نعم لو كان الفقر رجلا لقتلناه جميعا.. ولكن الفقر الاخطر الذي يواجه الدول الفقيرة هو الفقر في "المعرفة" وتخلف البنية المعلوماتية التي تشكل القاعدة العلمية للمعرفة.. ودعنا نرتب الموضوع عزيزي رجل الاعمال. الأصل في المسألة ان تكون لدينا "قاعدة علمية" بمواصفات معينة. ومن خلال تلك القاعدة العلمية يمكن بناء نظام وقاعدة معلوماتية. ومن خلال عملية الابداع والتفكير الابتكاري يمكن تحويل القاعدة المعلوماتية الي قاعدة معرفية. ثلاثة حلقات مترابطة ومتصلة تشكل معالم هذا العصر وتعتبر هي الفارق الحاسم بين الدول الفقيرة والدول الغنية وتضع الحدود بين التخلف والتقدم وبين الاستقلال والتبعية.. فالاستقلال ليس مجرد اتخاذ القرار بشكل عشوائي دون توافر متطلبات سلامة ورشد هذا القرار وتلك هي اشكالية هذا العصر.. فقد تتخذ دولة ما قرارا بمعاداة دولة اخري او مقاطعتها او عدم التعامل معها بل وحتي الدخول معها في مواجهة عسكرية.. واتخاذ مثل هذا القرار كمظهر علي عملية الاستقلال وعدم التبعية قد يبدو امرا سهلا وميسورا.. وكم من دولة علي مدار التاريخ القديم والحديث اتخذت مثل تلك القرارات ونجح بعضها وحقق تقدما عظيما ولكن البعض الاخر دفع الثمن غاليا وجني من جرائه تخلفا مميتا.. والفرق في الحالتين بين النجاح والفشل والتقدم والتخلف يرجع الي مدي رشد هذا القرار بمعني توافر امكانيات وشروط سلامته ماذا لو ان متخذ القرار لم يكن لديه امكانية ومتطلبات تنفيذه في اطار ضوابطه.. هل يمكن ان ينجح مثل هذا القرار اذا لم يكن لدي متخذه امكانية ان يستغني عن التعامل مع الطرف الآخر او مقاطعته او مواجهته.. وما لم تتوافر تلك الامكانية فان مثل هذا القرار يعتبر قرارا "عشوائيا" يكلف متخذه ثمنا قد لايقدر عليه فيفقد معه حتي القدر من الاستقلالية التي كان ينعم بها قبل اتخاذ مثل هذا القرار.. ولدينا دول حولنا تراجعت وربما بشكل دراماتيكي عن مثل تلك القرارات فانقلبت من الشيء لنقيضه بشكل درامي حين استوعبت حقائق العصر ومفردات القوة فيه.. والمعني الذي نقصده هنا انه لكي تملك قرارك لابد ان تنتج طعامك.. فكيف تستقل عمن يعطيك الطعام.. وطعام هذا العصر لم يعد الطعام المادي من حبوب وبقول وغيرها ولكن الاهم قد اصبح "طعام المعرفة" وهذا عبر عنه البعض بقوله "لا تعطني سمكة ولكن عرفني كيف أصطاد".. انه مرة اخري "غذاء المعرفة" الذي يجب ان يتوافر لديك امكانيات طهوه.. وهذا يستلزم كما اتضح لنا ثلاثة قواعد أساسية هي علي النحو التالي: قاعدة علمية قاعدة معلوماتية قاعدة معرفية المثلث الخاوي هذا هو المثلث الذي تخلو منه ثقافة الفقر فيجعلها تندفع بعيدا عنه او تتوهم انها تستطيع ان تمضي في الحياة بدونه او تزعم انها تمتلكه وهي في الحقيقة فقيرة اليه.. ولديها ما نطلق عليه "المثلث الخاوي" حيث تسود قاعدة "غير علمية" وهي تعني وجود "تعليم وثقافة وتدريب" متخلف عن عصره وزمانه وفقر في المعلومات وتدهور في المستوي المعرفي.. والثروة في هذا العصر هي "ثروة المعرفة" فاقتصاد هذا العصر اصبح اقتصاد المعرفة.. والقوة في هذا العصر اصبحت قوة هذا الاقتصاد.. والتقدم اصبح مردودا له. تلك حقائق يشكل عدم ادراكها بالقدر الكافي والعمل بموجب هذا الادراك اهم واخطر خصائص ثقافة الفقر.. وتلك هي "مخاطر ثقافة الفقر" وهي تتجلي في التناقض الصارخ بين ما هو مطلوب وما هو قائم وموجود.. ودعنا نتأمل بموضوعية التناقضات التالية في ظل ثقافة الفقر. 1- لا توجد دولة فقيرة أو غنية، متقدمة أو متخلفة، لا يوجد فيها تعليم وبحث علمي ولكن القضية أي تعليم وأي بحث علمي هو الموجود والقائم؟ وهل هذا هو المطلوب لهذا العصر وهذا الزمان؟ ان مجرد وجود أبنية تعليمية وطلاب وأساتذة ومنهج ومجرد منح شهادات لا يعني اننا بصدد "تعليم حقيقي" مهما كان ما لدينا من عدد مدارس ومعاهد وجامعات ومراكز بحوث وغيرها ومهما بلغت اعداد الطلاب والباحثين والخريجين. القضية هنا في صناعة التقدم ليست في الكم فقط.. فتعليم بلا قاعدة علمية حقيقية تستوعب معطيات العصر وتصلح له هو اهدار وهو افقار وهو من معالم ثقافة الفقر وليس شيئا اخر.. لقد اعلن وزير التعليم قريبا ان 32% من التلاميذ في التعليم الابتدائي لا يستطيعون القراءة والكتابة وتلك كارثة.