استقلال القرار صداع في رأس "الحمار والفيل" الأمريكي! د. بدر الدين: المصالح موجودة.. والاختلاف لا يعني تدهور العلاقات د. مصطفي علوي: التوتر زائف.. وحملة منظمة من القاعدة لوقف التعاون د. طارق فهمي: الخطر أكبر علي مصر وليس أمريكا.. والتعاون سيستمر د. جهاد عودة: الأمور طبيعية.. والتوتر يزيد مع بوادر استقلال القرار اجتاحت العالم العربي والإسلامي في الفترة الماضية موجة من الاحتجاجات القوية ردا علي نشر الفيلم المسيء للرسول صلي الله عليه وسلم وصل بعضها إلي حد انتهاك المواثيق الدولية، كما حدث في ليبيا من مقتل للسفير الليبي والتعدي علي السفارات الأمريكية، ومظاهرات غير سلمية في كثير من الدول وسقط فيها العديد من الضحايا. ويبدو أن هذا السيناريو هو نفسه الذي تكرر من قبل عندما تم نشر الأيات الشيطانية والصور الدانماركية المسيئة للرسول صلي الله عليه وسلم ولكن الأحداث هذه المرة كانت مختلفة لأنها جاءت عقب ثورات الربيع العربي، ويظهر هنا وبقوة سيناريو دفع العالم العربي إلي الغضب وعدم السيطرة علي تصرفاته وأخل بتوازنه وعمل انقسامات داخلية وبصفة خاصة في مصر حيث إن وراء هذا الفيلم من هو من أصل مصري قبطي. الخبراء انقسموا في ردود أفعالهم حول ما حدث من خلال وجهتي نظر لا يمكن انكار إحداهما: الأولي أن ما حدث كان الغرض منه ضرب العلاقات بين دول العالم العربي وأمريكا أن هناك يداً في ذلك لتنظيم القاعدة للانتقام من أمريكا خارج أراضيها خاصة أنه منذ أحداث 11 سبتمبر لم يقع أي حادث إرهابي داخل الأراضي الأمريكية، والثانية أن كل هذا السيناريو من الممكن ألا يكون المقصود به العرب وأنه مجرد لعبة سياسة قذرة تمت صناعته من داخل أمريكا نفسها بين "الفيل والحمار" الأمريكي خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية وقيام الحزب الجمهوري بكل ما هو متاح وغير متاح لازالة أوباما وسياسته والحزب الديمقراطي من طريقه. وحول الأحداث الأخيرة والعلاقات العربية الأمريكية وبصفة خاصة المصرية استطلع "العالم اليوم" آراء الخبراء. في البداية يستبعد الدكتور إكرام بدر الدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن يكون هذا المخطط قد أثير ضد أوباما لابعاده عن الانتخابات ويصف ذلك بأنه احتمال ضعيف والدليل أن هذه ليست أول مرة تحدت فيها مثل هذه الأمور سواء الفيلم أو الآيات الشيطانية التي تم نشرها أو الصور الدانماركية المسيئة للرسول صلي الله عليه وسلم، فقد تم تكرار هذا الأمر علي مدي الأعوام الماضية وبالتالي درجة المصداقية حول هذا الاحتمال ضعيفة. تبادل المصالح ويري بدر الدين أن العلاقات المصرية الأمريكية ستظل قائمة علي الرغم من التوتر الموجود علي الساحة حاليا؛ حيث إن هذه العلاقات تحقق مصلحة متبادلة للدولتين ولكن ربما لن تكون بنفس الدرجة من القوة التي كانت عليها من قبل حيث من المتوقع ألا تكون مصر في عهد الجمهورية الثانية بنفس درجة التبعية التي كانت عليها من قبل في العقود السابقة حيث سيكون هناك نوع من الاستقلالية في القرار المصري، بمعني أنه ليس من الضروري أن يحدث تطابق في جميع المواقف بين مصر والولاياتالمتحدةالأمريكية دون أن يعني ذلك تدهور العلاقات أو قطعها حيث إنه ستظل العلاقات المصرية الأمريكية ولكنها ليست بنفس الصورة القديمة إذ إن المصالح المتبادلة بين البلدين لا تزال قائمة والسياسة هي عملية مصالح متبادلة مع الاشارة إلي أن موضوع تحذير أمريكا لرعاياها في مصر قد تكرر من قبل أكثر من مرة في دول الربيع العربي. وأشار إلي أن كل هذه الاحتجاجات التي اجتاحت العالم إنما هي تعبير من العالم الإسلامي والعربي عن استيائهم تجاه الفيلم المسيء للرسول وأن رفع اعلام تنظيم القاعدة وصور بن لادن أمام السفارات الأمريكية قد لا يحمل بالمعني الحرفي بأن يكون هؤلاء الاشخاص منتمين لتنظيم القاعدة أو غيرها ولكنه نوع