لقد حدثت الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر.. بدأت في انجلترا ثم امتدت إلي أجزاء أخري من أوروبا وعبرت الاطلنطي إلي الولاياتالمتحدةالامريكية قبل أن تنتقل أخيرا إلي اليابان، ولكي نعرف أهمية هذه الثورة الصناعية وتأثيرها الهائل علي الانتاجية نذكر أنه في عام 1700 كان رطل الغزل يحتاج إلي 200 ساعة عمل علي المغازل اليدوية ومع حلول عام 1820 لم يعد انتاج رطل الغزل يحتاج سوي ساعة عمل واحدة، وقد نجم عن الثورة الصناعية ذلك "الانفصال الكبير" والمبتكرات الموفرة للعمالة وانشاء المصانع من اجل الانتاج للسوق واستخدام الآلات التي تعمل بالوقود الكربوني وأدي هذا كله إلي تقدم الغرب وارتفاع مستوي معيشة أبنائه، وبمرور الوقت دخلت هذه الآلات المتاحف وصارت المصانع تعمل بالكهرباء، واليوم كما تقول مجلة "الايكونوميست" يقف العالم علي أعتاب "تقارب كبير" في مستويات المعيشة حيث نهضت الدول الفقيرة تحاول الأخذ بالأحدث من تكنولوجيا عصرنا الراهن لرفع مستوي معيشة شعوبها إلي ما هو قائم في الغرب، وتعد الصين والهند من أكبر وأسرع الدول سعيا للحاق بالغرب وان كان هذا السعي قد انتقل ايضا إلي بلدان أمريكا اللاتينية وإفريقيا حيث صار يطلق علي الجميع وصف الاسواق الناشئة. والحقيقة أن سرعة هذا التقارب تتزايد، فالدول الغنية المثقلة بالديون مثل أمريكا ودول اليورو لا تحقق معدلات نمو جيدة منذ اندلاع الأزمة العالمية عام ،2008 ويحدث ذلك في الوقت الذي نشهد نموا كبيرا في الاسواق الناشئة وتقول بيانات صندوق النقد الدولي إن متوسط معدل النمو في الاسواق الناشئة سيزيد نحو 4% عن متوسط معدل النمو في العالم المتقدم خلال عامي 2011 و،2012 وإذا صحت توقعات الصندوق فإن الاسواق الناشئة ستكون مع حلول عام 2013 هي التي تنتج أكبر من نصف قيمة الناتج العالمي مقاسا بالقوة الشرائية المكافئة للدولار "؟". ومن علامات هذا التحول في القوة الاقتصادية أن المستثمرين صاروا يتوقعون اضطراب دول الغرب الغنية وواثقون من أن الازمة لن تعود ثانية إلي الاسواق الناشئة وهناك كثيرون يرون أن العالم الفني شاخ وصار مثقلا بالديون وفارغا من الافكار والمبتكرات وان الاسواق الناشئة علي العكس لاتزال شابة ومليئة بالحيوية وغنية بالمدخرات، ولكن واقع الحال أعقد من مثل هذا التبسيط المخل، فمن اسباب تصارع شركات الاسواق الناشئة علي ضمان موطئ قدم لها في البلدان الغنية أن مناخ الاستثمار والاعمال هناك أفضل كثيرا منه في بلدانها الاصلية، ولكن تتابع الانفجارات المالية في العالم الغني يجعله يبدو وكأنه مفرخة للأزمات. لقد تحولت فوضي سوق الرهن العقاري في أمريكا إلي كارثة مالية أشبة بأزمات العالم النامي، بل وكانت سببا في زحف رءوس الاموال إلي المقترضين الجدين لكي تصنع هناك رواجا في الممتلكات وكان زحف هذه الاموال إلي اليونان وإيرلندا والبرتغال شيء يذكرنا بالزحف علي اقتصاد ناشئ مثقل بالديون، ولانه لا يوجد حتي الآن سوق للسندات يمكن الوثوق به في الاسواق الناشئة لكي يفر إليه المستثمرون المذعورون فقد وجدوا انفسهم مضطرين للجوء إلي سندات الخزانة الامريكية وسندات عدد آخر من حكومات الدول الغنية، وكانت الخيارات امام المستثمرين قليلة إلي حد أن خفض التصنيف الائتماني للدين الامريكي لمثل هذه الاوراق المالية الآمنة سهلة التسييل يعد من الاسباب العميقة لسلسلة الازمات التي توالت علي العالم الغني في السنوات الاخيرة، فالبلدان النامية كانت تشتري السندات الحكومية لدول العالم الغني وتخزنها ضمن احتياطياتها النقدية تحسبا لأي أزمة مستقبلية، وهذه المشتروات الكبيرة أدت إلي خفض أسعار الفائدة طويلة الاجل وساعدت علي إذكاء الرواج في الائتمان العام والخاص. وتري مجلة "الايكونومسيت" إن التباطؤ الراهن في نمو البلدان الغنية هو أثر من آثار ذلك الرواج سابق الذكر الذي يزيد الاحساس بالتوعك في تلك البلدان، فقد صار علي كثير من أبناء أمريكا وبريطانيا وغيرها هنا وهناك أن يجتهدوا في الادخار ليقللوا ما عليهم من ديون، كما أن الذين لديهم سيولة امتنعوا عن انفاقها بما في الشركات ايضا تحوطا للمستقبل غير الآمن، كما نشأ جيل من الشركات متعددة الجنسيات من العالم النامي تميل إلي الاستثمار في العالم الغني من الشركات الغربية التي فقدت سحرها. وعلي صعيد آخر، فإن الناس في أمريكا وغرب أوروبا تربت علي مقولة أن الغرب هو الذي يسيطر علي العالم، ولا شك انه شيء شاذ أن تسيطر علي العالم 30 دولة ليس فيها سوي عدد محدود من سكان كوكب الارض، فعلي مدار معظم التاريخ البشري كان الثقل السكاني هو الذي يحسم القوة الاقتصادية وفي عام 1700 مثلا كانت الهند هي