يبدو أن الحكومة وعلي مدار النصف الأول من العام قامت بأدوار إغراء كبيرة حتي تستقطب القطاع المصرفي ليقع في شباكها مستغلة التوترات السياسية والاقتصادية والأزمات التي ضربت الموازنة العامة للدولة لكن الحكومة استطاعت أن تصور تمويل عجز الموازنة العامة خلال الفترة الماضية وكأنه "مهمة وطنية" وجعلت الولوج في غياهبها كدور الجندي المجهول فالأمر لم يعد من التكهنات فمنذ اعتراف وزير المالية السابق الدكتور حازم الببلاوي بأن الحكومة أغرت البنوك لشراء أذون الخزانة والسندات وقد سلمت البنوك ساقيها لريح أذون الخزانة والسندات مما أسهم في تعظيم أرباحها وتقليل الفجوات التي تركها غياب التمويل بسبب عدم الاستقرار السياسي سواء علي مستوي الشركات مع انعدام شهية المستثمر الأجنبي أو علي مستوي قطاع التجزئة المصرفية الذي واجه تشنجا ائتمانيا كبيرا رغم خطواته علي استحياء التي يقوم بها بغية التخلص من أعراضه. الصورة لا يمكن أن تختزل الآن في الاحتفال بارتفاع عوائد البنوك ولا يمكن أن ينتهي الأمر بإطلاق تهليلات وتكبيرات العيد ابتهاجا بتعافي القطاع المصرفي وقرع الطبول امتنانا للقيادات الحكيمة للبنوك التي عبرت بها بر الأمان لكن السؤال هل تنتهي المهمة الوطنية للبنوك أم تستمر لفترات أطول؟ وهل يتحول قرع طبول الفرحة والانتشاء إلي قرع طبول حرب اقتصادية قد تنتهي بنا بأزمة مالية إقليمية قد تكون مصر مبعث جذوتها ومنها إلي دول المنطقة وليس نموذج اليونان منا ببعيد فقد بدأ الأمر بواجب وطني وانجازات انتهت بأزمة طاحنة عابرة للقارات مازال يتوقع أن تحول شتاء أوروبا القادم إلي موجة حارقة تذيب جلود القارة العجوز. تقرير البنك المركزي الصادر قبل أيام يشير إلي أن إجمالي القروض الممنوحة من الجهاز المصرفي خلال الفترة منذ بداية يوليو 2011 وحتي نهاية مايو الماضي ارتفاعا بنسبة 5،9% والمقدرة ب 27،6 مليار جنيه لتصل إلي 498،9 مليار جنيه مقابل 471،2 مليار جنيه نهاية يونيو 2011. وأوضح البنك المركزي في أحدث تقرير له أن القروض الحكومية سجلت 32،6 مليار جنيه قروضا 15،5 سجلت القروض الممنوحة بالعملة الأجنبية 17 مليار جنيه، مقابل بالعملة المحلية. بينما سجلت القروض غير الحكومة نحو 466،2 مليار جنيه بلغت القروض بالعملة المحلية 344،2 مليار جنيه مقابل 121،9 مليار جنيه قروضا بالعملة الأجنبية فهل يتحول عجز الموازنة لفوهة تلتهم معدلات الودائع البالغة ترليونا و11 مليار جنيه؟ تحوط وترقب أحمد عبدالعال رئيس قسم البحوث بشركة العمالقة للأوراق المالية أشار إلي أن أداء البنوك لم يكن مثاليا واصفا اياه بالمقبول خلال النصف الأول من العام معتبرا أن التحسن النسبي الذي طرأ خلال الربعين السابقين كان بمثابة تحسن مؤقت لأن الأجواء مازالت مهيأة لميلاد أزمات أخري شقيقة ذلك أن القطاع المصرفي معرض لعدد من الضربات مع تراجع حركة التجارة والاعتمادات المستندية من جهة ومن حيث تراجع معدلات الائتمان والقروض المتوقعة خلال الفترة القادمة لمزيد من التحوط والخسائر المتوقعة للاستثمارات المالية للبنوك مع استمرار زيادة عجز الموزانة وسداد الدين. احذروا التداخل من جانبه يؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور أشرف سمير أن التنسيق بين السياسة المالية والسياسة النقدية ليس مجرد حديث شيق لكنه مشاركة كاملة بين السلطة النقدية والسلطة المالية في صياغة وتنفيذ السياسة والرقابة علي تأثيراتها، والاتفاق علي رد الفعل