جاء خطاب الرئيس محمد مرسي في ذكري انتصارات أكتوبر ليحرك المياه الراكدة فيما يتعلق بملف قرض صندوق النقد الدولي والذي تسعي الحكومة المصرية للحصول عليه بقيمة 8.4 مليار دولار، فبعد حالة من الصخب الشديد عقب الاعلان عن تقدم الحكومة بطلب القرض حول مدي مشروعية الاقتراض سواء حلالا أم حراما وأيضا مدي الحاجة إليه وامكانية البحث عن بدائل أخري سادت حالة من الهدوء والترقب في الشارع المصري الأمر الذي أثار العديد من المخاوف وفتح المجال امام الشائعات التي قد ترقي إلي الحقائق غير المؤكدة في كثير من الاحيان خاصة فيما يتعلق بشروط القرض وما قد ينتج عنها من آثار سلبية متعلقة بتعويم الجنيه المصري، الأمر الذي قد يؤدي إلي حدوث آثار كارثية للاقتصاد القومي بدأت ملامحها خلال الفترة الماضية مع تزايد حالة التضخم وارتفاع الاسعار غير المبرر في كثير من الاحيان، هذا إلي جانب الاصلاحات الاقتصادية التي طالب بها الصندوق والتي علي أثرها سيتم خفض الدعم بجميع صوره وخاصة دعم الطاقة حيث أوشكت الحكومة المصرية علي الانتهاء من الصورة النهائية لهذا الملف والذي أشار له رئيس الجمهورية صراحة في خطابه الاخير دون الاشارة لآثاره السلبية المتمثلة في ارتفاع تكاليف المعيشة والانتاج والتصدير إلي جانب ارتفاع تكلفة الانتقالات.. واللافت للانتباه هنا وجود مؤشرات عديدة تؤكد قرب توقيع التعاقد بين الحكومة المصرية والصندوق منها الزيارات المتكررة لمسئولي صندوق النقد الدولي لمصر والتي تؤكد وجود تنسيق بين الطرفين مع الأخذ في الاعتبار أن شروط الصندوق منها ما هو معلن مثل القبول المجتمعي للقرض والذي تحقق بخطاب الرئيس الاخير والذي يمثل حاليا السلطة التشريعية بالاضافة إلي برنامج الاصلاح الاقتصادي والذي بدأت فيه الحكومة منذ توليها المسئولية أما الشرط الخفي وغير المعلن فيتمثل في خفض قيمة الجنيه المصري وهو شرط يستحيل تطبيقه ولهذا لم تشر إليه الحكومة من قريب أو بعيد لعدم إثارة الرأي العام ولكن بنظرة متفحصة سنجد أن هناك اتفاقا خفيا بين الطرفين يشير إلي انه إذا ما توافر الشركان المعلنان يمكن التغاضي وقتها عن الشرط الثالث خاصة أن أسباب رفضه قوية. وبداية يوضح د. أسامة عبدالخالق الخبير الاقتصادي أن الحكومة المصرية تحاول حاليا إقناع مسئولي صندوق النقد الدولي بقبول صفقة القرض الذي تقدمت مصر بطلبه بقيمة 8.4 مليار دولار بأقل الخسائر للاقتصاد القومي عن طريق التخفيف من الاشتراطات الحادة للصندوق، مضيفا أنه من المهم أن نشير إلي أن ما قاله الرئيس هو تأكيد للتوافق المجتمعي علي عقد الصفقة مع الصندوق حيث كان من ضمن اشتراطات الصندوق ضمان سداد القرض وفوائده وهو ما كان محل شك سابقا في ظل الخلاف علي مدي مشروعية الاقتراض سواء حلالا أم حراما أو مدي الحاجة إليه في ظل مناداة البعض بالبحث عن بدائل أخري وبالتالي الصفقة تم حسمها بخطاب رئيس الدولة بالقبول المجتمعي لهذا القرض وهذا ما يعد وفاء لأول وأحد أهم الشروط التي شرطها الصندوق. ويضيف عبدالخالق أن هناك شرطين آخرين للصندوق الأول خاص بخفض قيمة الجنيه المصري وهوالشرط الذي يستحيل تطبيقه لأنه يؤدي إلي حدوث كارثة للاقتصاد القومي حيث سيؤدي إلي حدوث تضخم جامح وارتفاع تكلفة الاستيراد وتكلفة الانتاج وتكلفة التصدير وعدم القدرة علي المنافسة وانخفاض القيمة الحالية للأجور مما سيزيد من المطالب الفئوية وبالتالي هو شرط لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال ولهذا الحكومة لا تشير لهذا الشرط من قريب أو بعيد لعدم إثارة البلبلة أو الإيحاء بخضوعه للمناقشة، أما الشرط الآخر وهو الاكثر قبولا وتطبيقا فهو تقديم الحكومة المصرية برنامجا للاصلاح الاقتصادي يتضمن بالدرجة الأولي خفض الدعم بجميع صوره وخاصة دعم الطاقة والذي يصل لنحو 100 مليار جنيه والحكومة علي وشك الانتهاء من الصورة النهائية له وأشار إليه رئيس الدولة صراحة في خطابه الأخير بالرغم مما لهذا من آثار علي ارتفاع تكاليف المعيشة والانتاج والتصدير وحدوث موجة من الاضطرابات لما لهذه الخطوة من اثار علي ارتفاع تكلفة الانتقالات وما شهدناه مؤخرا من حدوث شلل عام بالعاصمة من بعض سائقي الاجرة بدافع ارتفاع تكلفة الوقود رغم ان الارتفاعات الحقيقية قادمة لا محالة، وأشار إلي أن هذا الشرط سيكون له تأثير سلبي علي الاقتصاد ويكاد يعادل في أثره مشكلات تعويم الجنيه لأن رفع الدعم خاصة دعم الطاقة يعني بطريقة أو بأخري تخفيض قيمة الجنيه المصري لأن جميع عناصر التكاليف في مصر سوف ترتفع خاصة أن الوقود من السلع القائدة لعجلة التضخم، حيث إن رفع أسعار الكهرباء والغاز يعني أن كل السلع والخدمات التي تدخل في انتاجها عناصر الطاقة سترتفع بالكامل وبالتالي سوف تحدث موجة جديدة من التضخم في البلاد والتضخم هنا يعني انخفاض قيمة الجنيه المصري ولهذا فبإنتهاء الشرط الثالث من المتوقع عقد صفقة القرض مع الصندوق. ويؤكد عبدالخالق أن هناك بدائل عديدة يمكن أن نستعيض بها عن القرض ولكن لأسباب غير مرئية وغير معلنة الحكومة لا تريد اتخاذ خطوات فعلية من شأنها توفير موارد جديدة للدولة ومنها علي سبيل المثال الغاز الطبيعي والذي يتم تصديره لتركيا والأردن وإسبانيا بربع القيمة حيث يتم بيعه لهذه الدول ب 5.1 دولار، في حين أن سعره العالمي يتراوح ما 6 إلي 8 دولارات، مؤكدا انه لو تم اتخاذ قرار ببيع الغاز المصري بالسعر العالمي سوف يزيد العائد الحالي بنسبة 400% وأيضا يمكن توفير حصيلة مقدارها 100 مليار جنيه سنويا من قناة السويس فقط إذا تم تحويلها إلي منطقة حرة ومنطقة خدمات متكاملة تمثل جذبا هائلا للاستثمارات الخاصة ومشروعات ال P.O.T