الاعتراف بقيمة أي حرف يكتبه الأستاذ هيكل هي الحقيقة المهمة التي شعر ويشعر بها كل من عاش خلال الستين عاما الماضية في رحاب صاحبة الجلالة الصحافة. ولعلي واحد ممن أحبوا هيكل من علي البعد وقامته ترتفع في سماء التخطيط السياسي إلي مستوي لم يصله كاتب صحفي من قبله، فقد كان الصديق القادر علي أن يتحدث مع جمال عبدالناصر في كل شيء، وهو رفيق مسيرة يوليو من بدايتها إلي كتابة أمر التكليف بالقتال الذي صاغه هيكل ليتسلمه أحمد إسماعيل القائد العام للقوات المسلحة المصرية لتبدأ أكبر انتصارات العرب في تاريخهم الحديث. ولعل خلافه من هنري كسينجر عام 1974 الذي تمركز حول إصرار كسينجر علي أن تتحدث كل دولة عربية بمفردها مع الخصم، وإصرار هيكل علي أن يكون الحوار بين العرب كمجموع والخصم كطرف ثان، لعل هذا الخلاف هو ما دفع الرئيس السادات إلي أن ينطق بينه وبين نفسه "حقي برقبتي" وأدار التفاوض بينه وبين إسرائيل بمعزل عن العرب، وكانت النتيجة هو هذا المناخ الملوث سياسيا الذي غرقنا فيه جميعا. وابتعد هيكل عن مسرح القرار السياسي، ولكن قلمه كان أداة توضيح وشرح وتحليل تمتد من آفاق الرؤي البعيدة، ولعل تفرغه للكتابة هو ما أضاف لنا مجموعة مجلدات هائلة القيمة، وأضاف لنا من بعد ذلك سلسلة "مع هيكل" التي تابعناها بشغف. وكانت محاولات النيل من هيكل هي وسيلة تقرب وتزلف من نظام الرئيس السابق حسني مبارك، ولكن أي محاولة للنيل من الرجل لم تستطع زحزحة محبة الشعوب العربية له، وبقي هرما شامخا نرتوي من آرائه حتي وإن اختلفنا حول بعض من تفاصيلها. ها هو الأستاذ هيكل يعود إلي الأهرام الذي قام بتأسيسه في عصرنا الحديث ليجعله قمة الصحافة العربية علي إطلاقها. وها هو لبيب السباعي رئيس مجلس إدارة الأهرام الجديد يعيد لنا قلم الأستاذ هيكل، ولابد أن خبرة الأستاذ هيكل ستضيف إلي المحترف عبدالعظيم حماد الكثير، وسنري مزيدا من تألق الأهرام، وعندما يتألق الأهرام تتألق الصحافة المصرية بأكملها كما يعلم الجميع. شكرا للعزيز لبيب السباعي.