من الاحتجاج علي ما تم مع التنبيه علي عدم ضرورة الاحتجاج بالعنف رافضا ما حدث في ليبيا من قتل للسفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز، وقالت إن ما حدث يخالف كل المواثيق الدولية واتفاقية فيينا حيث إن هناك حصانة دبلوماسية للأشخاص في الهيئات الدبلوماسية المختلفة فيجب ألا يحدث رد فعل غير محسوب لأنه سيؤدي لنتائج سلبية للغاية. وأكد الدكتور مصطفي علوي رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة أنه منذ أحداث 11 سبتمبر والعلاقات الأمريكية العربية في تدهور علي الرغم من وجود تعاون اقتصادي وتجاري وأحيانا عسكري مع بعض الدول العربية وتعاني منذ أزمة ما تظهر حينا وتختفي حينا آخر، فالعلاقة بين الطرفين ليست علاقة صافية وخالصة منذ أحداث سبتمبر ولذلك ليس من الضروري أن تكون قصة ظهور الفيلم مدبرة من طرف معين خاصة الشكوك التي دارت حول الحزب الجمهوري بأن يكون هو وراء هذه الأحداث لاثبات فشل سياسة أوباما فعلي الرغم من أنه ليس هناك شيء مستحيل فإن هذا الاحتمال ضعيف خاصة أن الشخص وراء هذا الفيلم هو قبطي مصري. ونفي أن يكون هناك توتر للعلاقات المصرية الأمريكية خاصة مع الزيارة الحالية للرئيس مرسي للأمم المتحدة لالقاء كلمة بمقره وسوف يكون هناك لقاء ما بين الرئيس مرسي والرئيس أوباما، فسياسة مصر في الوقت الحالي واضحة بأن تنفتح علي جميع الدول الكبري وليست أمريكا فقط وبالتالي فإن وجود رفض أمريكي لزيارة الرئيس مرسي للصين أولا وتجاهله لأمريكا لا يعني لمصر أي شيء في الوقت الحالي ولا يعني ذلك أن تكون علاقة مصر مع دولة علي حساب دولة أخري فمصر لها مصلحة في تحسين وتطوير علاقاتها مع كل الدول الكبري سواء أمريكا أو الصين أو اليابان وحتي القوي الصاعدة كالهند والبرازيل. وأشار إلي أن هناك حركة شبه منظمة من جماعة تنظيم القاعدة للتأثير علي العلاقات العربية الأمريكية حيث تم رفع أعلام التنظيم في عدة دول وليست دولة واحدة في الوقت نفسه وقد يعيدنا هذا إلي تذكر ما حدث في افغانستان عندما قامت الولاياتالمتحدةالأمريكية بدخولها عقب أحداث سبتمبر وهي المقر الرئيسي لجماعة تنظيم القاعدة وكان الهدف الرئيسي لأمريكا هو ازاحة طالبان من القاعدة والقضاء علي التنظيم وكان رد فعل القاعدة علي ذلك أنها قامت بنشر كوادرها في مركزين رئيسيين هما قاعدة الجزيرة العربية وقاعدة بلاد المغرب العربي ويجب أن ندرك أنه ربما تكون بعض الأجواء السلبية التي خلفتها ثورات الربيع العربي وجود عناصر للقاعدة في أماكن حساسة وصعبة في التضاريس مثل ليبيا واليمن وقد تكون هناك صلة بينهم وبين الجماعات الجهادية الموجودة في سيناء. وأكد علي ضرورة وجود خطة زمنية للتخلي عن المعونات ليست فقط الأمريكية ولكن الدولية كلها ولا بد أن نتعلم من تركيا، فبعد أن كانت دولة عادية أصبح اقتصادها رقم 16 علي مستوي العالم وعلي الجانب الآخر تدرك الولاياتالمتحدةالأمريكية جيدا أن العلاقة مع مصر علاقة مصلحة متبادلة بين الطرفين ولا يمكن أن تقطع المعونة تماما وإلا سيكون تأثير ذلك علي العلاقات تأثيرا سلبيا قد لا ترغبه الولاياتالمتحدة خاصة في ظل إعلانها عن تأييدها لثورات الربيع العربي والقوي السياسية التي صعدت للحكم. توظيف سياسي ولفت الدكتور طارق فهمي خبير سياسي في مركز دراسات الشرق الأوسط إلي أنه من المستبعد أن يكون إعداد الفيلم وكل ما جري في الأحداث الأخيرة لعبة داخلية خاصة بالولاياتالمتحدةالأمريكية فليس بهذه الصورة يفكر الأمريكان علي الرغم أن لعبة السياسة لعبة قذرة فكل الوسائل متاحة للحصول علي الأهداف ولكن من المستبعد أن تكون حملة ميت رومني الانتخابية وراء ذلك إلا أنها قامت بتوظيف الحدث جيدا واتهمت أوباما بأنه هاو ولم يمارس السياسة وكان من المفترض أن يكون قويا في وجه العالم العربي، مشيرا إلي أن هناك ظروفاً تخدم رئيسا أمام رئيس اخر في