بعد اثنين وعشرين عاما علي إعلان الاستقلال في الخامس عشر من نوفمبر ،1988 وقيام دولة فلسطين علي الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس، ومحاولة الرئيس الراحل ياسر عرفات تحويل هذا الحلم إلي حقيقة عبر مفاوضات سياسية انطلقت في مؤتمر دولي عقد في مدريد عام ،1997 اصطدمت أحلام وطموحات الفلسطينيين في الاستقلال بالواقع السياسي المعقد والمتشابك في إسرائيل. فمن عند النقطة التي بدأت منها المفاوضات عام 1991 مازال الفلسطينيون يسعون إلي انجاز سلام علي طريق تحقيق حلم الدولة بنضالات استمرت لأكثر من عشرين عاما تعاقبت عليها حكومات إسرائيلية متعددة لم يكن فيها من يستطيع وضع اللبنة الأولي علي طريق تحقيق هذا الحلم. فآخر ما توصل له ملف المفاوضات الصعبة مع إسرائيل هو المزيد من الاستيطان الذي وقف حائلا أمام أي تقدم فيها بل دفع تواصل الاستيطان الجانب الفلسطيني إلي اشتراط العودة إلي المفاوضات بوقف الاستيطان فإذا كانت المفاوضات تجري لاقامة دولة فلسطينية، فلماذا يتواصل الاستيطان علي الأرض التي ستنسحب منها إسرائيل؟ فمن يقيم المستوطنات اليوم بالتأكيد لن يقدم علي تفكيكها غدا. وبات جليا أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعي إلي إخراج الفلسطينيين من دائرة السيطرة الاسرائيلية مدفوعا بالقلق من حل الدولة الواحدة لذي يحذر خبراء إسرائيليون من تحوله إلي أمر واقع عبر التاريخ، لذا وضع نتنياهو خطة للتخلص من السكان الفلسطينيين عبر اقامة دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة علي نحو 90% من مساحة الضفة تتحول لاحقا إلي حدود نهائية. الأمر الذي رفضه الفلسطينيون خشية تحوله إلي حل نهائي عبر سياسة الأمر الواقع، فالجانب الفلسطيني لن يقبل بأقل من حدود عام 1967 مع تبادل أراض بنسبة ضئيلة فالخطوط الحمراء التي وضعها الرئيس الراحل ياسر عرفات ومن بعده الرئيس الحالي محمود عباس تتمثل في الضفة الغربية وقطاع غزة كاملة بما فيها القدسالشرقية و17 كيلو مترا علي شاطيء البحر الميت و46 كيلو مترا مربعا من الأرض الواقعة بين اللطرون والقدس وهو عودة اللاجئين وممر آمن بين الضفة وغزة. لقد كان آخر ما توصل إليه ملف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي تحت رعاية أمريكية هو مفاوضات مباشرة تنتهي بإقامة دولة فلسطينية علي حدود 1967 غير أن قضية الاستيطان واصرار إسرائيل علي مواصلته وقف حائل ومن التقدم في هذه المفاوضات والعودة بها إلي نقطة الصفر، الأمر الذي جعل الإدارة الأمريكية تتحرك في اتجاه اعطاء إسرائيل عوامل محفزة للرجوع عن اصرارها تجاه الاستيطان، ومحاولة اقناع إسرائيل بتجميده ولو بشكل مؤقت حتي تنجز المفاوضات وكان آخر هذه المغريات الأمريكية رزمة حوافز وعدت بها واشنطن إسرائيل حتي تنجح المفاوضات، وتقضي هذه الرزمة المحفزة أو الضفقة إن جاز التعبير بحصول إسرائيل علي امتيازات استراتيجية ومالية كثيرة لقاء موافقتها علي تجميد البناء في المستوطنات الواقعة في الضفة الغربية ل90 يوما، غير أن التقارير الاسرائيلية تضاربت حول المرحلة التي بلغتها الاتصالات بين إسرائيل والولاياتالمتحدة في شأن وثيقة رسمية تتناول التفاهمات التي تمت بين رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون وتقضي بتجميد الاستيطان في مستوطنات الصفقة ل 90 يوما في مقابل.. تلقي إسرائيل رزمة حوافز وامتيازات استراتيجية أمريكية. ويبدو أن فرص التوصل إلي اتفاق رسمي بين إسرائيل والولاياتالمتحدة في شأن رزمة الحوافز قد تراجعت كثيرا بعد أن تبين أن قائمة الحوافز التي اطلع عليها نتنياهو وزراءه تقلصت كثيرا بعد أن اتضح لإسرائيل أن الطائرات ال 20 المقاتلة من طراز "أف 35" التي يقول نتنياهو أن كلينتون وعدت بأمداد إسرائيل لها بتكلفة 3 مليارات دولار لن تكون مجانا كما فهم منها، وكذلك ترفض الولاياتالمتحدة الألتزام خطيا بألا يشمل تجميد البناء مستوطنات القدس، وتصر في المقابل علي أن تكون قضية ترسيم الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية المسألة الأولي التي يتم بحثها مع استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية وهو ما يرفضه نتنياهو حتي الآن.