المناسب في إطار صياغة موحدة، مما يجعل هذه السياسة تصل للنجاح في اقتصادات الدول وخاصة النامية منها. وتابع قائلا إن تضارب السياسة النقدية والسياسة المالية هو سبب أساسي لنقص المصداقية لدي الوحدات الاقتصادية تجاه تلك السياسات ولذلك فإن البنوك المركزية يجب ألا تتخذ سياسات نقدية تتعارض مع السياسات الأخري كما يجب التركيز علي إعادة تشكيل السياسات المالية بما يتناسب مع السياسات النقدية بهدف مكافحة التضخم بالاعتماد علي الضريبة المباشرة والانضباط المالي ويفيد التعاون هنا بين السلطات النقدية والمالية في تحقيق الأهداف المشتركة للسلطتين دون التأثير علي مصداقية السياسة الاقتصادية ككل وتابع قائلا: إن الانزلاق في هوة تمويل الدين المحلي إلي ما لا نهاية يعلم البنوك الكسل ويحولها "لطالب علم بليد". ماذا بعد؟ أين المجلس التنسيقي؟ الذي يحقق التوازن بينهما دون تداخل أو العمل الانفرادي لخدمة المصلحة الاقتصادية لها، أين ذهب ولماذا يتوقف حتي الآن؟ بهذه الأسئلة بدأت بسنت فهمي الخبيرة المصرفية حديثها قائلة إن اعتماد البنوك علي عجز الموازنة لتحقيق الأرباح قلة حيلة وتحول عن المسار الصحيح متسائلة كيف تتحول الحكومة من جاذب للاستثمار إلي منافس له مع إغراء البنوك بتمويل الدين المحلي قائلة إنه يجب علي الحكومة أن تبحث عن مصادر غير تقليدية لتمويل عجز الموازنة. وقالت فهمي إن مصر في حاجة لاصدار صكوك إسلامية كمصدر للتمويل يسمح لها بفصل التمويل عن النشاط الاقتصادي وهو ما يؤدي إلي زيادة معدل نمو المديونية بمعدل مستقل عن النشاط الحقيقي وتصل إلي درجة لا تسمح للوفاء بالديون في حالة الاعتماد علي مصادر التمويل التقليدية ويصبح الوفاء لهذه الديون عبئا ثقيلا علي الدخل والنمو الحقيقي. وأشارت إلي أن مصر تمر بمرحلة تاريخية بعد الثورة تحتاج فيها الحكومة إلي مصادر تمويل مختلفة بعد أن تزايد عجز الموازنة ليصل حوالي 9،6% من الناتج المحلي الإجمالي في أواخر 2011 وتزايد الدين العام وأعبائه يجعل هناك صعوبة في الاستدامة المالية للدين بالشكل التقليدي، حيث بلغ الدين العام المحلي 76،2% من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأخير من عام 2011 وأصبح هيكل الدين يعتمد علي الديون القصيرة الأجل (أذون الخزانة)، حيث تمثل أكثر من 35% من إجمالي الدين وهو يعكس زيادة خطر تكرار عملية إعادة التمويل وصعوبة استمرار النمط التقليدي لتمويل عجز الموازنة مع ضرورة البحث عن أدوات تمويل أخري لاسيما أنها تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية وقالت متسائلة: هل يمكن أن ندير الأمور بنحو أكثر عقلانية عما يحدث الآن؟! وقالت نحتاج إلي تمويل حقيقي من البنوك ونتائج أعمال واقعية معبرة عن ضخ أموال في شرايين الاقتصاد المصري فعام 2013 هو عام فاصل لأزمة اليورو وللكثير من القضايا الاقتصادية والمالية العالقة، وأري أن السيناريو الأسوء في العالم القادم هو أن تزداد الأزمة العالمية وأن تلغي عملة اليورو وينفض الاتحاد الأوروبي ويتفكك. تحديات ودروس وبعيدا عن التحليل الآتي لمجمل الأوضاع فإن التحديات التي تواجه سياسات تحليل ميزانيات البنوك قد تحتاج إلي أدوات أكثر دقة وحرفية بحسب الخبراء بما يظهر نتائج حقيقية متجنبة تأثيرات التضخم وآخذة في اعتباراتها بمعايير محاسبية أكثر فاعلية تواكب تأثيرات الأزمات العالمية، من جانبه يؤكد تامر ممتاز الخبير المصرفي أن نتائج أعمال البنوك لابد أن تأخذ في