حين دخلت التليفزيون وكان همى "تلفزة الصحافة"، كان أول تحقيق لى عن "فرح كفيف وكفيفة"، التقيا فى قصة حب ثم تزوجا.. كنت أسألهما هكذا "شفتو بعض إزاى؟" و"عجبك فيها إيه؟" وتجرأت وسألت: "لو أنجبتوا ممكن المولود يطلع كفيف؟" وردت العروس الكفيفة: أنا كفيفة لأبوين مبصرين.. وانبرى العريس الكفيف: أهم نقطة حضرتك تتبناها هى حقوق المعاقين فى العمل وفى الحياة، وقد كافحت طويلاً بالكلمة والصورة فى قضية حق المعاق واكتشفت أن المجتمع لازال مقصراً مع المعاقين باستثناء محاولات فردية وجمعيات من المجتمع المدنى.. ورغم أن الدولة خصصت نسبة ما للعاملين من المعاقين، ولكنها حبر على ورق.. ولم يسقط منى سهواً أن صديقاً لنا كان يحذرنا من زيارته بدون موعد وكان يقول (الزيارات المفاجئة وراها مفاجآت غير سارة) وفيما بعد عرفنا أن له ابناً فى الثانية عشرة "يعتدى" على أى شىء وخصوصاً على الغرباء ويلقى كل ما تعثر عليه يداه من الشباك، بل إنه قد يصعد خلسة للشباك ليلقى بنفسه فى الشارع! أول مرة كنت أعرف معنى "الإعاقة الذهنية" واكتشفت عبر الإحصاءات أن فى مصر أكثر من مليوني معاق ذهنياً وتتولى مؤسسات معينة "تجربة العلاج الشاق" الذى يحتاج إلى صبر ومال وفروسية.. بعض هذه الجمعيات تأسست بدافع شخصى إذ ربما كان لدى رئيسة الجمعية أبناً أو ابنة "(معاق ذهنياً).. فهمت أن العلاج السيكلوجى الصعب يسبق العلاج بالعقاقير.. وقد تعرضت السينما لشخصية المعاق ذهنياً وظهرت مبتورة تثير الضحكات أكثر مما تدعو للتعاطف لكنها متطلبات الدراما. ومازلت لا أعرف أسباب الإعاقة الذهنية ولا أعرف نسبة العلاج والعودة من الرحلة الأليمة لشاطئ العقل ولا أعرف هل الجمعيات لدينا "مدعومة" مادياً أم تعتمد على التبرعات وماذا لو تقلصت هذه التبرعات بسبب أو آخر؟ والمال عنصر أساسى. إن المعاق ذهنياً غائب تماماً عن الحياة فلا يعرف ماذا يجرى أمامه وأنه يعيش حالة نكوص دائم وقد يؤذى نفسه.. الأمر يحتاج إلى ملاحظات معالجات صبورات فارسات.. الأمر يحتاج إلى متخصصات بالتخاطب الودود مع المعاق، تجلى بصيرته بعض الشىء.. وربما زرعته الرياضة فى أرض المنبهات للحياة. لماذا أخوض فى قضية الإعاقة الذهنية؟ لأننا ونحن نرتب البيت فى مصر التى نرنو لها، يجب أن نكون متحضرين فى الرؤية لفئة من الناس شاءت ظروفهم أن يكونوا معاقين، ومن الظلم أن "نعوقهم" أكثر. ربما لا يملكون التعبير عن أنفسهم ولا يملكون (التظاهر) كمواطنين، لهذا ادعو للتظاهر من أجلهم ولو على صفحات "العالم اليوم". إننى أعى جيداً الظروف الاقتصادية التى يمر بها البلد وأننى أخشى أن تضطر مؤسسة أو جمعية شحت فيها التبرعات إلى إغلاقها.. وتلك هى النقطة التى ترددت فى النقاش مع من اتسعت قلوبهم وصدورهم لاحتواء المعاقين ذهنياً ويشيرون إلى تراجع التبرعات التى كانت "عمود" العلاج الشاق.