في اطار المساعي المستمرة والجهود الحثيثة التي تبذلها مصر علي الساحة الفلسطينية يتوجه وفد مصري رفيع المستوي في الايام القادمة الي رام الله واسرائيل.. يترأس الوفد عمر سليمان رئيس المخابرات العامة وأحمد أبو الغيط وزير الخارجية.. الزيارة تهدف الي تحريك عملية السلام وصولا الي انسحاب اسرائيلي كامل من غزة وفق الشروط التي تتمسك بها مصر ويتصدرها ان يكون الانسحاب جزءا من خريطة الطريقة وان يتزامن معه الانسحاب من الضفة وان توقف اسرائيل جميع اشكال العدوان وتوقف بناء جدار الفصل العنصري والاستيطان وان يتم الانسحاب بتنسيق مع السلطة الفلسطينية مع ضمان سيطرة فلسطينية / دولية علي الميناء والمطار والمعابر. صعوبة الموقف الزيارة مهمة تأتي قبيل انعقاد الدورة العامة الجديدة للجمعية العامة للامم المتحدة التي عادة ما تكون فرصة لعقد الكثير من اللقاءات بين وزير الخارجية المصري ونظرائه في العالم.. الواقع يقول ان مصر تدرك صعوبة الموقف الحالي وتعذر تحقيق تسوية في ضوء التطورات الحادثة علي الساحة ويتصدرها بدء العد التنازلي للانتخابات الامريكية في الثاني من نوفمبر القادم والوضع في العراق الذي تستغله اسرائيل كفرصة ذهبية لتحقيق كل اهدافها في المنطقة ولهذا رأيناها تطرح مشروعات للاستيطان تشمل بناء اكثر من الفي وحدة سكنية جديدة في الضفة الغربية وتمضي قدما في بناء جدار الفصل العنصري وتستمر في ممارساتها العدوانية ضد الفلسطينيين سواء عبر حملات القتل والاعتقال وتدمير البيوت. اللعب بالكلمات! ولاشك ان المسئولين في مصر يدركون حقيقة الموقف الحالي وصعوبته بسبب الدعم الامريكي الكامل لاسرائيل.. وعليه يجب علي مصر ألا تعول علي ما يسمي بالضمانات الامريكية او الوعود الاسرائيلية، فالدولتان تعملان معا لتطويق المنطقة واكثر ما يخشاه المرء المؤشرات التي بدأت تظهر ان مصر باتت مستهدفة. اما ما يحدث علي ارض الواقع فيشي بان ادارة بوش تلعب بالكلمات والوعود الزائفة ويكفي للدلالة علي ذلك ان دعوة بوش لقيام دولة فلسطينية والتي اطلقها في يونية 2002 تزامن معها بدء شارون في تنفيذ جدار الفصل العنصري الذي جاء لينسف منطوق الدولة من أساسه بل ان اسرائيل التي تدعي انها ستنسحب من غزة لاتوافق علي وقف اطلاق النار لان بوش ضمن لها العمل في غزة حتي بعد الانسحاب منها!! المبادرة المسمومة يحار المرء هل أرادت الدولتان استغلال مصر واستخدامها كمطية لتحقيق هدفهما المشترك حيث شرعت كل منهما في استغلال الطعم الذي يحفز مصر علي المضي قدما في الاضطلاع بدور ما في غزة الا وهو الحديث عن ثقل مصر ودورها الطليعي في المنطقة.. ان ما يجب الا يغيب عن مصر هو ان شارون قد يستغل انخراطها في قضية الانسحاب المزعوم من غزة ويتخذ من تحركاتها غطاء لمبادرته المسمومة التي تهدف في النهاية الي وأد المقاومة الفلسطينية واجهاض السلام. ولا أدل علي زيف دعاوي شارون من ان خطة انسحابه من غزة هي خطة هلامية ولا تعني شيئا علي ارض الواقع والا كيف يمكن ان يكون هناك انسحاب بينما يظل لاسرائيل السيطرة علي الاجواء والممرات والمياه؟ هذا فضلا عن ان خطة شارون تتحدث في بندها الحادي عشر علي ان تظل المناطق الصناعية في غزة تحت سيطرتها.. كما ان الخطة تعطي لاسرائيل الحق في ملاحقة كل من تنعته بالارهاب بل والحق في تصفية من تشاء من الكوادر الفلسطينية بدعوي حماية امن مواطنيها اما قمة المناورة فهي ان يصبح دخول مصر علي الخط في غزة بمثابة شرط وجوبي لانسحاب اسرائيل منها. المحاذير كثيرة؟ تظل هناك محاذير كثيرة تحيط بمصر فيما اذا ألقت بثقلها بالفعل ودخلت غزة، فلا ننسي ان هناك فصائل فلسطينية رفضت بالفعل المبادرة المصرية الي حد بلغ بفصيل فلسطيني وهو الجناح العسكري للجبهة الشعبية - ان يعلن بانه لا يمكنه منح ضمانات لمصر بعدم التعرض للضباط المصريين الذين سيصلون الي فلسطين من اجل التدريب - ويزيد علي ذلك عندما يهدد قائلا سيستهدف رصاصنا كل من يحاول النيل من المقاومة..! المطلوب من مصر الحذر في موقف لا تحسد عليه وفي ضوء صعوبة الاعتماد علي اية ضمانات تلوح بها اسرائيل او امريكا او حتي القيادة الفلسطينية نفسها، وما يخشاه المرء ان يسفر دخول مصر معترك غزة عن خلاف فلسطيني فلسطيني حاد. اما ما تراهن مصر عليه من خلال جهودها لتوحيد الفصائل الفلسطينية فيكاد يكون معدوما، ذلك ان محاولة توحيد الفصائل الفلسطينية لن تتمخض عنه أية نتائج تذكر.. اللهم الا اذا قلنا ان النتيجة الحتمية لذلك ستتمثل في النهاية في استهداف واضح للمقاومة والقضاء عليها وهو ما تريده اسرائيل ومن ورائها امريكا في الاساس. ان كل المؤشرات تدعو مصر الي الافلات بنفسها من المستنقع او بالاحري من الفخ الذي سبق للرئيس مبارك ان تحدث عنه وحذر منه عندما طرح شارون خطته حول الفصل الاحادي الجانب.