توقيتات معينة لها دلالتها.. ففي أزمة احتجاز الرهائن في سفارة طهران تم الاطاحة بالرئيس كارتر وفي انتخابات 2003 عند دخول العراق تمت الاطاحة ببوش. وأوضح أن الأمر الآخر المهم هو: هل الرئيس أوباما حقق للعرب انجازات، خاصة أنه جاء وسط تهليل عربي غير مسبوق وكانت الوعود والأمنيات كثيرة عليه إلا أننا نستطيع أن نقول إنه لم ينجز للعرب أي شيء، فالمحادثات الفلسطينية الاسرائيلية لم يتم الوصول لحل فيها كما أن العراق لا يزال بصورة أو بأخري متضررا من الغزو الأمريكي له علي الرغم من الاتفاقية التي تم ابرامها مع دول الخليج كما أنه تحدث عن أمن أمريكا ولكنه تناسي أمن العرب والمسلمين ولن يبكي عليه إذا رحل أي عربي. وأشار إلي أنه ستكون هناك مراجعة للعلاقات العربية الأمريكية سواء ظل أوباما في الحكم أو رحل وبالنسبة لمصر هناك تراجع في العلاقات المصرية الأمريكية ولكن أمريكا حريصة علي عدم قطع هذه العلاقة حيث إن مصر تحتل مكانة متقدمة في الاستراتيجية الأمريكية كل عام وقد أصدر الكونجرس في نوفمبر 1998 قرارا بأن مصر دولة تتمتع بكل مزايا الحليف والدولة غير العضو في حلف الناتو، وحتي هذه اللحظة هي متمسكة بالشراكة المصرية وهناك العديد من القضايا التي تعزز هذه الشراكة سواء في حل القضايا الاقليمية كالوضع السوري وتواصل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية كما ستتم مناقشة إقامة منطقة تجارة حرة بين مصر وأمريكا ومناقشة بدائل للمعونة الأمريكية وتقليصها، وبالتالي هناك تصورات بأن هناك العديد من الأمور التي ستتغير في مجري العلاقات بين البلدين، موضحا أن ما حدث في محيط السفارة الأمريكية عقب الأحداث الماضية قد تم اتخاذ قرارات حازمة تجاهه ولم يتكرر التعرض للسفارة. وأشار إلي أن الاراء التي تقول إن مصر ليست في حاجة لأمريكا غير سليمة حيث إن مصر تحتاج إلي الدور الأمريكي في حفظ السلام مع إسرائيل ومعاهدة كامب ديفيد وتحتاج إلي دعمها في نشر قوات حفظ السلام في سيناء للقضاء علي الخلايا الارهابية ونحتاج أن يتم التعامل مع مصر كدولة حليف ضمن منظومتها الاستراتيجية.. وأكد أن رفع أعلام تنظيم القاعدة في محيط السفارة الأمريكية في مصر يشير إلي أن هناك خطرا علي مصر وليس علي أمريكا فرفع العلم في ذكري 11 سبتمبر في قلب أكبر عاصمة عربية يحمل رسالة مهمة جدا لا تسعي فقط لتوتر العلاقات مع أمريكا ولكن تسعي أيضا لنقل رسالة للأمريكان أن هذه هي مصر فمصر ليست جماعة الاخوان فقط ولكن أصبحت هناك تيارات عديدة وأن مصر تتغير وربما للأسوأ وبالتالي لابد من ضبط الأمور مع هذه الدولة موضحا أن هناك بعض التنظيمات الفرعية التي تتبع القاعدة في سيناء والتي كان لها دور كبير في الأحداث الأخيرة إلا أنه علي المستوي الداخلي يلعب الجيش المصري دورا كبيرا في السيطرة علي الأراضي المصرية وذلك بإشادة الغرب حيث قالوا إن الجيوش العربية انتهي دورها باستثناء الجيش المصري. زيادة التوتر وفيما أكد الدكتور جهاد عودة الخبيرالسياسي رفضه لرد الفعل الذي ترتب علي الفيلم المسيء من هجوم علي السفارات وحرقها وهجوم علي الأشخاص باعتبار أنه لا ينبغي التطاول علي الأديان أو علي الأشخاص المدنيين دعا إلي ضرورة وجود سياسة متزنة تعقب هذا الحدث وهو ما لم يتم وقال إن التحقيقات هي التي ستثبت من الذي وراء هذه الأحداث، مشيرا إلي أن التوتر بين مصر وأمريكا موجود من قبل وقد زاد نتيجة لبعض السياسات المصرية التي يبدو عليها الاستقلالية في القرارات وبالتالي فهي تسبب الازعاج لبعض القوي الاقليمية كأمريكا رافضا فكرة البحث عن وجود بديل لأمريكا لأنه تفكير يعيدنا إلي الحروب الباردة وهذا غير موجود في العلاقات الدولية حاليا.. جميع الدول مترابطة ومتداخلة مع بعضها البعض اقتصاديا وسياسيا عبر العالم فبالتالي لا بد أن تقوم مصر بإصلاح علاقاتها مع كل الدول حول العالم. شيماء عصام