حكومة الدكتور أحمد نظيف اعلنت أمام المؤتمر السنوي الثاني للحزب الوطني في سبتمر الماضي فيما يتعلق بالاصلاح الاقتصادي ان هناك اعادة صياغة لدور الدولة في الاقتصاد القومي لينتقل من دور الموظف المستثمر الي دور المراقب والمنظم. وأكدت الحكومة علي استبعاد السياسة الحمائية أي عدم وجود حماية وأن القطاع الخاص هو القاطرة التي تجر القطار الاقتصادي المصري.. وعلقت علي انتقاد بعض الحاضرين علي الارتفاع المستمر للاسعار دون تدخل من الحكومة سوي مناشدة التجار بأن الحكومة لا تتدخل في حركة السوق وإنما الاسعار تخضع للعرض والطلب.. وهذا كلام صحيح 100% وهناك دول تستخدمه وناجحة فيه بدرجة ممتاز.. ولكن في مصر ومنذ اعلان الحكومة عن تبنيها لآليات السوق وهو ليس بالفكر الجديد، وإنما الجديد هو إعلان الحكومة عن انه يمثل فكرها خلال المرحلة القادمة.. وهو ما يثير قضية مهمة خاصة بعد الارتفاع المستمر لاسعار المواد الغذائية وكذلك رفع اسعار السولار وهذا يدعونا إلي أن نسأل: .. ما هو دور الدولة في ظل آليات السوق؟! والاجابة لابد الا تكون تقليدية لأن المرحلة القادمة تتطلب فهماً متعمقا لآليات اقتصاد السوق واتباع ادوات للتنفيذ تتناسب مع طبيعة المجتمع المصري حتي نتجنب حدوث ازمات قد تؤدي عواقبها الي تعثر عمليات الاصلاح. ورغم اتفاق الاقتصاديين علي أن دور الدولة جوهري في ظل آليات السوق الا انهم اختلفوا حول الادوات التي تستخدمها الدولة حتي تحافظ علي دور حقيقي بعيدا عن الحذر غير المبرر خلال الفترة الماضية. في البداية يري الدكتور أحمد جلال المدير التنفيذي للمركز المصري للدراسات الاقتصادية انه ليس هناك منازع لدور الدولة في وظائفها الأساسية الاقتصادية ومؤكدا ان دورها في ظل آليات السوق لا يقل عن الدور في ظل الاقتصاد الموجه وما يختلف فقط هو الادوات موضحا أن الدولة هي التي تحمي وتصنع التشريعات والسياسات وهي الحكم بين الاطراف من خلال النظام القضائي وهو ما يعني انه في ظل آليات السوق هناك اعادة توزيع للادوار فدور الدولة كمالك للاصول ومنتج يقل ويرتفع دورها كصانع للسياسات وكمشرع وكمراقب والتحول الاقتصادي لا يعني ان الدولة اقوي أو اضعف فأمريكا لا تقوم بدور ضعيف في ظل آليات السوق. ويضيف د. جلال ان دور الدولة في التعليم في المرحلة الحالية مهم جدا خاصة انه احد العناصر المهمة في اعادة توزيع الدخل بشكل عادل مشيرا الي ان مجانية التعليم والتي اتبعتها الدولة خلال الاقتصاد الموجه ليست مرغوبة علي اطلاقها لانها لا تفرق بين الغني والفقير وهناك دول استخدمت وسائل أخري لضمان عدالة التوزيع مثل استخدام كوبونات التعليم في شيلي وهو دور تمويلي للدولة ويمكن ان تمارس دور رقابياً علي التعليم من خلال وضع ضوابط ومعايير لتحقيق سياستها التعليمية. وأشار د. أحمد جلال الي ما اعلنته الحكومة عن التوجه للتحول من الدعم العيني الي الدعم النقدي ان ذلك هو ما تتبعه معظم دول العالم مع اختلاف الآليات والوسائل وهو ما يضمن توصيل الدعم لمستحقيه.. مشيرا الي انه نتيجة لدعم الدولة لسعر السولار لفترات طويلة حدث تسرب لهذا الدعم لطبقات لا تستحق الدعم. وأضاف ان دولة مثل المكسيك يتم اعطاء الدعم النقدي مباشرة وفي شيلي تستخدم ما يسمي "smart card" "سمارت كارد" للفقراء ويتم تحديده علي أسس وضوابط مثل السن ومكان السكن ومستوي التعليم وعدد افراد الاسرة ويمنح طبقا لهذه البيانات كل فقير الكارت الذي يتناسب مع مستواه. ويختم الدكتور أحمد جلال رأيه بأنه يعتقد ان التخوف من تقلص دور الدولة في ظل آليات السوق ينبع من فكرة ان آليات السوق مرتبطة بالتخلي عن محدودي الدخل وهذا ليس حقيقي ولكن التحدي الحقيقي امام الدولة خلال المرحلة القادمة هو ايجاد وسائل فاعلة لضمان وصول الدعم لمستحقيه.. دولة الأوامر ويؤكد الدكتور حازم الببلاوي مستشار صندوق النقد العربي ان نظام السوق لا يمكن ان يقوم دون دولة "قوية" ومؤثرة ولكنها اساسا تكون دولة القانون والقواعد وليست دولة الاوامر مضيفا انه في جميع الحالات لابد ان تتدخل الدولة لوضع الشروط والحدود علي الانشطة لضمان تحقيق مصلحة المجتمع ومنها ضمان توفير المنافسة المشروعة وحماية المستهلكين وضمان الاعتبارات الصحية والامن بل قد يتطلب الامر ان تمنع الدولة بعض النشاط التجاري كله اذا كانت له اضرار اجتماعية ظاهرة.. العدالة التوزيعية ويتفق مع الرأي السابق الدكتور نادر فرجاني المحرر الرئيسي لتقرير التنمية البشرية العربية موضحا ان الدولة لها دوران رئيسيان في النظام الرأسمالي الكفء.. أولا: ضمان التنافسية أو مقاومة الاحتكار لانه بدون تنافسية لا يمكن ان تحقق اهم مزايا الرأسمالية وهي الكفاءة الاقتصادية.. ثانيا: ان تقوم الدولة بما يسمي العدالة التوزيعية وذلك عن طريق آلية الضرائب.