لم يكن "الأخضر الابراهيمي" مبعوث الجامعة العربية والأمم المتحدة إلي سوريا يتحدث من فراغ عندما أعرب عن قلقه من حجم المسئولية الملقاة علي عاتقه، فلاشك أن مهمته في سوريا تعترضها عقبات جمة ولعله أفصح صراحة عنها عندما دعا المعارضة السورية إلي ادراك خطورة الوضع في البلاد وحذرها من أن التدخل العسكري الذي طالما دعت إليه يعني فشل العملية السياسية، وأنه يتعين أن تدرك المعارضة أن الوضع خطير وأن المصلحة ليست مصلحة أفراد أو جماعات، بل مصلحة الشعب السوري كله. ولا شك أن الجميع يتفهم القلق الذي أعرب عنه "الإبراهيمي" في ظل غياب التوافق الدولي لمساعدة سوريا من الخروج من الأزمة التي تمر وتكاد أن تعصف بالبلاد، فالإبراهيمي ينظر إلي التجارب السابقة للمبعوثين في ظل مناخ ملئ بالمتناقضات، فعلي حين رأينا معارضة الداخل حريصة علي الحفاظ علي وحدة الدولة وستقرارها ومن ثم ظلت سلمية تطالب الدولة بالإصلاحات كحق مشروع للمواطن السوري وتقف ضد التدخل الخارجي، فلقد رأينا علي الجانب الآخر معارضة الخارج تتماهي مع الغرب ومع من تحالف معه من دول المنطقة وتعمل جاهدة علي تنفيذ مخطط المؤامرة الذي يستهدف استئصال الدولة وهي مؤامرة حيكت فصولها بالتنسيق الأمريكي الإسرائيلي لتصب النتائج في صالح الكيان الصهيوني. والحديث عن المؤامرة لا يأتي عفو الخاطر ولكن تؤكده الأحداث بالأدلة والوقائع، فهو ليس كلاما مجردا، وإنما هناك أدلة سياسية وأمنية واستخباراتية تؤكد ذلك، فالغرب يدعو إلي التدخل الخارجي وتدعمه دول في المنطقة بالتمويل والتسليح والاستضافات والتدريب والغريب أن هذه الدول تدعي رغبتها في اطفاء الحرائق بينما هي تعمل في الحقيقة علي إذكاء النار وإشعال المواقف. ولعل روسيا هنا هي أكثر الدول التي اتسمت مواقفها حيال الأزمة السورية بالعقلانية والحيادية ولقد رأينا "لافروف" وزير خارجيتها وقد وضع النقاط علي الحروف عندما دعا الجميع في سوريا إلي وقف أعمال العنف وقال "من السذاجة أن يطرح الغرب فكرة سحب النظام لقواته وآلياته العسكرية من المدن أولا كشرط لمطالبة المعارضة فيما بعد بوقف القتال، فهذه خطة غير قابلة للتنفيذ ذلك أن من يصر علي استمرار نشاط المعارضة المسلحة إلي أن يتم هروب الحكومة أو استسلامها لا ينطلق من مصالح الشعب السوري، وإنما ينطلق من حسابات جيو سياسية". ما كان يمكن للسيد "الابراهيمي" إلا أن يقر بالحقيقة، فالوضع غاية في الصعوبة وتزداد وطأته مع ازدياد العوامل التي حشرته في دائرة الاستعصاء. الأزمة في سوريا ازدادت تعقيدا بفضل التدخلات الخارجية لاسيما من جانب المعسكر الداعم للمعارضة والذي لم يدفعها نحو الدخول في حوار مع النظام السوري، وإنما علي العكس شجعها علي رفض الحوار وسارع بمدها بالدعم المالي واللوجيستي فضلا عن دعمها بالسلاح ولقد جري ذلك بتنسيق كبير بين دولة المركز التي تقود المسيرة وهي الولاياتالمتحدة وبين الدول الغربية كبريطانيا وفرنسا ودول أخري إقليمية كتركيا والسعودية وقطر الأمر الذي زادت معه الأمور تعقيدا. الوضع علي الأرض كان أفضل خلال مهمة "كوفي أنان" عما هي عليه الآن، فلقد زادت الأمور تعقيدا اليوم وزاد التوجه إلي عسكرة الأزمة بدلا من حلها سياسيا وعبر الحوار كما زادت لغة الاستقواء بالخارج وزادت أعداد المرتزقة الذين توافدوا علي سوريا من أكثر من دولة وانضموا إلي جبهة المعارضة المسلحة في استماتة لاسقاط النظام عنوة. المنطق يقول إننا لا يمكن أن نطالب النظام بسحب آلياته من المدن ووقف القتال وترك الساحة للجماعات المسلحة وبينهم ارهابيون قتلة قاموا بعمليات تفجير وتدمير للبنية التحتية ولابد أولا من وقف العنف ولابد من السعي لحل الأزمة سياسيا من خلال مبادرات ايجابية وليس بخاف أن أطرافا دولية لا تريد الحل السياسي وإنما تسعي إلي اشعال المواقف ومن ثم ستحاول هذه الأطراف افشال مهمة "الابراهيمي" كما فعلت مع سلفه "أنان" فهي لا تريد حلا سلميا لأنها تدرك أن هذا الحل سيكون في مصلحة النظام. والآن إذا أردنا السلامة فإنه يتعين علي جميع الاطراف استغلال مهمة "الابراهيمي" للخروج من حالة الاستعصاء الراهنة واجهاض المؤامرة التي تقودها أمريكا ومن خلفها إسرائيل الأمر جد خطير لأنه فيما إذا فشلت مهمة "الابراهيمي" سيكون هذا معناه الدخول في حومة حرب شرسة لا تبقي ولا تذر لاسيما مع استمرار الدعم بالمال والسلاح والتدريب من قبل الدول التي تقود المعمعة من أجل تفعيل مشروع الشرق الأوسط الجديد علي أرض الواقع وتحقيق مخطط "سايكس بيكو" من جديد.