من الإيجابي أن ننظر إلي ما حدث لنا بعد تفجير الإسكندرية بعيون ترصد ما نملك من عاطفة تحتاج إلي مناخ اقتصادي يعززها، ومن المؤلم أن ننتدب من الماضي الذي وصف نفسه بالاشتراكية أحلاما غير حقيقية بتوفير فرصة عمل لكل عاطل حتي ولو لم يكن مؤهلا لأي عمل. ومن القاسي أن نترك وحشية التربح علي عرشها الحالي الذي ينكر أبسط حقوق العاملين فيدفع بعضا من أصحاب الصناعات إلي تشغيل أطفال تحت عمر العمل، أو يرفضون تسجيل العاملين معهم في التأمينات الاجتماعية، فنجد انفسنا أمام حادث مثل حادث سقوط جدران مصنع متهالك علي رءوس عماله فكان الموتي أكبر بكثير من عدد من فقدناهم في حادث تفجير الكنيسة المشئوم، فقد أخذ حادث الكنيسة المشئون قوته من قوة الإيمان بالسماء، ورفض المجتمع لأي جهل بأن يلمس حقيقة الإيمان المصري بأي دين سماوي، وإنسانا هذا الحادث البشع ما سبق وإن شربناه منمرارة رؤية التخلف في البحث عن الربح عندما سقط سقف المصنع المتهالك علي رءوس العاملين فيه، وكل من الحادثين وقعا في مدينة واحدة هي الإسكندرية، وهي أيضا المدينة التي يدين لها العالم بالوعي بقيمة العلم منذ قبل الميلاد بثلثمائة عام حين تأسست مكتبة الإسكندرية القديمة، فأمدت الكون بأفكار هائلة عن تطوير الحياة، وهي المدينة التي استعادت مكتبتها بعد طول قرون، لتكون حائط سد عمليا وفلسفيا وواقعيا ضد الهجمة الشرسة لإمبراطورية الغباء المعاصر المسماة الولاياتالمتحدةالأمريكية، تلك الإمبراطورية التي تستنزف الآن خلاصة المواد الخام من منطقتنا لتبيع لنا موتنا من خلال تعزيزها اليومي لإسرائيل التي تمرح في بحيرات الدم الفلسطيني مثلما تمرح الولاياتالمتحدة في بحيرات الدم العراقي والأفغانستاني، وتضع المسلمين في سلة العداء مع الحضارة المعاصرة، لتستنزف آخر ما في البلاد التي تدين بالإسلام من خيرات. ولعل مؤتمر الإصلاح القادم بمكتبة الإسكندرية يستطيع وضع الرؤي الفعلية للخروج من مستنقع التخلف الآسن الذي يحيا فيه الكون، وتعبر الإسكندرية عبر دموعها ودماء أهاليها، سواء أهاليها من الأقباط الذين فقدوا واحد وعشرين إنسانا من أطياف الأعمار المختلفة، أو من المواطنين العاديين الذين فقدوا أكثر من ثلاثين إنسانا تحت سقف مصنع انهار علي رءوس العاملين فيه، ولعل مؤتمر الإصلاح الذي استطاع من قبل أن يصد هجمة شرسة بوثيقة الإسكندرية الشهيرة، واستطاع أن يصدر قدرا هائلا من دراسات تحقيق التراث الإسلامي المستنير، واستطاع مناقشة أوجه القصور في التعليم ومشكلات الشباب العربي من المحيط إلي الخليج، لعل هذا المؤتمر أن يدرس مع الجامعة العربية التكلفة الفعلية لتطوير التعليم من المحيط إلي الخليج لنصبح قادرين علي دحر وقهر ظروف تخلفنا، وأن تتحمل الحكومات العربية مجتمعة تكلف تطوير أسلوب حياة الأجيال الشابة. ومدد يا إسماعيل سراج الدين مدآآد، فبعيون العلم يمكن أن نرسم طريقا لعدم الوقوع فريسة لخداع المستقبل فنزداد تدهورا دون قصد نتيجة افتقاد رؤية الواقع المحيط بنا. منير عامر