مسلسل هروب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لم ينته منذ بداية العام وعززت الأحداث الأخيرة من مخاوف المستثمرين من تكرار مظاهر البلطجة والسطو وبالتالي انعدام الأمن الذي يعد المحدد الرئيسي لبقاء رؤوس الأموال. وأصابت الأحداث الأخيرة في البلاد الأوساط الاقتصادية بالاحباط وخاصة أنها تزيد من مخاطر الاستثمار في مصر وستؤدي إلي مراجعة الشركات العالمية الكبري لمخططاتها بعدما أعلن العديد منها عن رغبتهم في العودة بقوة إلي السوق المصري بدخول العام القادم 2012 ومن هذه الشركات أباتشي وكوكاكولا. وكانت بيانات البنك المركزي قد كشفت أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة قد سجلت معدلات سالبة خلال النصف الثاني من العام المالي المنتهي في يونيو الماضي، محققا تراجعا حادا، ليصل إلي 65 مليون دولار، مقابل 2.3 مليار دولار في النصف الأول من العام. وأشار البنك إلي أن الاستثمار الأجنبي المباشر بلغ نحو 2.2 مليار دولار خلال العام الجاري، مقابل 6.8 مليار دولار خلال العام السابق. وبالرغم من نفي أسامة صالح رئيس الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة هروب استثمارات من مصر عقب أحداث ثورة 25 يناير إلا أن كلمة المشير طنطاوي الأخيرة التي وجهها الأسبوع الماضي أكد فيها علي هروب العديد من الاستثمارات إلي الخارج وكذلك فإن العديد من الخبراء أكدوا أن حالة الهرج والمرج التي تمر بها البلاد لم تؤثر علي الاستثمارات الأجنبية الوافدة فقط لكن علي الا ستثمارات القائمة سواءاكانت محلية أو أجنبية. وكان رئيس هيئة الاستثمار قد أكد أن الفترة الماضية شهدت تأسيس أكثر من 5 آلاف شركة باستثمارات تتجاوز 8 مليارات جنيه، شكلت نسبة الاستثمارات الأجنبية والعربية منها 12% بما يؤكد اقبال المستثمر غير المصري علي تأسيس شركات جديدة والاستثمار في مصر مشيرا إلي أن الأرقام تؤكد ثقة المستثمر الأجنبي في مصر والاقتصاد المصري الذي أصبح واعدا وأكثر جاذبية بعد الثورة التي نجحت في التخلص من الفساد بالعديد من مؤسسات الدولة. بداية فقد أكد الدكتور إيهاب الدسوقي أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات أنه إذا كان هناك هروب أو تراجع للاستثمار الأجنبي المباشر فإن الأمر سيكون وقتيا وسيكون علي المدي القصير نتيجة الانفلات الأمني وحالة الفوضي وعدم وضوح الرؤيا أما علي المدي الطويل فإن مصر عندما تنجح الثورة وتتحول إلي دولة ديمقراطية فإن الأمر سيختلف تماما وستسطيع تعويض الاستثمار الأجنبي بشكل كبير. أشار إلي أن النظر إلي الدول الديمقراطية ومقارنة حجم الاستثمار فيها بالدول غير الديمقراطية ستتضح الصورة فالأولي تجد فيها الاستثمارات المباشرة دائما في زيادة مطردة وهو ما نطمح به في مصر. ومن جانبه أكد الدكتور أيمن فرج باحث إقتصادي بجامعة القاهرة أن أحداث التحرير سوف تؤثر علي ثقة المستثمرين الأجانب في دخول السوق المصرية، نظرا لارتفاع المخاطر الأمنية فضلا عن هروب الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، والتي تتمثل في أذون مستندات الخزانة المصرية، نظرا لهلع المستثمرين من الأحداث. أضاف أن هذه التداعيات ستمتد إلي أحوال المواطن العادي لتكبده مزيدا من المعاناة الاقتصادية والاجتماعية مشيرا إلي أن ثمار الأحداث كان في ارتفاع أسعار السلع ونقصها، والتهديد بتسريح العمالة مما يقضي علي أي أمل في توفير فرص العمل، فضلا عن اضطراب الصناعة والتصدير وفقدان الأمل في جذب الاستثمارات الأجنبية أو الحفاظ علي القائم منها. حذر من تدهور الاستثمارات المباشرة بشكل كبير، بسبب استمرار مؤسسات التصنيف العالمية في تخفيض تصنيف الاقتصاد المصري، مشيرا إلي ضرورة إنهاء حالة الضبابية السياسية والاقتصادية السائدة بعد الثورة. ومن جانبه توقع الدكتور مختار الشريف الخبير الاقتصادي احتمالية أن يتم خفض التصنيف الائتماني لمصر خلال الفترة القادمة نتيجة لحالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي تسود البلاد، مضيفا أن في هذه الحالة ستضطر مصر للاقتراض من الخارج بفوائد عالية بسبب زيادة مخاطر عدم القدرة علي السداد.