أحيا الفلسطينيون الأسبوع الماضي الذكري 46 لحرب عام 1967 (حرب الأيام الستة) التي احتلت بموجبها اسرائيل باقي الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزةوالقدسالشرقية، ولا تزال حتي الآن مسألة انتصار أي من الطرفين المتنازعين مستمرة، فالمرحلة الأولي من الحرب التي بدأت بهجوم اسرائيلي علي سلاح الجو المصري، وانتهت باحتلال شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة، تلخصت في انتصار عسكري لا شك فيه لإسرائيل . لكن يظل السؤال المفتوح هو: إذا لم تكن المرحلة الثانية التي لا تنتهي من الاحتلال ومحادثات السلام الفاشلة والاستيطان في الضفة الغربية ستؤدي إلي هزيمة اسرائيل في نهاية المطاف أو علي الأقل تحقيق مبدأ حل الدولتين الذي يطالب به المجتمع الدولي منذ مدة.. فما العمل؟ 46 عاما والمستوطنات التي تغرس عميقا في الضفة الغربية تعرقل نشوء دولة فلسطينية قابلة للحياة، وتوقف قطار المفاوضات من حين لآخر دون كلل أو ملل من اسرائيل التي تمعن في البناء الاستيطاني كلما سنحت لها الفرصة . من هنا ربما لم يكن بمقدور الفلسطينيين الذين لا يملكون أدوات القوة العسكرية سوي الانتظار، والبحث عن المزيد من المؤيدين والمتعاطفين مع قضيتهم عالميا ودوليا، وربما وجدوا مؤخرا طريقا ناجحا آخر لمكافحة اسرائيل بعد أن فهموا أنه لا يمكنهم أن يهزموا اسرائيل علي المستوي العسكري، إلا أنه يمكنهم أن ينتظروا إلي أن تهزم اسرائيل نفسها في المستقبل غير البعيد؛ بحكم عدم التوازن الديموغرافي، فعدد الفلسطينيين الذين يرزحون تحت حكم وسيطرة اسرائيل (عرب 48) سيكون مساويا لعدد اليهود، وعندها سيطالب الفلسطينيون ببساطة الحق في التصويت إلي أن تجد اسرائيل نفسها محاصرة بالاكثرية الفلسطينية وتنقلب المعادلة التي لم تستطع الطرق السياسية ولا الدبلوماسية حلها حتي الآن. اسرائيل الآن مشغولة ببناء المزيد من المستوطنات ومحاولة السيطرة علي أكبر قدر من الأراضي الفلسطينية لتغيير ملامح المدن والقري الفلسطينية ومحو الهوية العربية منها تمهيدا لتهويدها بالكامل، باستثناء قطاع غزة الذي قامت باخلائه عام 2005. والآن يحاول المتطرفون في اسرائيل سن قانون جديد يعطي الحق لشرعنة المستوطنات والذي يعرف باسم ?قانون التسوية? الذي يراد منه إضفاء الشرعية علي كل المباني الاستيطانية المقامة علي الأراضي الفلسطينية، وبالتالي الالتفاف علي قرارات المحكمة العليا في اسرائيل التي قررت مؤخرا اخلاء حي مهم قرب رام الله قبل نهاية الشهر الجاري، وذلك ردا علي القانون الذي يحاول اليمين المتطرف تمريره في الكنيست للتصديق عليه، وهو ما فرض حالة من الاحتقان والتوتر بين النواب المتمردين والمتطرفين المطالبين بتطبيق القانون وبين رئيس الحكومة نتنياهو الذي يرفض القانون؛ ليس حبا في الفلسطينيين ولكن لأن قانونا كهذا من شأنه أن يعرض اسرائيل إلي دعاوي قانونية أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي التي تعتبر الاستيطان جريمة حرب؛ فضلا عن الاضرار البالغة بسمعة اسرائيل وديمقراطيتها . لقد قضت المستوطنات الاسرائيلية علي حل الدولتين، غير أن انهيار حل الدولتين لا يعني القبول بحل الدولة الواحدة، فالفلسطينيون يقعون تحت وطأة نظام فصل عنصري شبيه بنظام الفصل العنصري البائد في جنوب افريقيا . الآن وبعد 46 عاما من الاحتلال بات المشهد علي نحو بائس: القدس محاطة بالجدار ومعزولة تماما عن باقي الأراضي المحتلة ومليئة بالمستوطنات، والخليل مقسمة إلي قسمين: قسم تنمو فيه التجمعات الاستيطانية، والأغوار التي تشكل 28% من مساحة الضفة الغربية مغلقة أمام الفلسطينيين، وقطاع غزة محاصر، والضفة الغربية مقسمة إلي مناطق أ، ب، ج، واسرائيل تسيطر علي الماء والسماء والأرض. انتهي حل الدولتين واسرائيل تعمل علي تقسيم الضفة الغربية إلي دولتين واحدة للمستوطنين والثانية للفلسطينيين، بعد انفصال قطاع غزة، وفقدان الأمل في عودة اللحمة الي شقي الوطن ذي الخريطة التائهة بين الصراعات الايديولوجية والعقائدية.