على مسافة 240 كيلو متراً شمال فوينكس بولاية اريزونا الأمريكية وفى مدخل الصحراء التى تلى غابة توتنو الوطنية الكائنة فى هذه المنطقة أقيمت أول مزرعة تجارية لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح.. وتبدو التوربينات العملاقة المنتصبة فى هذه المزرعة أشبه بطواحين الهواء التى خرج دون كبشوت يحاربها ظناً منه أنها جيوش أعداء جاءوا لغزو بلده إسبانيا وذلك حسب الرواية الشهيرة تاريخياً والتى جعلت من معركة دون كبشوت هذه ضد طواحين الهواء رمزاً للمعارك الوهمية التى قد يخوضها الإنسان قبل أن يكتشف أنه كان يحارب عدوا لا وجود له إلا فى خياله.. والمفارقة أن هذه المزرعة التجارية الأمريكية لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح ملك لشركة إسبانية كبيرة فى هذه الصناعة هى شركة إبيردرولا رينو فابلز التى يوجد مقرها الرئيسى فى فالنسيا الإسبانية. وتقول مجلة "تايم" إن إبيردرولا هى أكبر شركة فى العالم لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح وتعمل فى 23 دولة منها بريطانيا ورومانيا والبرازيل كما تتوسع الآن بسرعة وقوة فى السوق الأمريكية التى صارت سوقا واعدة وكبيرة بعد قرار الرئيس أوباما بزيادة اعتماد الولاياتالمتحدة على مصادر الطاقة المتجددة واستثمار مبالغ كبيرة من أجل تحقيق هذا الهدف على مدار السنوات القادمة.. ولا شك أن قرار الرئيس أوباما يستهدف أمرين: أولهما محاربة التغيرات المناخية.. والثانى محاربة الركود فى ظل مقتضيات خطة التعافى الاقتصادى الأمريكى.. وطبقاً لهذه الخطة تسلمت إبيردرولا أكثر من مليار دولار كدعم من الخزانة الأمريكية وهو أكبر مبلغ منحته الإدارة الأمريكية حتى الآن لأى شركة من هذا النوع. ويذكر فى هذا الصدد أن الكهرباء المولدة من طاقة الرياح لا تمثل حتى الآن سوى جزء ضئيل من موارد الطاقة فى أمريكا لا يتجاوز 4.2% من إجمالى الكهرباء المتاحة "الطاقة المتجددة تمثل 11% والطاقة الهيدروليكية 7% وذلك إلى جانب الطاقة الشمسية وطاقة باطن الأرض ثم الطاقة الحيوية".. ويريد الرئيس أوباما أن يكون 80% من موارد الطاقة الأمريكية من مصادر نظيفة مع حلول عام 2035 أى بعد نحو ربع قرن من الآن، وبضغط دعاة حماية البيئة لكى يكون 35% من الطاقة النظيفة من موارد الطاقة المتجددة.. فطاقة المياه لا ينتظر أن تسهم كثيرا فى هذا التطور لأن توليد الكهرباء منها يستوجب إقامة سدود عملاقة عالية التكاليف ولها تأثيرات بيئية ملتبسة.. كذلك فإن إسهام طاقة الشمس سيظل هو الآخر محدوداً ما لم يتم اكتشاف مبتكرات تكنولوجية تخفض تكاليف استخراج الكهرباء من الطاقة الشمسية لكى يكون سعرها تنافسيا وهذا من شأنه أن يجعل طاقة الرياح هى المورد الأول الذى يتوقف على استثماره تحقيق أهداف خطة الرئىس الأمريكى أوباما. ومن حسن الحظ أن الولاياتالمتحدة غنية بطاقة الرياح حيث تمثل مع كندا وروسيا والصين المورد الطبيعى الأكبر لطاقة الرياح على مستوى العالم وفى العام الماضى وحده استطاعت ابيردرولا إضافة 1043 ميجاوات من كهرباء طاقة الرياح إلى شبكات أماكن مثل واشنطن وأوريجون وتكساس وهى تكفى لاستخدامات نحو 700 ألف منزل ومنذ مطلع العام الحالى 2011 حتى الآن استأثرت الولاياتالمتحدة وحدها بنحو 40% من إجمالى ما ولدته ابيردرولا من كهرباء طاقة الرياح على مستوى العالم، وكان اجناسيد جالان رئىس مجلس إدارة ابيردرولا الذى يصف خطة أوباما بأنها نجاح غير مسبوق لشركته بالطبع قد سافر إلى واشنطن فى مايو الماضى للقاء كل من ستيفن تشو وزير الطاقة الأمريكى وزميله جارى لوك وزير التجارة وأعلن جالان حرصه على توسع شركته السريع فى السوق الأمريكية حتى نهاية عام 2012 على الأقل وعزمه على استثمار 6 مليارات دولار خلال هذه الفترة على مشروعاته الأمريكية. وهناك دول كثيرة تصطف طالبة مزارع الرياح التى تنتجها شركة ابيردرولا والتى صارت أهم مصادر توليد الكهرباء النظيفة على مستوى العالم وزادت أهميتها بالتأكيد بعد كارثة محطة الكهرباء النووية اليابانية فى فوكوشيما يوم 11 مارس الماضى وهى الكارثة التى دفعت الكثيرين إلى إعادة النظر فى مدى جدوى الاعتماد على الطاقة النووية، ويقول دانييل واليس الخبير المخضرم فى مركز التقدم الأمريكى بواشنطن CAP