سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الإيكونوميست: الارتباك الحكومي يهدد بإغلاق "بوابة موريشيوس" المالية في وجه الاقتصاد الهندي المتأزم عبرتها إلي داخل الهند 64 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال 12 سنة
موريشيوس من أجمل جزر العالم وهي تقع في المحيط الهندي علي بعد 1600 كليومتر من شواطيء شرق افريقيا ونصف سكان هذه الدولة الصغيرة من الهندوس احفاد العمال الهنود الذين استحضرتهم بريطانيا في العصر الاستعماري من أجل تعمير موريشيوس كما أن فيها أيضا سكانا منحدرين من أصل فرنسي لأن فرنسا سبق أن استعمرت موريشيوس هي الأخري وتركت هناك بصمة العمارة الفرنسية علي كثير من المباني ولكن أعجب ما في هذه الدولة الجزيرة أنها صارت الآن بوابة التمويل العالمي الذي يذهب إلي الهند. وهنا تقول أرقام وزارة التجارة والصناعة الهندية أن 2.39% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي دخلت الهند من إبريل 2000 فبراير 2012 جاءت عبر موريشيوس وعبر دول الاتحاد الأوروبي الأخري 7.14% وسنغافورة 5.10% واليابان 5.7% والولايات المتحدة 4.6% وقبرص 8.3% والامارات العربية 4.1% والدول الأخري 5.16% وذلك من إجمالي استثمارات أجنبية مباشرة دخلت الهند في الفترة المذكورة يناهز إلي 3.162 مليار دولار أي بمعدل نحو 135 مليار دولار سنويا في المتوسط وكان نصيب بوابة موريشيوس منها نحو 64 مليار دولار خلال الفترة المذكورة كلها ومع ذلك تقول مجلة "الايكونوميست" إن وضع المستثمرين الأجانب داخل الهند بدأ يهتز أخيرا بسبب السلوك المربك من جانب الحكومة الهندية التي اقترحت في مسودة ميزانيتها الجديدة نوعين من الضرائب علي الاستثمار الأجنبي النوع الأول ضريبة علي صفقات الاستحواذ الأجنبي علي الشركات الهندية وهي ضريبة تستهدف شركة فودافون العالمية وصفة أخري من الشركات والنوع الثاني هو فرض غرامة علي فسخ العقود والمقصود بها المستثمرون الذين يدخلون الهند عن طريق موريشيوس فهؤلاء توجد معاهدة بين الحكومتين الهندية والموريشيوسية تعفيهم من الضريبة علي أرباح رأس المال ويخشي أن يلجاؤا إلي فسخ عقودهم اذا ما حرموا من هذا الاعفاء. والحقيقة أن الوقت الآن غير مناسب لدخول الهند في مثل هذه النوعية من المعارك فمنذ أزمة عام 1991 حرصت الهند علي تحقيق عجز صغير في ميزانها الحسابي يتم تمويله عن طريق تدفقات رأس المال الأجنبي سواء لشراء أسهم من البورصة أو في صورة استثمارات أجنبية مباشرة، ولكن الأمور بدأت تسود خلال الفترة الأخيرة حيث قفز عجز الميزان الحسابي إلي 4% من إجمالي الناتج المحلي الهندي بسبب ارتفاع فاتورة واردات الهند البترولية إلي جانب مشترواتها من الذهب وهو أمر ينذر بحدوث تضخم ضار وهز الثقة في الجهاز المصرفي الهندي. وقد واكب ذلك جفاف في تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة علي الهند بسبب القيود البيروقراطية وارتعاش القرارات الحكومية.. وهكذا تحول المستثمرون الأجانب إلي بائعين لما يملكونه من أسهم البورصة الهندية خلال شهر إبريل الماضي اضف إلي ذلك أن الاحتياطيات الهندية بالنقد الأجنبي تراجعت وأصبحت قليلة بالمعايير الآسيوية.. وبدأت التأثيرات السلبية لاختلال ميزان المدفوعات في الظهور بقوة حيث هبطت قيمة الروبية 7% واضطر البنك المركزي الهندي إلي التدخل لوقف تدهورها. وأمام هذه النتائج اضطرت الحكومة الهندية إلي التراجع وقال براناب موخيرجي وزير الخزانة إن غرامات فسخ العقود سيتم تأجيل تنفيذها حتي مارس 2013 وأن ثمة ضمانات أخري ستطبق من أجل حماية المستثمرين الأجانب من غائلة رجال الضرائب وقد شعرت موريشيوس بالسعادة لهذا التراجع الهندي لأنه سيحمي قطاعها المالي المزدهر من الاضطراب.. ويتيح التفاوض بين حكومتي الهند وموريشيوس علي ما سيحدث فيما بعد مارس القادم عندما تنتهي المهلة الممنوحة للتأجيل. ومعروف أن حجم الاستثمارات الأجنبية داخل الهند التي يمكن أن تتأثر بهذا الإجراء تبلغ في مجملها 260 مليار دولار معظمها قادم عن طريق موريشيوس وأن المفاوضات السرية بدأت فعلا بين الهند وموريشيوس في هذا الشأن وهذا التأرجح والغموض من جانب الحكومة الهندية يثير تساؤلات مهمة منها: ماذا تريد هذه الحكومة بالضبط؟ وللرد علي هذا السؤال هناك ثلاث إجابات أو افتراضات.. الافتراض الأول هو أن موقف الحكومة الهندية لغز بلا مفتاح.. والافتراض الثاني أنها تريد فرض نوع من السيطرة الرمزية علي ما يجري في البلاد من خلال مثل هذه التصرفات أما الافتراض الثالث والأخير فهو حاجة الحكومة الهندية إلي جمع بعض السيولة النقدية التي تفتقر إليها. أن وجهة النظر الفظة وغير الكريمة ستري أن الحكومة الهندية لا تعرف حتي الآن ماذا تريد سوي نقص حكم المحكمة الدستورية العليا التي قضت في يناير الماضي بعدم تحصيل ضريبة علي مكاسب رأس المال الناجمة عن صفقة شراء فوادفون لذراعها الهندي في عام 2007 وأن إجراءات تعديل قواعد فسخ العقود التي رافقت الميزانية قد اضيفت في اللحظة الأخيرة نحن نعرف أن الهند غاضبة من موريشيوس منذ سنين وليس أسابيع وأن لديها بعض الحق أو التبرير لهذه المغاضبة وأنها سبق وأن فرضت لبعض الوقت ما يسمي بقانون الضريبة المباشرة وفي نفس الوقت فإن علاقة الهند مع موريشيوس قديمة، ومعاهدة منع الازدواج الضريبي بين البلدين يرجع تاريخها إلي عام 1982 أي منذ 30 سنة تقريبا. وكان هدفها تنشيط استثمارات الهند في موريشيوس ولكن ما حدث في الواقع أن الأموال العالمية دامت تتخذ من موريشيوس نقطة وثوب إلي الهند لها التمتع بما قررته هذه المعاهدة من امتيازات وإعفاءات ضريبية. وعند فحص الافتراض الثاني سنجد أن حكومة الهند تريد أن تقول إنها لن تسمح باستخدام اقتصادها كوعاء ولغسل الأموال غيرالشرعية التي تعبر إليها من موريشيوس ولكن حكومة موريشيوس تؤكد أن ما يدخل الهند عبر أراضيها من أموال هي استثمارات حقيقية وأن نسبة الأموال غير المشروعة فيها ضئيلة للغاية والاستطراد مع مثل هذا الافتراض قد يؤدي إلي دفع الهند لتغيير معاهدتها الضريبية مع موريشيوس لتتخذ صورة مختلفة يمكن أن تغضب منها المستثمرين الغربيين دون أن تحقق لها فوائد كبيرة. كما يمكن أن يتم تغيير هذه المعاهدة مجرد تغيير طفيف علي غرار معاهدات عام 2006 واتاح للهند حق الحصول علي ضرائب رأسمالية من بعض المستثمرين الأجانب القادمين عبر موريشيوس. ويبقي الاقتراض الثالث والأخير وهو يمكن أن يتحقق عن طريق صياغة القواعد الجديدة الخاصة برسوم فسخ العقود صياغة تنتج للهند تحصيل قدر أكبر من النقود دون دفع المستثمرين إلي الهروب، ولكن من سوء الحظ أن الحكومة الهندية الي تسيطر عليها البيروقراطية ليست مؤهلة لقيادة مثل هذه المناورات المالية بكفاءة، وأن المستثمرين الأجانب سيشعرون أن أوضاعهم عرضة للتغييرات المفاجئة وهذه الحالة من عدم اليقين سوف تكبد الهند ما يمكن أن تجنبه من سيولة جراء تغيير القواعد الضريبية التي تعامل علي أساسها الاستثمارات الأجنبية في البلاد. وبالنسبة لموريشيوس ذاتها فإنها قد تجد صناعتها الحالية معرضة للاضطراب بسبب هذه السلوكيات الهندية.. وموريشيوس تريد أن تطور قطاعها المالي لأن تعرضه للإضراب. وهنا قد تجد حكومة موريشيوس نفسها أمام خيار جديد بأن تكف عن أن تكون معبرا للاستثمارات الأجنبية إلي الهند لتصبح مركزا لتمويل التجارة الآسيوية مع إفريقيا. كما أن موريشيوس لها صديق بديل هو الصين التي أقرضتها أخيرا 600 مليون دولار وتبني لها مطارا جديدا وسدا لتوفير المياه.. ولو تحولت موريشيوس إلي هذا الاتجاه الجديد فإن الخاسر الأول سيكون هو الهند خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن الصين ستشجع هذا التحول من جانب موريشيوس لأن استثمارات الصين في القارة السوداء وتجارتها مع الأفارقة صارت كبيرة بل وفي تزايد سريع ومستمر.