع الدولي وإن لم تتطابق معه، وفي نفس الوقت فإن ضغوط الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والاحتلال الأمريكي لأراضي العراق والصراع الدائر حول هذين الموضوعين بما لهما من عمق اجتماعي يجعل من الصعب علي كل دولة منفردة أن تشق طريقها نحو تحقيق الإصلاح والاندماج في المجتمع الدولي مع المحافظة علي خصوصياتها الاجتماعية والثقافية. وربما كانت الجهود المصرية المكثفة لتعظيم قيمة العمل العربي المشترك أكثر أهمية في هذا الوقت بالذات من أي وقت مضي نظراً لخطورة التحديات التي تواجه المنطقة العربية، ويلاحظ في هذا الصدد حرص الرئيس مبارك علي التحرك الدائب لدي جميع العواصم العربية لمحاصرة الخلافات في وجهات النظر، والمشكلات الناجمة عن بعض التصرفات التي تسبب حرجاً لهذه الحكومة أو تلك نظراً لعدم اتساع قنوات الاتصال بصورة كافية لاستيعاب المشكلات، وربما لافتقاد الثقة بين بعض الحكام بصفة خاصة وهو الأمر الذي يؤدي في نهاية الأمر إلي حدوث انقسامات وخلل في توجيه المنظومة العربية نحو تحقيق المصالح المشتركة من خلال اتخاذ موقف موحد من القضايا الشائكة المعلقة. ورغم أن البعض يري عدم جدوي العمل العربي المشترك نظراً لأزمة الثقة العنيفة بين بعض العواصم العربية إلا أنه في النهاية لا يجب أن تتوقف المحاولة لإزالة هذه العقدة وإقناع الأطراف بأن أخطاراً جسيمة سوف تلحق بالجميع إذا لم يتحقق الحد الأدني من التضامن العربي. إن مطالب عربية عملية من المجتمع الدولي ستجد تجاوباً جيداً إذا كانت السياسات في مجملها تدعم تلك المطالب، فلا معني لأن يختلف العرب مع بعضهم إلي حد القطيعة في الوقت الذي يحرصون فيه فرادي علي حل مشكلاتهم مع الدول الأجنبية بما في ذلك إسرائيل ذاتها. إن مؤتمر القمة العربية المقبل في الجزائر والمقرر عقده في شهر مارس من هذا العام يواكب متغيرات مهمة علي الساحة الدولية ومن المستحسن أن يستعد له القادة العرب بنية صافية.