رسموه فقالوا انه نيلسون مانديلا الأمم.. والرجل الواثق في ذاته الذي يضع الحلول لصراعات الدول بثبات مؤسسي، وانصاف قاضي.. ويصفه تيموني ويرث، رئيس منظمة الاممالمتحدة منصب شرفي! بانه يتمتع بسجايا قديس، وسمو الحائز علي جائزة نوبل للسلام.. وأنه أكثر من شغلوا المنصب استحقاقا للاحترام، منذ داج همرشولد! هذه الهالة التي احاطت بكوفي عنان، منذ توليه منصب سكرتير عام الأممالمتحدة في عام ،1997 تتبخر الآن بفعل غضب أمريكية جامحة تكاد تقتلعه من منصبه! انها عاصفة شبيهة بتلك التي شنتها مادلين أولبرايت، والكونجرس الامريكي، علي بطرس غالي قبل 7 سنوات، وانتهت بالامتناع عن ترشيحه للمنصب لفترة ثابتة! يقود العاصفة ضد القديس كوفي عنان، الرئيس بوش.. شخصيا، لسبب فينفس يعقوب سوف نجلوه تاليا.. وتحت قيادته السناتور الجمهوري نورم كولمان، رئيس اللجنة الفرعية الدائمة بمجلس الشيوخ.. اللجنة تحقق وتدقق في فضيحة الرشا العراقية التي صاحبت تطبيق برنامج النفط مقابل الغذاء العراقي.. اصابت الفضيحة شركات عالمية، ورؤوسا كبيرة.. من بينها "كوجو" ابن كوفي عنان نفسه! ورغم أن التحقيق جار في الفضيحة، ولم ينته الي اتهامات يقينية محددة، يقفز المحقق السناتور نورم كولمان كالجرادة الي نتيجة جائرة وهو يطالب كوفي عنان بالاستقالة من منصبه!. وينفي فريد إكهارد، المتحدث باسم السكرتير العام للأمم المتحدة، أي تفكير في استقالة كوفي عنان.. ويؤكد: "إنه عاقد العزم علي مواصلة عمله الدائم، علي امتداد الاشهر ال 25 المقبلة وهي ما تبقي له من فترة شغله للمنصب!" ورغم العنجهية الامريكية، فإن القراءة المدققة لميثاق الأممالمتحدة، تؤكد أنه لا يتضمن أي نص يجيز اقالة السكرتير العام من منصبه، والذي تختاره الجمعية العامة، بتوصية من الدول الاعضاء في مجلس الأمن! والمبادئ أن اعضاء الوفود الدولية بالأممالمتحدة، في حالة ذهول من الاعصار العارم الذي يسفح المنظمة وسكرتيرها العام.. وهم يشخصون هذه الهجمة علي انها رد انتقامي من جماعة المحافظين الجدد التي تعشش في البيت الأبيض، علي معارضة الأممالمتحدة للحرب في العراق.. هو إذا، ثأر سياسي! ريتشارد هولبروك، السفير الأمريكي لدي الأممالمتحدة في السنوات الأولي من عهد بيل كلينتون، يفسر ما وراء الاعصار: "مكمن الخطر ان الجماعة التي تتربص بالمنظمة الدولية لتدميرها أو تقزيم دورها، تلاقت نواياها مع المجموعة التي تستهدف فقط اصلاح الأممالمتحدة"! اختلط الحابل بالنابل.. والمفارقة أن تتزامن الهجمة الجائرة مع صدور تقرير غاية في الأهمية، يتوج جهود عنان علي مدي السنوات ال 7 الماضية، في اجراء اصلاح شامل للمنظمة الدولية! هلوسة عقلية! السكرتير العام الحائز علي جائزة نوبل للسلام، تتزاحم علي شاشة الكمبيوتر الخاص بسكرتارتيه الرسائل الالكترونية من جميع موظفي المنظمة.. فيها يصفون شلالات الاتهامات بأنها: "لا اساس لها.. وشيء من قبيل الهلوسة العقلية "hysterical"! ويجمعون علي موقف موحد: "نساند السكرتير العام في وضعه المتزن، المنصف للعدل والحقيقة".. والتوقيع 3170 اسما من موظفي المنظمة في نيويورك وفرعها في جنيف! ويضيف أحمد فوزي، المسئول بمكتب السكرتير العام، أن معظم الرسائل الالكترونية للعاملين بالمنظمة تجمع علي أن الاتهامات الأمريكية مدفوعة سياسيا بهدف تشويه سمعة المنظمة، وأن رد فعل كبار الموظفين ضعيف ومتقاعس.. والكل يتساءل: متي نرد الصاع صاعين؟! جون رجي، المساعد السابق للسكرتير العام للشئون الاستراتيجة، وأستاذ الشئون الدولية بجامعة هارفرد، يشخص حالة المنظمة: "لا أعرف منظمة أخري تنقصها الكفاءة inept في الدفاع المشروع عن نفسها مثل الاممالمتحدة.. وربما رجع ذلك الي تعدد الثقافات التي ينتمي اليها موظفو المنظمة، مما يجعلهم غير قادرين علي التحليق في سماوات ميديا الإعلام الأمريكي الشرس.. دفاعا عن صميم قضيتهم"! وصحيح تماما ان الإعلام الأمريكي ينهش الان في سيرة كوفي عنان، ويتهم ابنه كوجو بانه ظل يتقاضي أجراً من شركة كوتكنا لخدمات التفتيش السويسرية، والتي كانت تعمل في برنامج النفط مقابل الغذاء، حتي بعد التاريخ الذي اعلنت الأممالمتحدة انه قطع علاقته تماما بتلك الشركة.. ويعملوها الصغار! الدفع تحت المائدة! الخميس الماضي وفي ظهور للرئيس بوش بالمكتب البيضاوي بصحبة الرئيس النيجيري أوليوسيجن أوباسانجو.. حرص الرئيس الأمريكي علي ترديد حديث الفضيحة وكأنها حدث دولي جلل.. قال ينفخ في بوق، علي نحو مباغت: "من أجل سلامة الأممالمتحدة، من المهم ان تكشف المنظمة عن كل ما جري أثناء تنفيذ برنامج النفط من أجل الغذاء!