الحكومة تتعمد إبرام عقود مع المستثمرين الأجانب تحوي بنوداً احتكارية ومجحفة للجانب المصري تحرمنا من مليارات الجنيهات 4 دعاوي منظورة حاليًا أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولي.. إحداها جلستها في أبريل المقبل تطالب مصر بتعويض قدره 518 مليون دولار احتكار المستثمرين الأجانب للمواني المصرية بأمرالحكومة وكأن تلك سياسة يتم وضعها في الكواليس، أن يتم فتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية للدخول إلي مصر، مع منحها مجموعة من الامتيازات «الخيالية» التي تصبغ علي وجودها ملامح الكيان الاحتكاري، بالإضافة إلي تعمد وجود ثغرات في العقود التي تتم بين الحكومة وبين هذه الجهات الأجنبية الاستثمارية، حتي يدب الخلاف فجأة بين الطرفين فتكون النتيجة لصالح المستثمرين الأجانب طبعاً، وليضيع حق البلد وأصحابه في الماء الجاري تحت الجسور. يستأنف المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار ( أكسيد) التابع للبنك الدولي جلساته في أبريل المقبل بالعاصمة الفرنسية «باريس» لنظر الدعوي المقامة من شركة ( ماليكورب ) البريطانية ضد الحكومة المصرية، والتي تطالب فيها بتعويض قدره 518 مليون دولار؛ بسبب سحب الحكومة المصرية منها مشروع إنشاء وإدارة مطار «رأس سدر» بنظام ال ( B.O.T) في أواخر 2001 بعد حدوث نزاع بين الطرفين حول وضع الشركة والتزاماتها المالية، وأعلن الجانب المصري أن الشركة قامت بالتدليس عليه وأخفت عليه حقيقة رأسمالها الذي اكتشفت أنه لا يزيد علي 2 جنيه إسترليني، وكان هذا بعد توقيعها للعقد مع الشركة في 28 مايو 2000 لتطوير 32 مليون متر مربع من الأرض حول المطار في رأس سدر عبر مشروعات تجارية وسياحية وإسكانية، إلي جانب 10 ملايين متر مربع يشغلها المطار، عقب اختيار عرضها من خلال المناقصة التي أعلنت عنها هيئة الطيران المدني في أغسطس 1999، وبنفس هذه الطريقة يتعامل المسئولون مع المستثمرين الأجانب عند إبرام العقود معهم لتنفيذ مشروعات عملاقة بمصر دون تحري الدقة والوعي بما يمكن أن يترتب علي توقيع تلك العقود بهذا الشكل. ولذلك لم تكن قضية ( ماليكورب ) الحالة الأولي، ولن تكون الأخيرة التي يتساهل فيها المسئول المصري مع المستثمر الأجنبي عند توقيعه للعقد بما فيه من بنود مجحفة للجانب المصري، وعدم جمعه تحريات عن حقيقة هذا المستثمر.. واكتشافه للخطأ بعد فوات الأوان والذي غالبًا ما يكون بعد أن يترك المسئول الذي وقَّع هذا العقد منصبه، وجاء مسئول جديد، فمنذ أسابيع اضطرت الحكومة المصرية للتصالح ودفع 60 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب لرجل الأعمال وجيه سياج في القضية التي شغلت الرأي العام كثيرًا.. بعد أن قضي مركز ( أكسيد ) بإلزام الحكومة المصرية بدفع 133 مليون دولار لشركة سياج للاستثمارات السياحية التي يملكها وجيه سياج كتعويض عن الأراضي التي سحبتها منه الحكومة في 2002 لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي بعدما كانت خصصتها له في طابا عام 1989، وهناك ثلاث دعاوي أخري مرفوعة ضد مصر بجانب (ماليكورب) مازالت تنظر حاليًا أمام مركز ( أكسيد ) ولم يتم الفصل فيها بعد. ويقول الربان سعيد أيوب رئيس الإدارة المركزية للخدمات البحرية والفنية بميناء الإسكندرية ومستشار رئيس الهيئة السابق إن هناك العديد من الحالات التي تساهل فيها المسئول المصري مع المستثمر الأجنبي سواء من خلال توقيع العقد بشكل مجحف أو عدم جمع التحريات حول حقيقته.. ونتج عن هذا التساهل إهدار مليارات الجنيهات علي الجانب المصري، لكن هذه الحالات لم تصل بعد إلي المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار.. لأن الجانب المصري مازال صامتًا تجاه المخالفات التي شابت تلك العقود التي تم إبرامها مع هؤلاء المستثمرين، ويخشي تصاعد الأمر ووصوله إلي التحكيم الدولي كما حدث مع الحالات السابقة التي تم الفصل فيها أمام التحكيم الدولي، أو مازالت منظورة أمامه. ومن هذه الحالات التي لم تصل بعد إلي مركز ( أكسيد ) وحصلت (الدستور ) علي نسخ من عقودها العقد الذي أبرمته هيئة موانئ البحر الأحمر مع شركة تنمية ميناء السخنة في 9 فبراير 1999 لإنشاء وإدارة واستغلال محطات الحاويات والبضائع العامة والصب الجاف بالحوض الأول لميناء