هل عرفت مصر علم التخطيط، وهل تستخدمه في وضع السياسات لتناسب الموارد الأهداف؟ وإذا كان كذلك فلماذا لا يشعر المواطنون بوجود تلك المخططات، بل علي العكس النتيجة علي أرض الواقع. تعكس غياب التخطيط، وانتشار الفوضي، وعدم استفادة المواطنين من الموارد المتاحة للدولة بشكل عادل، وفي المقابل يترسخ لدي الناس قناعة بأن المخططات التي تروج لها الحكومات المتتالية وتقوم بشرحها وتنفيذها تصب في مصلحة فئة صغيرة من المجتمع، هي التي تستفيد وتتسع ثرواتها بينما يزداد الفقر والمشاكل لدي الفئات العريضة من المجتمع، ومن هنا فالسؤال الذي يفرض نفسه لماذا لا تكون المخططات القادمة للمستقبل في مصر متسقة مع الأهداف السياسية المفترضة لخدمة الشعب كله وليس حفنة فقط منه وكيف السبيل إلي أن تعمل كل الوزارات والأجهزة المحلية في تناسق وتكامل، وليس في جزر منعزلة؟! الخطة الاستراتيجية في أي دولة تبدأ برصد البيئة المحيطة وتحديد الموارد ونقاط القوة والضعف ومصدر التنافسية بينها وبين الدول الأخري من خلال مقارنة الوضع الزراعي والصناعي والتجاري وإمكانية تفوقها في أي من هذه القطاعات وتعتبر فترة حكم محمد علي باشا في مصر هي بداية معرفة مصر بالخطط الاستراتيجية ولكنها تختلف عن مثيلاتها بكونها لم تكن مكتوبة، ويعتبر الاتحاد السوفيتي هو من أول الدول التي وضعت مخططاً استراتيجيا مكتوباً مدته 5 أعوام، وكان ذلك عام ،1924 وحذت حذوها الدول التي ساندتها إبان الحرب الباردة خاصة الدول النامية، ومنها بالطبع مصر التي ظلت حتي الآن تضع خططا خمسية وعشرية مع إضافة بعض التطوير، ذلك علي عكس الدول المتقدمة التي تحرص علي التخطيط الاستراتيجي القصير المدي، الذي لا يتعدي عمره السنة الواحدة بسبب كثرة التغيرات التي تحدث في البيئة العالمية ثم بخطط طويلة المدي لا ترتبط بحكومات بقدر ما تعبر عن تخطيط متوافق عليه للمستقبل وتحرص العديد من الدول حالياً علي ضرورة إشراك المواطنين في رسم مخططاتها لضمان نجاحها ومن أمثلة ذلك إشراك فنلندا للطلبة والأساتذة والعلماء في وضع استراتيجية التعليم عام ،1968 وكذا إشراك مهاتير محمد في ماليزيا للمواطنين في تحديد ملامح مخطط ،2020 من خلال تبسيط مفردات الخطة، حتي تتسق مع تفكير المواطن البسيط. اتساق الخطة مع الواقع وخلال عملية رصد المخططات الاستراتيجية في تاريخ مصر الدكتور يوضح طاهر حامد أستاذ الإدارة في الأكاديمية العربية أن الخطة الاستراتيجية بعد ثورة يوليو اتسمت بالمبالغة وعدم الاتساق مع الواقع بمشتملاته من الموارد، وعدم تحديد عناصر القوة والضعف والتهديدات الخارجية، حيث قامت علي فكرة التصنيع من الإبرة للصاروخ، بينما اتسمت الخطط الاستراتيجية الحالية، في ظل حكومة رجال الأعمال مثلا باتساقها مع الواقع علي حد قوله - بسبب خبرة رجال الأعمال في وضع الخطط الاستراتيجية في إدارة أعمالهم، مؤكدا أن الحكومة الحالية قد تسم في صنع نهضة غير مسبوقة بمختلف القطاعات سواء الاستثمارية أو الصناعية أو التجارية وترتب علي ذلك عدم تأثرنا بالأزمة المالية العالمية مثل غيرنا. ومن ناحية أخري أكد دكتور طاهر حامد علي ضرورة تغيير طرق وضع المخططات الاستراتيجية تماشيا مع التغيرات العالمية السريعة بحيث تتخلي عن الاستراتيجيات طويلة الأجل وتعتمد علي فكرة التخطيط بالسيناريوهات أو طرح تساؤل افتراضي دائم "ماذا لو.." والتي تجعل صانع القرار يحرص علي المرونة ووضع البدائل للمخطط تفاديا لأي تغيرات محلية أو عالمية، ورداً علي سؤال حول العيوب التي تعاني منها المخططات الاستراتيجية في مصر أشار دكتور طاهر إلي انعدام الصبر والمثابرة علي تنفيذ المخطط ضاربا مثلا بوضع 7 مخططات استراتيجية للتعليم لم تنفذ، علي الرغم من قدرتها علي إصلاح أحوال التعليم، بشكل قاطع، بسبب عدم المثابرة، والعيب الثاني هو عدم القدرة علي تحديد المزايا التنافسية للموارد المتاحة. ويعتبر معهد التخطيط القومي الجهة البحثية المنوط بها وضع الخطط الاستراتيجية علي المستوي القومي وهو جهة مستقلة يرأس مجلس إدارتها دكتور عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية، وتتضمن الخطة الخمسة الأخيرة