فوجئ بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي اتخذ قرارا بتبكير موعد الانتخابات بمحض إرادته بهدف تعزيز قوته السياسية، بنتائج الانتخابات التي أحدثت توازنا لم يكن متوقعا إلي هذا الحد، وكانت المفاجأة في إخفاق اليمين في تحقيق الأغلبية، وبذلك سيضطر نتنياهو الذي جازف بعد تحالفه مع ليبرمان انتخابيا أن يشرك حزبا وسطيا حتي يكون بمقدوره تشكيل الحكومة. وهناك ثلاثة سيناريوهات محتملة حددتها منظمة "مشروع إسرائيل" للائتلاف الإسرائيلي القادم والذي ستشكل الحكومة بناء عليها، السيناريو الأول: أن يتحالف بنيامين نتنياهو مع يائير لبيد رئيس حزب "هناك مستقبل" ونفتالي بينيت رئيس حزب "البيت اليهودي" من دون الأحزاب الدينية مشكلا حكومة وسطية تتألف من 67 مقعدا، لكن حكومة كهذه من الممكن أن تحقق تغييرا حقيقيا في المجتمع الإسرائيلي وخاصة أن القوي المتحدة علمانية ولن تكون عرضة لابتزاز الأحزاب الدينية، ولكنها قد تسبب حالة غليان لدي الأوساط الدينية وتشعل احتجاجا شعبيا كبيرا من طرفها. السيناريو الثاني: هو أن يلجأ نتنياهو إلي الأحزاب الدينية من دون لبيد ويشكل حكومة يمينية ضيقة تتألف من 60 مقعدا، إلا أن حكومة كهذه ستعاني من عجز في أداء مهماتها التشريعية، ولن تجلب الاستقرار في الحكم في وجه معارضة واسعة وقوية وستواجه عزلة عالمية بسبب طابعها الديني القومي، مع أنها ستحظي داخليا بتأييد الشارع اليميني. السيناريو الثالث: أن ينجح نتنياهو في إقامة حكومة تشمل لبيد والأحزاب الدينية وتتألف من 85 مقعداً، إلا أن حكومة من هذا النوع إن قامت ستحوي بداخلها عناصر متناقضة، وسرعان ما ستنشب حرب بين الأحزاب العلمانية والليبرالية الذين لا يخدمون في الجيش الاسرائيلي لانهماكهم في دراسة التوراة. غير أن بعض المراقبين يرون أن نتنياهو سيشكل حكومة مهزورة غير قادرة علي اتخاذ قرارات حاسمة، ومهددة بالانهيار في أية لحظة، فهناك استحقاقات مهمة وحاسمة أمام هذه الحكومة، ولن تكون تلك الحكومة الموسعة قادرة علي معالجتها، واتخاذ القرارات بشأنها، لذا سيحاول نتنياهو متابعة الاستيطان وسيوسع الشرخ القائم فيما بينه وبين السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وسيظهر الملف النووي الإيراني كملف أمريكي أكثر منه إسرائيلي مما سيزيد من حالة التآكل الاسرائيلي، ويجعل من تهديدات نتنياهو كلام فارغاً لا قيمة له. لكن لماذا كان فوز ائتلاف "ليكود بيتنا" ضعيف إلي هذا الحد؟ ربما يكون إحساس الجمهور الإسرائيلي الذي خرج بنسبة 70% إلي صناديق الاقتراع في ظاهرة غير مسبوقة لأنه شعر بالعزلة السياسية الشديدة التي فرضتها سياسة نتنياهو ليبرمان، فاستشعر بالخطر يتهدد مستقبل وجود إسرائيل، بالاضافة إلي وصف الرئيس باراك أوباما هو الآخر سياسة نتنياهو بالتدميرية، وثالثا مجازفة نتنياهو أو اعتماده أسلوباً فجاً في التعامل مع إدارة أوباما إلي الحد الذي انحاز فيه لصالح منافسه ميت رومني في الانتخابات الرئاسة الأخيرة، فضلا عن فشل حكومة نتنياهو في مواجهة المسعي الفلسطيني للأمم المتحدة وفشلها في تحقيق أهداف عدوانها الأخير علي القطاع، وفشل نتنياهو في معالجته الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الأخيرة. وأغلب الظن ستكون الحكومة الجديدة فيما يخص الملف الفلسطيني بين حكومة نتنياهو ليبرمان السابقة وحكومة أولمرت ليفني التي سبقتها، أي أنها لن تكون قوية لدرجة إغلاق المنافذ التفاوضية كما حدث خلال السنوات الثلاث الماضية وفي المقابل لن تصل لدرجة التوصل الي اتفاق لكنها وفي ظل ولاية ثانية لأوباما وحراك إقليمي مستمر، ستضطر الي تخفيف حدة التوتر، وهي بذلك لن يكون بمقدورها أن تواصل الضغط علي السلطة لدرجة الإقدام علي إسقاطها. ربما تكون نتائج الانتخابات الإسرائيلية جاءت أقل ضررا علي الجانب الفلسطيني الذي إذا ما نجح في إغلاق ملف الخلافات الداخلية المتثملة بالانقسام وأجبر العرب علي تقديم دعم سياسي ومالي لفلسطين فإن المعركة ستبقي قائمة وإن لم يربحها الفلسطينيون فإنهم لن يخسروها.