* إذا كان بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي قد اعتبر خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي ألقاه أمام مؤتمر الدفاع عن القدس في جلسته الافتتاحية في العاصمة القطرية الدوحة، خطيراً من شخص يدعي أنه معني بالسلام علي حد قوله، فلماذا اعتبر الشيخ القرضاوي دعوة الرئيس عباس لزيارة القدس في نفس الخطاب أمراً محرماً ولا يجوز علي المسلمين من غير الفلسطينيين، أما كان من الأجدي إذاً بالشيخ القرضاوي إذا كان محباً للقدس وناصراً لها، أن يفتي لصالح هذه الدعوة، وهو الذي يعرف أن التطبيع أمر له تدبيرات وزيارات سياسية وترفيهية أحياناً لضواحي تل أبيب وحتي لمستوطناتها؟! لقد شن بنيامين نتنياهو علي الرئيس عباس هجوماً حاداً وخرج عن حدود اللياقة والكلمات الدبلوماسية فكان أقرب إلي الشتائم إذ قال: "إن محمود عباس يعلم علم اليقين أنه لا أساس لادعاءاته ولافتراءاته الكاذبة، كما في ذلك ادعاءاته العارية عن الصحة وعديمة المسئولية حول المسجد الأقصي، وتتوقع دولة إسرائيل ممن بدا أنه قد اعتنق خيار السلام أن يهيئ شعبه للسلام والتعايش وأن يوقف ترويج الأكاذيب والتحريض.. هكذا لا يصنع السلام"؟! هذا نص هجوم نتنياهو علي الرئيس عباس لمجرد أنه طالب العرب والمسلمين والمسيحيين بزيارة القدس دعماً لصمود أهلها رغم الاحتلال لأنها ضرورة، فهذا التحرك سيكون له تداعياته السياسية والمعنوية والاقتصادية والإنسانية، لأن القدس تخص الجميع وليس الفلسطينيين فقط وتمس العرب جميعاً، ولن يستطيع أحد من منع الوصول إليها وهذا ما سيعزز صمود مواطنيها ويسهم في حماية وترسيخ هوية وتاريخ وتراث المدينة المستهدفين بالاستئصال، وسيذكر المحتلين أن قضية القدس هي قضية كل عربي ومسلم ومسيحي، فهذه الزيارة لا تعتبر تطبيعا مع الاحتلال، وإنما زيارة السجين نصرة له ولا تعني بأي حال من الأحوال تطبيعاً مع السجان. لقد كان هناك خروج عن النص شهده المؤتمر الخاص بدعم القدس لم يكن مألوفاً في مثل هذه المناسبات حينما أشار الرئيس عباس مازحاً في معرض مطالبته بمساعدات لأهل القدس والفلسطينيين إلي حديث نبوي شريف عن إرسال الزيت للمساعدة وقال عباس سواء كان زيت زيتون أم زيت بترول، ولوحظ أن أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني قد عقب علي مزاح عباس في نهاية الجلسة وقال نرجع لموضوع التزييت وخاطب محافظ القدس في شأن المشار كة التي تحتاجها المدينة، أما فيما يتعلق بدعوة عباس للعرب والمسلمين بزيارة القدس فقد قال أمير قطر: إننا فكرنا منذ 15 عاماً أن نمشي إلي القدس، وطلع علينا الشيخ يوسف القرضاوي بفتوي وقال لا أحد يمشي إلي القدس إلا الفلسطينيون، ونطلب من الشيخ القرضاوي إن أمكن أن يطلع لهم بفتوي في شأن الذهاب إلي القدس!! كيف يكون هذا هو موقف العرب من زيارة القدس ودعم أهلها ونصرة عباداتها، في الوقت الذي استشعرت فيه إسرائيل بخطورة هذه الدعوة من الرئيس عباس، والتي هاجمها نتنياهو بشراسة معتبراً أنه قد آن الأوان لتتوقف القيادة الفلسطينية عن أفكار الماضي وتخريب الواقع، "أورشليم" القدس هي العاصمة الأبدية للشعب اليهودي منذ آلاف السنين، وستبقي أورشليم القدس تحت السيادة الإسرائيلية مفتوحة أمام أبناء جميع الأديان وفيها حرية العبادة الكاملة للجميع تحت رعاية إسرائيل؟! لم تطلب القيادة الفلسطينية في هذه الدعوة غير الزيارة للقدس والصلاة في المسجد الأقصي، ولم يكن الهدف من هذه الدعوة تنشيط السياحة مثلاً أو جلب زيارات ترفيهي أو فتح مشروعات اقتصادية أو غيرها، فكل ما طلبته القيادة الفلسطينية ألا يتم تحويل الفتاوي إلي حقل ألغام يحاصر سكان القدس. إن فتوي الشيخ القرضاوي تصب في مصلحة إسرائيل قلباً وقالباً، وهي تخالف القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، فضلاً عن أنها تقدم خدمة مجانية للاحتلال الإسرائيلي الذي يريد عزل المدينة المقدسة عن محيطها العربي والإسلامي، ولا يرغب برؤية أي وجود عربي أو إسلامي في القدس، ويضع كل العقبات والعراقيل أمام وصول الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين إلي مقدسات المدينة وفي ذات الوقت يعمل علي تكثيف الوجود اليهودي لتهويد المدينة المقدسة والاستيلاء علي مقدساتها. لقد رد وزير الأوقاف الفلسطيني علي فتوي القرضاوي رافضاً لها مستنداً إلي صحيح السنة النبوية معتبراً إياها فريضة شرعية وضرورة سياسية وحقا مشروعا لجميع المسلمين والمسيحيين بل واجبا مقدسا علي المسلمين مستشهداً بحديث الرسول الكريم "صلي الله عليه وسلم": "لا تشد الرحال إلا إلي ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، والمسجد الأقصي ومسجدي هذا". وأمر الرسول الكريم بزيارة الأقصي والصلاة فيه فقال: "إئتوه فصلوا فيه، فإن الصلاة فيه كألف صلاة في غيره، فمن لم يستطع أن يأتيه فليبعث بزيت يسرج فيه قناديله".