تطرقنا في المقالة الأولي من هذه السلسلة لتعريف التنافسية ومراحلها وأهمية تعظيم القدرة التنافسية للدولة من خلال دعم الإنتاجية كبديل لا غني عنه. وقد يكون دعم الصادرات نشاطاً مكملاً لدعم جهود رفع الإنتاجية وليس بديلاً له، كما قد سردنا تبويباً لتطور وارتقاء الدول للوصول إلي مركز تنافسي أعلي مع وجود معامل ارتباط بين هذا المركز وتقدم الدول علي الصعيد التنموي. ونتناول في مقال اليوم المعايير الدولية المتعارف عليها لقياس تطور الدول في مجال التنافسية. (1) قياس التنافسية من أهم مؤشرات قياس التنافسية مؤشر قياس تنافسية الأعمال الذي يصدر عن المنتدي الاقتصادي العالمي، ويتم تبويب الدول طبقاً لهذا المعيار كما يلي: فمثلاً يتم تبويب الاقتصادات وفقاً للدخول في عدد 101 دولة "من خلال الحصول علي ردود من 70 منشأة لكل دولة كالآتي: (1) دول ذات دخل فردي متدن "أي تحت 4 آلاف دولار في السنة" و(2) دول متوسطة الدخل الفردي "تقع فيما بين 4 و17 ألف دولار في السنة"، و(3) دول ذات دخل فردي مرتفع "أعلي من 17 ألف دولار أمريكي في السنة"، وتكون هذه الدخول معدلة وفقاً للقوة الشرائية للدولار لكل دولة محل الدراسة. ويتميز مؤشر قياس تنافسية الأعمال بأنه يحتوي علي مكونين مهمين هما: التقييم النوعي والتقييم الكمي. أولاً: التقييم النوعي الذي يتضمن رؤي تقييمية شخصية في شأن رأس المال البشري علي سبيل المثال والذي يتم من خلال استقصاءات مستفيضة تتعلق بمستوي جودة التعليم العام والذي يُري ذا صلة قوية بمستوي الكفاءات الأساسية لدي الاقتصاد المضيف. وثانياً: التقييم الكمي وتندرج تحته موضوعات تتعلق بتكلفة الحصول علي العلامة التجارية، واستخدامات خدمات شبكة المعلومات الدولية ومدي انتشار شبكات وانتشار استخدام الهاتف الجوال... إلخ، وقد تكون نوعية هذه المعلومات أكثر توافراً مقارنة بمعلومات أخري تتعلق بالنشاط الاقتصادي للدولة محل الدراسة. كما أن معيار قياس التنافسية في مؤشر المنتدي الاقتصادي العالمي يأخذ في اعتباره اعتبارين مهمين: الأول يتعلق بنشاط المؤسسة واستراتيجيتها "علي سبل المثال، مدي تعقيد العملية الإنتاجية، وطبيعة الميزة التنافسية، والجهود والحملات الترويجية، والانتشار في الأسواق الخارجية، ومدي الاعتماد علي العلامة التجارية، وأساليب التحفيز المتبعة، ونقل التكنولوجيات الأجنبية... إلخ". أما الاعتبار الثاني فيتعلق بالبيئة المحلية الداعمة للأعمال، وينقسم هذا الاعتبار إلي أربع نقاط وهي: (1) وضع المدخلات "مثل البنية الأساسية والإدارية، والقوي البشرية، والتكنولوجيا، وأسواق المال"، و(2) الطلب. و(3) الصناعات الداعمة والمغذية والتي لها صلة بالمنتج في أية مرحلة، و(4) استراتيجية المنشأة وحجم المنافسة، وعلي كل حال فإن معايير القياس للاعتباريين السابقين تنقسم إلي 72 معياراً تفصيلياً لا تسمح لنا مساحة هذا المقال بإدراجها كاملة. (2) روافد التنافسية جري العرف علي مضاهاة المؤشرات الجزئية للاقتصاد خاصة التي تتعلق بالمنشآت ببعض المؤشرات الاقتصادية الكلية للتنمية مثل معدل الناتج القومي مثلاً، وقد توصل مؤشر تنافسية الأعمال لعام 2003 إلي أن هناك علاقة تبادلية ضعيفة فيما بين المؤشرات الاقتصادية علي المستوي الكلي مقارنة بمثيلتها علي المستوي الجزئي. فقد رؤي أن العوامل الاقتصادية الجزئية المتعلقة مباشرة بمناخ الأعمال هي الأقوي في التعبير عن أداء المنشآت في اقتصاد دولة ما. وقد تضمنت مؤشرات أداء الشركات متغيرات مثل تعقيد العملية الإنتاجية، الاستعداد لتفويض السلطات، ومدي الاعتماد علي العلامات التجارية وعقود الشراء، والقدرة علي الابداع والابتكار والتطوير، وأخيراً وليس آخراً دورية تدريب العمالة، فقد وجد أن هذه العوامل ذات علاقة طردية قوية مع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي القومي. ونناقش في مقالنا القادم المقياس الثالث لتطور الدول في مجال التنافسية خبير مالي واقتصادي