هناك علاقة بين قرار الرئيس مرسي بإنصاف عدد من خريجي كليات الحقوق والشريعة والقانون "الغلابة"، والذين تم تجاوزهم في تعيينات هيئة قضايا الدولة بالرغم من أنهم أوائل دفعاتهم، وبين تعليق أعضاء النيابة العامة لإضرابهم، وخفوت الأصوات المطالبة باستقالة النائب العام، وأيضا إختفاء المؤتمرات الصحفية شبه اليومية التي كان يعقدها نادي القضاة برئاسة المستشار الزند ورفاقه . الخريجون الذين تم تعينهم، أولاد ناس عاديين، وليسوا من أبناء القضاه أو أقاربهم، أي شباب "غلابة"، رسبوا في كشف الهيئة أثناء إجراءات قبولهم لأنهم لا يحملون "واسطة"، مثل توصية من كبار المسئولين في نظام مبارك البائد الذي تمت فيه تلك الإجراءات، أو كروت توصية من أصحاب نفوذ في الحزب الوطني المنحل من أجل قبولهم، وذلك في إطار "وطينة" الدولة، وانتشار المنتمين للحزب الوطني الحاكم سابقا في جميع مفاصل الدولة، خاصة القضاء، وذلك علي غرار مصطلح "أخونة" الدولة المنتشر حاليا . القرار الجمهوري الذي أصدره الرئيس مرسي مؤخرا، قرار كاشفا وليس منشئا، أي قام بتنفيذ حكما قضائيا، وأصدر قرارا رئاسيا بتعين هؤلاء الخريجيين وإنصافهم، ولكنه بداية لقواعد عامة تمنع الواسطة والمحسوبية وتعيد للشعب حقوقه، بحيث يكون التعليم والتفوق هو أساس الارتقاء الاجتماعي وليس المال والنفوذ والسلطة والإنتماء الشديد للحزب الحاكم أو لأي فصيل أو جماعة أو حركة سياسية، بل إن الدستور الحالي ينص علي المساواة صراحة في تولي الوظائف، وأن يكون القبول فيها وفقا للعلم والكفاءة والخبرة، وليس للمحسوبية والنفوذ والمال السلطة والمستوي الإجتماعي، بل يمكن لكل من تجاوزته التعينات رغم تفوقه، في أي من الوظائف الرفيعة، أن يقيم دعوي قضائية، يثبت فيها إنه تم تخطيه لصالح من هو أقل من كفاءة في الدرجات العلمية، وتم تعيينه لأنه "مسنود" من كبار. من غير المنطقي ولا المعقول أن يستمر التمييز في تولي الوظائف بين أبناء الوطن الواحد بعد ثورة 25 يناير، فيحصل أبناء الأكابر علي الوظائف العليا، ويعمل أبناء الغلابة المتفوقين من في وظائف لاتليق بهم، أو يجلسوا عاطلين في المقاهي والبيوت، ويقتلهم الاحباط واليأس والقهر، في الوقت الذي يرث فيه "الأبناء" مواقع "الآباء" في القضاء والخارجية والبنوك والجامعات خاصة كليات الطب - والإعلام الحكومي والمناصب المهمة.. ويتم السطو علي المناصب بالنفوذ والمال والمحسوبية، بل كان التوريث سيصل إلي رئاسة الجمهورية، ويرث "جيمي" والده مبارك، لولا قيام ثورة يناير المجيدة . لقد اكتشفنا بعد الثورة أن المحسوبية تحولت إلي قاعدة جعلت عائلات كاملة تسيطر علي المناصب المهمة في الدولة، خاصة القضاء والإعلام والخارجية والداخلية والبنوك، ولم توجد وظيفة يحصل عليها مواطن من دون واسطة أو مال.. بينما يتم حرمان غالبية المصريين "الغلابة" من حقوقهم بالرغم من تفوقهم، لأنهم ليس لهم "ظهرا" أو كانوا من "الأشرار" المعارضين لنظام مبارك . هناك الكثير من الشباب متوفق أصابه اليأس والإحباط، بسبب تخطيه في تولي الوظائف، أو عدم تمكنه من الحصول علي وظيفة تناسب مكانته العلمية وكفاءته، فمنهم من أدمن ومنهم من هاجر أو انتحر، مثلما حدث مع أحد خريجي كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الذي حرم من تولي وظيفة في السلك الدبلوماسي، رغم تفوقه الدراسي وإجتيازه الاختبارات بنجاح فائق، ولكن لأن والده "فلاح" تم حرمانه من الوظيفة المرموقة، وأعطيت لابن سفير، غير كفء، ودرجته العلمية متواضعة، ولم يحضر الاختبارت الخاصة بالوظيفة، ولكنها كانت محجوزة له وحصل عليها، لأنه ابن سفير، أما الآخرين فأولاد (.....). لقد كان سائدا في العهد السابق مبدأ "تولي الوظائف بالأموال" أيضا وكل وظيفة لها تسعيرتها، في القبول بكلية الشرطة وتولي وظيفة في النيابة العامة، أو في شركات البترول، أما أولاد الأساتذة في كليات الطب من خريجي تلك الكليات، فأماكنهم محجوزة في سلك التدريس، لأنهم يحصلون دائما علي امتياز، حتي ولم يحضروا الإمتحانات، وذلك طبقا لقاعدة عامة كانت سائدة هي "شيلني وأشيلك". قرارتعيين خريجي الحقوق الأوائل في السلك القضائي بعد حصولهم علي حكم قضائي تم تنفيذه بقرار جمهوري، لم يجعل أعضاء النيابة يعيدون حساباتهم ويعلقون الاضراب فقط، بل سيفتح الباب أمام العديد من خريجي الحقوق الأوائل للعودة إلي وظائف بالقضاء، خاصة أنهم رسبوا في "كشف الهيئة" أثناء إجراءات قبولهم، لأنهم أولاد بائعين أو فلاحين أو معارضين أو بوابين، و"اغتصب" أبناء الكبار حقوقهم في تولي تلك الوظائف المهمة، بل سيكون هناك مجالا لاكتشاف "الأسر القضائية" في مصر، وإصرار بعض القضاة علي معارضة النظام القائم، وإعلان العصيان، والعمل بالسياسة، فمن باب أولي أن يقوم القضاء بتطهير نفسه، وفتح الباب أما المستبعدين لتولي وظائف قضائية، واستبعاد من لا يستحق من تلك الوظائف، حتي ولو كانوا من أبناء القضاة، لأن ذلك تطبيقا "شفافا" للقانون، وإعادة للحقوق المغتصبة التي هي صلب العمل القضائي وبداية مبشرة، لكشف النقاب عن أولاد كبار أساتذة الجامعات والضباط والدبلوماسيين والمصرفيين والصحفيين، الذي إغتصبوا وظائف المتفوقيين من أبناء البسطاء من العمال والفلاحين والبائعين والبوابين .