شمال العين السخنة بنظام حق الانتفاع لمدة 25 عام، وهي الشركة التي تكونت خصيصًا لهذا الغرض وحصلت علي ذلك الامتياز بالأمر المباشر، ويملكها رجل الأعمال الفلسطيني أسامة الشريف والذي قام ببيع 90 % من أسهم شركته المالكة للامتياز في فبراير 2008 لمجموعة مواني دبي العالمية بقيمة 670 مليون دولار بعدما كان حصل علي هذا الامتياز بلا مقابل.. فقط مقابل رسوم يدفعها عن كل متر شهريًا، وهو العقد الذي تضمن العديد من البنود الاحتكارية والمجحفة لهيئة موانئ البحر الأحمر، ومن أجل تغيير بند احتكاري واحد بهذا العقد كان يعطي للشركة الأولوية في استغلال جميع مواني أو محطات حاويات، أو بضائع عامة، أو صب، أو أرصفة تخصصية في ميناء العين السخنة، أو في أية مواني أخري علي البحر الأحمر متي قررت الهيئة العامة لمواني البحر الأحمر طرح عملية الاستغلال للغير..استمرت المفاوضات مع الشركة لما يقرب من 9 سنوات.. ولم توافق الشركة علي تغييره الإ بعد أن حصلت علي ميزة أخري لا تقل أهمية عن هذا البند. نفس الشيء حصل مع المستثمرين الصينيين والسعوديين الذين حصلوا بالأمر المباشر علي امتياز إنشاء محطة حاويات علي رصيف 71، 81 بميناء الإسكندرية ورصيف 98 بميناء الدخيلة عام 2005. . وكشف الجهاز المركزي للمحاسبات العديد من البنود الاحتكارية والمجحفة وبنود الإذعان بالعقد المبرم بين هيئة مواني الإسكندرية وهؤلاء المستثمرين الذي أوضح تقرير المركزي للمحاسبات عدم وجود سابقة خبرة لهم، ويوجد خلاف دائر حاليًا بين الطرفين منذ أكثر من عامين لتغيير بعض البنود الاحتكارية بهذا العقد منها البند رقم 13/1 الذي يلزم الهيئة بأن يكون للشركة حق الأولوية في تنمية وتشغيل الرصيف 100 المخطط إنشاءه في ميناء الدخيلة مستقبلاً، ونظرًا لضخامة المبالغ التي يزمع استثمارها الشركاء بالشركة في هذا المشروع ( يقصد رصيف 100) فسوف تمتنع الهيئة عن أن تمنح للغير أية أرصفة جديدة أو قائمة لاستخدامها كمحطات حاويات وذلك إلي أن يتم الانتهاء من الرصيف 100 وذلك حسب نص هذا البند.. ولم ينتهي الخلاف إلي شيء إلي اليوم. نفس الشيء حدث مع شركة ميرسك الدنمركية عام 1999 عندما حصلت بالأمر المباشر علي امتياز إنشاء وإدارة أطول محطة حاويات في العالم بميناء شرق بورسعيد بطول 2400 متر علي مرحلتين، وتضمن العقد الذي وقعته هيئة مواني بورسعيد مع الشركة بند احتكاري لا يجيز للهيئة استقدام شركات أخري غير ميرسك لإنشاء وإدارة محطات حاويات يتم إنشائها مستقبلاً بالميناء، ويفيد اللواء هشام السرساوي- رئيس قطاع النقل البحري السابق- أن بعد مفاوضات استمرت لسنوات تم تغيير هذا البند وفي مقابل تغييره حصلت في مقابله الشركة علي مد فترة الامتياز الخاص بتشغيل الرصيف الأول لميناء شرق بورسعيد من 30 عامًا إلي 49 عامًا ومزايا أخري. أيوب يرجع توقيع تلك العقود بهذا الشكل بما يتضمنه من تجاوزات إلي العمولات التي تدفع للمسئولين المصريين وذلك علي حد قوله ويؤكد صحة كلامه بأن هذه التجاوزات إن حدث وتم كشفها لا يكون الإ بعد تغيير المسئول وقدوم مسئول جديد.. وأنه أثناء فترة عمله بميناء الإسكندرية شهد العديد من التجاوزات في تعاقدات الهيئة مع المستثمرين الأجانب والمصريين.. ويشرح أيوب أن هناك كراسات شروط خاصة ببعض المشاريع يتم تفصيلها علي مستثمر معين.. ليتم طرحها خلال مناقصات محدودة ويدخل مستثمرين أخريين كديكور فقط، ويكون متفق مسبقًا مع هذا المستثمر علي السعر الذي سوف يعرضه، أو يتم التعاقد مع هذا المستثمر بالأمر المباشر وفي هذه الحالة تبرم العقود فقط حسب اتفاق الطرفين دون وجود كراسة شروط. ويضيف الدكتور ثروت بدوي- أستاذ القانون الدستوري- أن هذه النوعية من العقود غالبية بنودها مخالفة للقانون المصري ولا يتم عرضها علي مجلس الدولة، وفي حالة نشوب نزاع بين الطرفين سريعاً ما يلجأ المستثمر الأجنبي إلي التحكيم الدولي وتتكبد مصر مبالغ طائلة تدفعها كتعويض لهذا المستثمر لأنها قبلت توقيع العقود معه بهذا الشكل كما حدث في حالات كثيرة، ويؤكد بدوي أن المسئولين لا يعو دروس الماضي؛ لأنهم لا يضعوا المصلحة العامة في اعتبارهم، ولا يهمهم سوي العمولات التي يحصوا عليها من توقيع العقود بهذا الشكل، وهناك العديد من الأمثلة التي تصر فيها الحكومة علي مخالفة القانون.