اعتبارها تأثيرات التضخم علي نتائج الأعمال محذرا من الافلاس الناتج عن التضخم "الانهيار المستمر في القوة الشرائية للعملة" هو افلاس ناتج عن توزيع أرباح وهمية ليست من نتيجة أعمال الشركة وإنما أرباح قد نالت من أصول الشركة، "في الماضي بعض الشركات كانت تقوم بزيادة قيمة المخزون من أجل صرف أرباح وهمية"، فتقييم الأصل المالي بنفس تكلفته كما هو المتبع عند تقييم المخزون عنصر مضلل فالمعايير عندما قررت أن تقوم بالتقييم كان التقييم حسب التكلفة أو السوق أيهما أقل، أن المال سيعامل علي أساس أنه مخزون نقد له صلاحية مثل مخزون الإنتاج التام الذي يفسد منه جزء بمرور الزمن ومعالجته المحاسبية هي تحميله علي الخسائر وتخفيض الأرباح. وتابع ممتاز قائلا إن التقارير لا تأخذ معدل التضخم في الحسبان إلي الآن ولم تظهر لأصحاب المال الضوء الأحمر بأنهم علي وشك الافلاس أن التقارير المالية أصبحت قاصرة عن التعبير بشفافية عن الصورة الحقيقية للشركات التي ترتب عليها قرارات استثمارية وقرارات توزيع أرباح خاطئة تجني الشركة منها حصادا غير متوقع وهو الإفلاس، هل من المعقول ونحن في القرن الواحد والعشرين لم تعترف التقارير المالية بمعدل التضخم الذي يقره الاقتصاد وتجاهلته المحاسبة إلي الآن؟ حتي وأن تجاهلت ذلك المعايير المحاسبية العالمية وسلمت بقدسية الأرقام المضللة وتجاهلت القوة الشرائية، ويلتقط أطراف الحديث شريف نور المحاسب القانوني ومستشار ارنيست اند يونج قائلا إنه لا توجد أسباب جوهرية قائمة تعزز من المخاوف المثارة حول احتمالية تراجع أرباح البنوك خلال النصف الثاني من العام. مشيرا إلي أن التجزئة المصرفية والتوسع فيها سيسهم في تقليص الخسائر التي من الممكن أن تتكبدها البنوك من جراء الضرائب الأخيرة خصوصا إذا كنا نتحدث عن تمويل السيارات أو الاسكان مشيرا إلي أنه يجب علي البنوك أن تعي ضرورة وجود مخصصات جيدة في ميزانياتها تغطي المخاوف من التوسع في القروض السكنية والاستهلاكية حتي لا تتعرض البنوك لنكسه علي غرار القطاع المصرفي الأمريكي. أما محمد يوسف الخبير المصرفي فقد أكد أن علي القطاع المصرفي المصري ضرورة وجود دراسات مستفادة من أحداث العام الجاري تنطوي علي ضرورة أن تكون هناك أنظمة محاسبية متطورة وقائية تعمل علي التعامل بمطاطية مع الصدمات موضحا أن النظام المحاسبي الردئ والذي تستخدمه الآن الشركات الكبري في مختلف أنحاء العالم ويكمن عجز هذا النظام في عدم قدرته علي تخفيف العدوي النظامية الناتجة عن تحركات أسعار الاصول فحين تتحرك أسعار الاصول تضطر الشركات المالكة لهذه الأصول إلي إعادة تقييمها في دفاتر موازناتها كل ربع عام وتؤدي التقارير الموقوتة عن مكاسب رأس المال غير المحققة والخسائر إلي تقلب حصص الشركات التي تملك هذه الأصول، الأمر الذي يتسبب في ارسال موجات تصادمية عبر النظام المالي. والبديل هنا يتلخص في ابتكار نظام محاسبي وقائي، كذلك الذي استخدمته كل الشركات الألمانية قبل الانتقال إلي العمل بالمعيار الدولي للتقرير المالي ففي النظام الألماني التقليدي، كان تقييم أصول أي شركة يتم طبقا لمبدأ "القيمة الأدني": والذي يقضي باستخدام أدني قيمة للشركة طيلة تاريخها وسعرها الحالي في السوق للأغراض المحاسبية ولقد سمح هذا النظام للمدراء بملاحقة الأهداف الأبعد أمدا وأثبت فعاليته في منع آثار العدوي والحقيقة أن هذا النظام كان من بين الأسباب الرئيسية وراء استقرار النظام المالي الألماني.