استيقظت ككل الصباحات الروتينية، وبدأت يومي كالعادة بإطلالة علي موقع الدكتور إبراهيم الفقي خبير التنمية البشرية، فهو ملهمي طيلة الأشهر الماضية، أتغذي علي كلماته وعندما تقنط عروقي أدخل غرفة إنعاشه فينشط عقلي بأوكسجين الحياة الذي يغزله مثل دودة الحرير.. تتحفز روحي بالإيمان وتنفتح شرفات الأمل بعد أن أوصدتها ليال غبراء واستعيد البدن والعينين والجفون والعقل والخيال بعد أن جفت زهورها. لقد مات الملهم.. مات إثر حريق هائل شب بمركز الطب النفسي الذي يمتلكه بمدينة نصر، حيث امتدت النيران لكامل العقار، بما في ذلك شقته في الدور الثالث. لم أقابل الدكتور الفقي ولو مرة لكني كنت ألتقيه يومياً عبر كلماته حتي تشرق شمسي، وكان مثلي الآلاف الذين وُلدوا ولادة جديدة بفضل يديه الحانيتين. إن البشرية جمعاء غرفت من معين الفكر البناء للدكتور إبراهيم الفقي الذي أثري الإنسان الذي نتلمسه بداخلنا، فقاد الإصلاح داخل كل فرد منا بأن علمنا كيف نفتش عن نبع الخير في النفس أولا ثم المصالحة مع النفس والآخرين فتتفتق طاقة العطاء والعمل والنجاح.. رحل شلال العطاء الذي ظل يحفز القطرات علي الانضمام لفيض العلم والوعي وصنع المستحيل. الموت هو المشهد الأبشع عندما يكون فقداً وخسارة للقدوة وإطفاء لشمعة تضيء ليلاً مظلماً.. الطيبون والخيرون يموتون.. بينما شخصيات شهيرة تملأ حياتنا تعاسة، بعضهم يمتلك السلطة، حكمونا ويحكمون مصائرنا ويتحكمون في رقابنا، ولا يستحقون غير فردتي حذاء! كم مات منا من السذاجة وكم ماتوا من الكبت والظلم والعسف وكم ماتوا بالوعي المفخخ؟ أما إبراهيم الفقي فكان جاهزاً للموت في أي وقت، عمل الخير بلا حساب وحلم باقتسام الجنة مع أناس كثيرين في امتداد الأرض دون أن يعرف دينهم أو يهمه لونهم أو عرقهم، زرع الأحلام في فضاءات العقول، نسج من أوراق التوت طرقات للقانطين، كتب فوق الريح حروفاً من نور، وأيقظ النجمة المضيئة في السماء لترعي سواعد المكافحين. وفي سيرة الفقي الذاتية الخلاص الملخص.. فهي تشكل دروسا كبري للعصاميين الطموحين، لأن حروف قاموسها يجافي المستحيلات ويصنع المعجزات.. بدأ حياته عاملا في مطعم صغير يكدح في الصباح غاسلاً للصحون ثم ارتقي إلي "جرسون"، ودرس في نفس الوقت بإحدي الجامعات لنيل شهادة في السياحة وإدارة الفنادق، وفي المساء عمل مديراً لمطعم ليلي. المسميات لا تهم مادامت تحت سقف التجربة الإنسانية القابلة للتطوير.. وتدرج في سلم الترقي إلي أن أصبح مدير فندق، لكن طموحه ظل كالمهر الجامح ينمو مع اتساع أفقه ومداركه، فنال وظيفة أفضل بفندق أكبر، وحصل علي دورات دراسية بالمراسلة، إلي أن حصل علي شهادة أفضل طالب في الدراسات المنزلية، وهي جائزة دولية من الولاياتالمتحدة.. وانطلق في صقل مواهبه، فوجد أن لديه أفكاراً كان يدونها في مفكرته الخاصة، هي طاقة إيجابية هائلة لشحن ذرات النفوس.. عندها قرر أن تكون نواة لكتابه الأول، وباع خمسة آلاف نسخة في أول ثلاثة أشهر، وتوالت حروف النور لتتجاوز الخمسين كتابا.. وأسس مجموعة شركات إبراهيم الفقي العالمية وأصبح من أهم ستة خبراء في العالم في مجال التنمية البشرية، وقام بتدريب أكثر من مليون شخص علي مدار ثلاثين عاماً في محاضراته ودوراته في أكثر من 33 دولة بثلاث لغات الفرنسية، الإنجليزية، والعربية ومع ذلك فقد خسر كل شيء مرتين ثم عاد للوقوف علي قدميه لإعادة البناء من الصفر، ولا يملك أي شخص أمام هذا المغامر المقدام إلا الإعجاب. "عش كل لحظة في حياتك وكأنها آخر لحظة في حياتك.. عش بالصبر والأمل والكفاح.. عش بالحب وامنح الحياة ما تستحقه".. إنها جرعة حتمية من الأمل لمن لا يملكون بصيصا منه، ولا ضرر من جرعة إضافية لمن يملك من الأمل ما يكفي. ولمن يبحثون عن النجاح في الحياة وتاهوا في الطرق الوعرة ولامسوا اليأس، قدم "الفقي" علي طريقة ملخصات الطلاب قبل امتحانات نهاية العام، كتاب المفاتيح العشرة للنجاح في محاولة للإجابة عن الحيرة التي تنتاب الناس من نجاح البعض أكثر من غيرهم ومن أنه علي الرغم من تميز البعض بالمعرفة والموهبة الكافيتين للنجاح، إلا أنهم يعيشون عند مستوي أقل مما يستحقون. ويجيب الفقي عن هذه الحيرة بالمفتاح السحري الأول والذي تختزله قصة لشاب توجه إلي حكيم صيني ينشد لديه الحكمة فسأله عن سر النجاح، فأرشده إلي أنها الدوافع، فطلب صاحبنا المزيد من التفسير، فأمسك الحكيم برأس الشاب وغمسها في الماء، الذي لم يتحرك لبضعة ثوان، ثم بدأ يحاول رفع رأسه من الماء، ثم بدأ يقاوم يد الحكيم ليخرج رأسه، ثم بدأ يجاهد بكل قوته لينجو بحياته من الغرق في بحر الحكمة، وفي النهاية أفلح. في البداية كانت دوافعه موجودة لكنها غير كافية، بعدها زادت الدوافع لكنها لم تبلغ أوجها، ثم في النهاية بلغت مرحلة