أحد بدائل السلطة البنيوية، هو النظام الذي فيه "يتولي الناس أمورهم"، ويتصرفون وفق المعني الضيق للمصلحة الشخصية، ذلك النمط الذي يمكن ان نقتفي اصوله عند آدم سميث اقتصاديا، وجيرمي بينتام فلسفيا.. ذلك النمط الذي غالبا ما يطلق عليه تعبير "اليد الخفية". الكاتب المستقبلي روبيرت ثيوبالد يقول "هذا النمط يفيد ان الافراد اذا ما اتبعوا مصالحهم الخاصة، سيزدهر الاقتصاد والمجتمع".. وهذا النموذج الفكري، يتضمن الايمان بان العالم يمضي وفق ساعة كونية، من الحكمة عدم التدخل في عملها.. ولكن عند نهاية القرن التاسع عشر، تزايد وضوح نقائص ذلك النموذج.. وفي ستينيات القرن الماضي كان "الهيبيز" من أشد انصار فكرة اليد الخفية هذه. الحقيقة الخالصة، هي انه ليس في امكاننا ان نخلق ديمقراطية توقعية حقيقية، دون تحول هائل في فهمنا حول عمل الاقتصاديات الاجتماعية، وفي هذا يقول ثيوبالد "الطريقة التي نفهم بها العالم حاليا، والطريقة التي نفكر بها في هذا الامر، لن توفر لنا استنباط تناول لمسألة اتخاذ القرار، يكون في نفس الوقت ديمقراطيا ومستوعبا حقائق المستقبل". يميل بعض المتحمسين لمشاركة المواطنين، وللديمقراطية التوقعية، الي المبالغة الضارة، بتصورهم ان مشاركة المواطنين في صنع القرار، والديمقراطية التوقعية، تقودان الي مدينة فاضلة مثالية.. وهذا يثقل علي الجهد المبذول في هذا السبيل بتوقعات لا يمكن تحقيقها.. ويقول ثيوبالد "هذا الشكل المناسب لاتخاذ القرار، قد يجعل من الممكن "ادارة امور العالم"، ومن خلاله يمكن الوصول الي مستوي جديد من الكفاءة، تساعد علي تحقيقه المستويات العالية من التكنولوجيا حاليا". الكفاءة .. واتخاذ القرار يقول ثيوبالد ان هناك بديلا لنموذجي السلطة البنيوية، واليد الخفية.. ووجهة النظر الجديدة هذه، تفيد ان الناس عليهم ان يتخذوا القرارات في المجالات التي تكشف عن كفاءتهم، وان يحققوا الاتصال بين مجالات الكفاءة التي لا يوجد اتصال بينها، وان يعملوا معا، مجتمعين، خلال كامل عملية التفكير في اتخاذ القرار. وعادة ما تظهر ردود فعل مضادة، في مواجهة هذه الدعوة.. أولها، ان ما يقول به البعض من ان الاخذ بهذا سيقود الي عدم حدوث تغيير في المجتمع الحالي، اي ان تظل النخبة الحالية محتفظة بالسلطة.. رغم ان ثيوبالد يعتقد ان النخبة التي بيدها السلطة حاليا لا تعكس - بالضرورة - الكفاءة في المجال الذي تسيطر عليه.. وثاني ردود الفعل المضادة يصدر عن جماعات تؤمن بعدم وجود اختبارات يمكن بها تحديد الكفاءة بشكل دقيق.. ويرد علي هذا بان التجربة العملية في مواجهة المشاكل تكشف للجمهور مدي الكفاءة التي يتمتع بها القائد.. وان السر في صعوبة تولي اصحاب الكفاءات لمواقع صنع القرار، المقاومة التي يبديها عدم الاكفاءة الممسكين بالسلطة حاليا.. والاعتراض الثالث يصدر عن افراد يخافون من ان تولي الاكفاء للسلطة يجعل من الصعب تغييرهم، إذ استجد امر. الانتماء الي الحياة الجديدة تصبح مشاركة المواطنين في صناعة القرار ممكنة ومطلوبة، إذا كان بامكاننا ان نحل قيم ورؤي عصر الصناعة بقيم ورؤي عصر المعلومات والاتصالات.. وهو نفس ما حدث عند انتقالنا من عصر الزراعة الي عصر الصناعة. التحول السابق تم عبر اجيال، مع اختلاف رؤية كل جيل عن الذي سبقه، مما خلق نوعا من التوتر بين الاجيال.. المشكلة حاليا، هو انه ليس لدينا الوقت الكافي لانتظار حدوث التغيير عبر اجيال، وان كل واحد منا مطالب بان يعيد اختبار افكاره عن الحياة والنجاح، علي ضوء التغيرات العريضة التي تتعرض لها حضارتنا.. ويقول ثيوبالد "معظمنا يجد هذا الواجب شاقا بشكل غير عادي، لغياب النماذج التي نهتدي بها.. لكننا سنكتشف بعد قليل بان القيم المطلوب منا تبنيها اكثر انسانية، واكثر قبولا من التي يطلب منا التخلي عنها.. ومع ذلك لن يكون التغيير سهلا". السلطة الحكيمة ما نحتاجه، هو الفهم السليم للسلوك البشري.. فلا صحة للقول الذي يتردد كثيرا حول ان الناس يتصرفون بما يتفق مع مصالحهم، في لحظة اقدامهم علي التصرف.. فلم يثبت من التجارب العملية ان الناس عرفوا اين تقع مصلحتهم، او عرفوا التصرف الاسلم لبلوغ الهدف، او التزموا بهذا في تصرفهم، انهم قد يسعون الي هدف في وقت ما، ثم الي هدف آخر في الوقت التالي.. ويقول ثيوبالد "الحقيقة ببساطة هي ان الناس يختلف تعريفهم للنجاح، وان تعريف الفرد يتأسس وفقا لمداركه، ولماضيه، ولخبرته الشخصية، واحتمالاته الوراثية".. وهو يقول ان السعي لتغيير سلوك البشر يتضمن التالي: 1- مساعدتهم علي اعادة تقييم معني خبراتهم السابقة. 2- تمكينهم من اكتشاف رؤي المستقبل، التي ستغير اهدافهم، الي اتجاهات يرغبون فيها أكثر. 3- تعليمهم المهارات التي تساعد علي جعل اقوالهم وتصرفاتهم تيسر وصولهم الي الاهداف المنشودة.