من جانبهم أكد الخبراء أن ثمة اختلافا كبيرا بين التطبيق الفعلي لهذه المبادرة داخل مجتمعنا ونظيرتها في الدول المتقدمة اقتصاديا، وانقسمت الآراء بين مؤيد لهذه الخطوة بوصفها بداية مبشرة، في حين أبدي الآخرون شكوكهم في أن تمثل فائدة حقيقية للمواطن البسيط. د.أسامة عبدالخالق أستاذ الاقتصاد بتجارة عين شمس وعضو الجمعية المصرية للمالية العامة والضرائب يري أن مبادرة "موازنة المواطن" صورة راقية للتعامل الإنساني والاقتصادي من قبل الحكومة تجاه المواطنين، كما أنها وسيلة اضافية للافصاح عن بعض المؤشرات والأرقام المالية للدولة، إلا أن هذا التقييم الفلسفي للموضوع قد لا يعكس صورة التطبيق العملي والواقع القائم التي تتجسد من خلاله الفائدة العملية التي تسهم في تقييم الفوائد التي تعود علي المواطن من طرح مثل هذه المبادات، ويضيف د.أسامة أنه يمكن تقييم ذلك في ضوء العوامل التالية، أولا تحديد المستهدف بهذه الرسالة وهنا يشير الواقع العملي أن هناك فئة ضئيلة للغاية التي يمكن القول بأنها المستهدفة بتوصيل معلومة ما إليها، ذلك لأننا مجتمع يعاني أكثر من 50% منه من الأمية ويمثل حوالي 40% منه مجتمعا عشوائيا و70% مواطنون تحت خط الفقر.. ولهذا فإن أكثر فئات مجتمعنا لا يهمهم في الدرجة الأولي إلا تدبير "لقمة العيش" ولا يمكن مع هذه العوامل الالتفات إلي كتيب "موازنة المواطن" أو حتي ابداء أي اهتمام بتصفحه. يستطرد د.أسامة قائلا: أما العامل الثاني فهو أن المواطن المصري بطبيعته عاني خلال السنوات الماضية اقتصاديا وبجانب انحسار البعد الاجتماعي للدولة، إلي الدرجة التي يمكن معها القول بأن مطالبته بالمشاركة في التنفيذ والتقييم والرقابة، أمر غير قابل للتطبيق العملي، لأن تلك المتطلبات بالنسبة إليه تمثل نوعا من الرفاهية مثلها مثل مطالبة المواطن بالمشاركة في الحياة السياسية خاصة إذا كانت لديه قناعة مسبقة بألا يشهد مردودا مباشرا للمصطلحات الرنانة التي تتكرر علي مسامعه مثل ارتفاع معدل النمو وخلافه، لأنها لا تنعكس بشكل ملموس علي تحسن مستوي معيشته أو زيادة الدخل الحقيقي له. يشير د.عبدالخالق إلي فشل الحكومات علي مدار ما يقرب من 20 عاما في التحول من نظام الدعم العيني إلي الدعم النقدي علي سبيل المثال، حتي يمكن القول بأن متوسط دخل المواطن المصري يمكن تحديده برقم معين من الجنيهات أو الدولارات، وهذا العجز عن الأخذ بأسلوب الدعم النقدي الذي سبقتنا إليه الدول المتحضرة اقتصاديا لا يمكن الحديث معه عن موازنة المواطن، خاصة أن الواقع أثبت أن أكثر من 50% من هذا الدعم يذهب إلي غير مستحقيه، ومع هذا يحسب علي المواطن المصري الاستفادة منه. ويري د.أسامة أن هذا الأمر يثبت أننا نتحدث عن دخل افتراضي للمواطن وليس دخلا حقيقيا، وأن الواقع السييء للمواطن المصري قد أثبت أن متوسط الدخل في مصر وهو قيمة السلع والخدمات التي يستفيد بها المواطن بالفعل وليس الدخل النقدي الذي يحصل عليه في يده، هو المؤشر الحقيقي لدرجة مستوي المعيشة مع الوضع في الاعتبار أن هذا المؤشر سراب لا يتحقق في ظل ما سمعنا به خلال الأيام الماضية من استنفاد بعض نواب مجلس الشعب لميزانية العلاج المجاني علي نفقة الدولة بحيث لم يذهب شيء منها للمواطن إلا ما ندر، ناهيك عن أموال الدعم بما فيها المقررات التموينية ودعم البنزين والصحة والاسكان وخلافه والتي لم يشعر بها أيضا المواطن إلا بدرجة ضئيلة للغاية لا تعكس الأرقام الضخمة المدونة في الموازنة العامة لتلك الخدمات. ويوضح د.أسامة أن العامل الثالث والأخير الذي يقلل من جدية العمل بموازنة المواطن أو معقولية أرقامها أن المجتمع المصري شهد في الآونة الأخيرة بروز ظاهرتين الأولي اتجاهه إلي أن يوصف بمجتمع "5% أثرياء" في حين يرزح أكثر من 95% من مواطنيه باتجاه الفقر، وثاني الظاهرتين ارتفاع نسبة السيدات المعيلات لأسرهن حيث أصبحت هذه النسبة تمثل 25%. يشير د.عبدالخالق إلي أنه رغم كون هذه "الموازنة" تعد من مبادئ علم الاقتصاد والمالية العامة التي تسعي كثير من الدول إلي طرحها علي المواطن إلا أن الوضع يختلف لدي مجتمعنا في ضوء ما تحدثنا عنه سابقا وهو الأمر الذي يثير الشكوك أن تكون هذه المبادرة مجرد تمهيد لفرض ضرائب جديدة مع تقديم مبررات تشير إلي متوسط نصيب المواطن من الدين العام المحلي والخارجي خاصة مع تضاؤل نسبة الايرادات السيادية من قناة السويس والبنك المركزي والبترول والتصدير والسياحة مع الوضع في الاعتبار أن الضرائب تحتل 70% من الموارد السيادية في