الفتنة فى مصر الآن ليست بين أقباط ومسلمين فهذا من باب تسطيح الأمور والهروب من تخيل المشهد الأكثر سوادًا وهو عمومية الفتنة بين كل طوائف المجتمع ومؤسساته وتياراته السياسية والاجتماعية، فنحن نعيش واقعا بالغ البؤس والتعاسة ومناخا مشحونًا بالحقد والكراهية وتصفية الحسابات من صناعة جماعات مشوهة نفسيا بسبب تراكمات تاريخية وعذابات تعرضوا لها فى ظل أنظمة سابقة لا ذنب للشعب فيها، وقد وجدوا الفرصة مواتية والدولة فى أضعف حالاتها عقب ثورة لا قائد لها ولا اتجاه، فكان الطمع والشره فى السلطة والحكم بالمغالبة لا بالمشاركة. ما يحدث الآن فتنة عامة وشاملة تضرب فى أوصال الوطن وتفتك بثوابته وأركانه، فنحن فى مواجهة مشروع إخوانى عالمى لا يعترف بحدود أو هوية مصرية.. مشروع يتخطى الرئىس والرئاسة مهما ادعى أنه رئىس لكل المصريين، فهو مجرد الأداة والذراع التى تبطش بالمعارضة والمعارضين وتنفذ ما اتفق عليه فى القبة العالية والكهنوت الأعظم. ما يحدث الآن من حرائق هنا وهناك ليس من صنع الثورة المضادة أو الدولة العميقة -كما يدعى الإخوان واتباعهم- وأما أخطاء النظام القاتلة فليست من أطهار يرتكبونها بحسن نية كما يدعى السيد وزير العدل، بل هى عن قصد وسبق إصرار، لقد وقع الشعب فى خديعة كبرى ربما بسبب الجهل والفقر وظن أن هؤلاء فعلا يحملون الخير لمصر، فاكتشف أنهم يحملون حقدًا وضغينة لكل مؤسسات الدولة، فهم من كسروا الشرطة فى أيام الثورة الأولى كما قال أحد قادتهم صبحى صالح، وهم من يكسرونها ثانية بوضعها فى مواجهة الشعب الغاضب من سلوك الرئاسة وفشل الحكومة، وهم يحدثون الفتنة والانقسام فى مؤسسة القضاء بالإصرار على بقاء نائب عام فاقد الشرعية، وهم يضعون الأزهر وشيخه الجليل فى مرمى نيرانهم، أما الجيش وقيادته فلا يسلم من تصريحات إخوانية بوتيرة متسارعة تشكك فى وطنيته وشجاعته وقدرته على الحسم. مشاهد الدم فى الخصوص والعباسية وقبلها فى المقطم والاتحادية وغيرها ليست هى كل الصورة ولا كل الحقيقة المرة التى نعيشها، وإنما الحقيقة هى عمومية الفتنة وتشابك المؤامرة وأن الأخطر لم يأت بعد ولا منقذ إلا أن يسترد الشعب وعيه ويستخرج من عمق مخزونه الحضارى ما يحفظ له وطنه ووحدة كيانه.